المحاضرة الثالثة: التطور الإدارة الإستراتيجية
مفهوم الإدارة الإستراتيجية:
لقد تعددت التعاريف التي تبين معنى الإدارة الإستراتيجية و منها ما يلي:
حسب DAVID هي " علم و فن صياغة و تنفيذ و تقييم القرارات الوظيفية المختلفة التي تمكن المؤسسة من تحقيق أهدافها ".
ويؤكد العالمان THOMPSON,STRICKLAND على أن الإدارة الإستراتيجية هي :" العملية التي بواسطتها يتمكن المدراء من تأسيس اتجاه طويل المدى للمؤسسة ،و تحديد أهدافها و تطوير الإستراتيجيات لغرض تحقيق هذه الأهداف في ضوء المتغيرات الداخلية و الخارجية ذات العلاقة."
كما يعرف ANSOFF الإدارة الإستراتيجية على أنها " العلاقات المتوقعة بينها و بين بيئتها بحيث يوضح هذا التصور نوع العمليات التي يجب القيام بها على المدى البعيد و المدى الذي يجب أن تذهب إليه المؤسسة و الغايات التي يجب أن تحققها ".
وفي هذا الصدد يمكن استخلاص تعريف شامل للإدارة الإستراتيجية فهي تصور مستقبلي للمؤسسة و تحديد رسالتها و كذا أهدافها على المدى البعيد و دراسة أبعاد العلاقات المتوقعة بينها و بين بيئتها التعرف على الفرص و المخاطر المحيطة بها و كذا نقاط القوة و الضعف للمؤسسة بهدف اتخاذ القرارات الإستراتيجية المناسبة و مراقبتها و تقويمها .
التطور التاريخي للإدارة الإستراتيجية:
لقد مرت الإدارة الإستراتيجية بتطورات عديدة من خلال عشرات السنين و يرى GLUCK أن هذا التطور مر بأربع مراحل أساسية و هي :
1- مرحلة التخطيط المالي الأولي: يمكن إرجاع بدايات التخطيط إلى الموازنات السنوية، حيث عملت الموازنة كتقنية فعالة لتنفيذ الإستراتيجية بسبب قدرة المدير التنفيذي على استيعاب متغيرات بيئة العمل لبساطتها و البطء النسبي للتغيرات الحاصلة فيها . إلا أن التغيرات الاستثنائية بعد الحرب العالمية الثانية أدت إلى ظهور تحديات جديدة للمؤسسات تجاوزت قدرة أي مدير على استيعاب هذه المتغيرات، لذلك أصبحت الموازنات غير مناسبة لأغراض التخطيط و تنفيذ الخيارات بمفردها.
2- مرحلة التخطيط المستند على التنبؤ: هنا حل التخطيط المعتمد على التنبؤ محل الموازنات ،و أصبح التنبؤ بالتأثير المستقبلي للقوى الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و غيرها و البداية كانت باستخدام طرق التنبؤ الكلاسيكي و لكن بعد التوسع الحاصل في عمل المؤسسات ،وزيادة التغيرات البيئية ،طورت إدارات مؤسسات الأعمال أساليبها و طرق التنبؤ لتشمل طرقا جديدة تغطي فترات زمنية متوسطة المدى.
3- مرحلة التخطيط ذو التوجه الخارجي : مع سرعة التغيرات الحاصلة في البيئة و اشتداد المنافسة.أصبحت الوسائل الحالية في التخطيط غير فعالة ،و بذلك أخذت المؤسسات تبحث عن طرق ووسائل جيدة للتعامل مع الإشكاليات المطروحة و يمكن هنا تقسيم هذه المرحلة إلى الآتي :
3-1مرحلة التخطيط البعيد المدى: إن التخطيط بعيد المدى في حقيقته امتداد في الأفق الزمني للخطط متوسطة المدى نتيجة قدرة المؤسسة على تطوير وسائل تنبؤ حديثة تستكشف فترات أبعد .إلا أنه مع التغيرات وسرعتها، أصبح هذا النوع من التخطيط غير كاف وهذا لسببين هما :
الأول : تعود المؤسسات على التخطيط طويل المدى أدى إلى تحوله إلى عملية آلية حيث اعتمدت إدارة المؤسسة تخطيط الأعوام السابقة كخطط مستقبلية بعد إجراء تعديلات بسيطة عليها.
الثاني: مع حدة المنافسة و بطء نمو الأسواق أصبح التنبؤ طويل المدى غير مناسب مما دعا إدارة المؤسسة الرائدة إلى تطوير أساليبها بالاتجاه إلى فلسفات و طرق أخرى.
3-2مرحلة التخطيط الشامل: مع التوسع و التعقد في علاقة المؤسسة مع بيئتها ،و مع كبر حجم المؤسسات و انتشارها الجغرافي و ما يترتب على ذلك من استقلالية أكبر لنشاطات هذه الأعمال أصبحت الإدارة الرئيسية للمؤسسة تواجه صعوبات في تخصيص الموارد و الرقابة على عمليات التخطيط لهذه الأعمال المتعددة و لذا ظهرت فكرة التخطيط الشامل لتعالج هذه النقائص و هي لا تختلف عن التخطيط بعيد المدى من حيث رؤية المستقبل ،لكنها تضيف تصورا مشتركا من خلال إعطاء قدرة أكبر للإدارة العليا للمؤسسة في توجيه و رقابة العمل.
3-3مرحلة التخطيط الإستراتيجي : تحول التركيز خلال هذه المرحلة من التنبؤ بالمستقبل إلى فهم المقدمات الرئيسية للنجاح في الصناعة حيث بدأ المخططون بالبحث عن الفرص في البيئة الخارجية و تحديد قدرات المؤسسة بما يتلاءم و احتياجات الأسواق. و قد أدى التخطيط الإستراتيجي إلى صياغة إستراتيجية فعالة عن طريق حشد قدرات المؤسسة على النظر بجدية إلى نفسها و إلى منافسيها و مع ذلك ظهرت مشكلتان هما :
الأولى: إبعاد الجزء التشغيلي من المؤسسة من عملية التخطيط الإستراتيجي و هذا أدى إلى مشكلات في تنفيذ الإستراتيجية .
الثانية: أدى تنوع الفرص التي تولدت خلال هذه المرحلة إلى زيادة أعباء الإدارة العليا.
4- مرحلة الإدارة الإستراتيجية : إن الإدارة الإستراتيجية تمثل مجاميع عديدة من المفاهيم الجديدة وأساليب و طرق و نماذج و أدوات تحليلية مختلفة .فهي تعتبر نقلة نوعية في الفكر الإداري و التنظيمي . حيث أعطت إجابات منهجية علمية و عملية على كثير مما كان يطرح بالفكر الإداري على أنه تناقض أو تعارض في الأساليب و الإجراءات الإدارية المستخدمة. ففي إطار نهج الإدارة الإستراتيجية لا يوجد تناقض و تعارض بين العالمية و المحلية في التركيز على الأسواق و المستهلكين ،و كذلك بين المعايير النوعية و الكمية المتداخلة و بين المركزية و كذلك بين التنظيم الرسمي و غير الرسمي .
وتختلف الإدارة الإستراتيجية عن التخطيط الاستراتيجي ، فالإدارة الإستراتيجية هي ثمرة لتطور مفهوم التخطيط الاستراتيجي وتوسيع لنطاقه وأبعاده ، فالتخطيط الاستراتيجي هو عنصر من عناصر الإدارة الإستراتيجية وليس الإدارة الإستراتيجية بعينها لأن الإدارة الإستراتيجية تعني أيضاً إدارة التغيير التنظيمي وإدارة الثقافة التنظيمية وإدارة الموارد وإدارة البيئة في نفس الوقت ، فالإدارة الإستراتيجية تهتم بالحاضر والمستقبل في آن معا، في حين أن التخطيط الاستراتيجي هو عملية تنبؤ لفترة طويلة الأجل وتوقع ما سيحدث وتخصيص الموارد .
مقومات الإدارة الإستراتيجية
- خطة إستراتيجية متكاملة.
- منظومة متكاملة من السياسات التي تحكم وتنظم عمل المنظمة وترشد القائمين بمسئوليات الأداء وأخلاقيات العمل لتحقيق التميز.
- أسس وقواعد ومعايير اتخاذ القرار.
- هياكل تنظيمية مرنة ومتناسبة مع متطلبات الأداء وقابلة للتطوير والتكيف مع التغيرات والتحديات الخارجية والداخلية للمنظمة.
أهمية الإدارة الإستراتيجية :
- توضيح الرؤية المستقبلية للعمل و رسم صورة مستقبلية للمؤسسة تحاول الوصول إليها.
- التفاعل البيئي على المدى البعيد، حيث يساعد هذا التفاعل المؤسسة على التعامل مع الظروف والمستجدات، و يعطيها القدرة على التكيف مع التغيرات.
- إمكانية تبني أفكار إبداعية جديدة تساهم في تطوير قدرات ورغبة في تطوير واقع المؤسسة من خلال إجراء تغييرات مستمرة و إيجابية.
- تدعيم المركز التنافسي للمؤسسة ،و جعلها قادرة على بناء قدرات تساهم في تعزيز هذا المركز وتحقيق نتائج ايجابية .
- توفر أساس معين لتحديد الحاجة للتغيير و إبرازها لجميع المستويات الإدارية، إضافة إلى المساعدة في النظر إلى التغيير كفرصة، و ليس كتهديد.
- تضع أسس علمية وسليمة لتخصيص الموارد و الإمكانيات و خاصة النادرة منها على مختلف وحدات الأعمال و الأنشطة الوظائفية في المؤسسة.
- تمثل إطارا لتحسين الممارسة الإدارية من خلال التنسيق و السيطرة على النشاطات أو رقابتها.