الأستاذ عريس نصر الدين       السنة اولى ماستر عيادي                                         مادة: علم النفس الايجابي  
أهمية و أهداف علم النفس الإيجابي  

1.    أهمية علم النفس الإيجابي:

كما سبقت الإشارة سابقا أن بدايات علم النفس الإيجابي تعود سليجمان ماتن إلى عام 1998 في الولايات المتحدة الأمريكية في وقت السلم و الرخاء، لذا فإننا قد نعتقد أن علم النفس الإيجابي ينتعش تحت تأثير الظروف الإيجابية السوية في المجتمع فقط. أما إذا توقفت عجلة الظروف الجيدة فإن العالم سيعيد توجيه موارده نحو الدفاعات و الإنهيار و توجيه تعاطفه نحو دراسة ضحايا الإضطرابات و سوف تتفوق الإنفعالات السلبية على الإنفعالات الإيجابية. وهذا لا يعني أن علم النفس الإيجابي عليه أن ينسحب من معترك الحياة، بل إنه يصبح أكثر أهمية و إيجابية في أوقات الشدة، لأننا في أوقات الشدة نكون في حاجة أكثر إلحاحا لاستخدام مبادئ علم النفس الإيجابي للتغلب على هذه الشدائد، فدراسة الإنفعالات الإيجابية كالثقة و التفاؤل و الأمل تعيننا بطريقة أفضل عندما تكون الحياة صعبة. وفي أوقات الشدة أيضا يكون فهم و بناء القوة و الفضائل مثل التكامل و الإعتدال و الشجاعة و الرؤية الصحيحة الأشياء و الولاء أكثر إلحاحا، وفي أوقات الشدة يصبح دعم و مساندة المؤسسات الإيجابية مثل الديمقراطية و الأسرة القوية و حرية الصحافة مطلبا مهما وجوهريا، و لأن علم النفس الإيجابي يركز على ما هو إيجابي فإنه بالتالي يمثل أفضل السبل لمساعدة الأفراد في أوقات الشدة، لأن من يعانون من القلق و الإكتئاب و الإضطرابات بصفة عامة بحاجة ماسة إلى من يخفف من معاناتهم وفي حاجة إلى من يحثهم على التمسك بالفضيلة و القدرة و الأصالة و الهدف و التكامل. كما أن التخفيف بالشعور من المعاناة يعتمد على تنمية الشعور بالسعادة و بناء الشخصية، فالانفعالات الإيجابية تبطل الإنفعالات السلبية. كما أن الفضائل و مواطن القوة تعمل في اتجاه مضاد للشعور بالأسى و الإضطرابات النفسية وقد تكون هي المفتاح لبناء القدرة على إستعادة القوة بعد الضعف.

و علم النفس الإيجابي يركز على الجوانب الإيجابية الجيدة لدى الفرد و التي تساعده على العيش في مستويات مرتفعة من السعادة، بمعنى الإحساس بالعواطف و المشاعر الإيجابية و الشعور بأن الحياة جديرة بأن نعيشها لأن التفاؤل يدفع الفرد إلى تخطي الفشل و تحمل تحديات الحياة كما أن التسامح يحرر الفرد من الشعور بالمرارة و الضغينة حول خبرات الماضي و آثاره السلبية.

وقد أكدت آراء الكثير من علماء النفس على أن علم النفس الإيجابي له فائدة كبيرة في ميدان العمل وفي الموارد و التنمية البشرية و تنمية القوى الإنسانية عبر مراحل العمر المختلفة، و أن له دور كبير في زيادة الرضا و مستوى الدافعية و الإنتاجية في أماكن العمل، كما أن له دور كبير في زيادة الفاعلية الإنتاجية و الإقتصادية في ميدان العمل و الإنتاج. وهذا ما يعطي دور كبير لعلم النفس الإيجابي في الميدان الصناعي، وعلى ضوء هذا يمكننا تحديد عدة مجالات يمكن أن يساهم فيها.(نوال بوضياف،)

-الميدان الإقتصادي: ساهم علم النفس الإيجابي في زيادة القدرة على فهم سلوك المستهلك، وهذا ما ترتب عنه الكثير من الإيجابيات المتعلقة بالمبيعات بزيادة الموارد الإقتصادية، لأن استعمال العواطف و المشاعر الإيجابية ففي موقع العمل وفي التعامل مع المستهلك خاصة في حالات البيع و الشراء، علاوة عن ذلك فلعلم النفس الإيجابي دور كبير في زيادة جة الحياة.

وذلك من خلال استخدام التعزيز الإيجابي في إدارة السلوك التنظيمي و خلق الدافعية للإنجاز و العمل على زيادة طرق البحث عن النجاح و تجنب الفشل.

-الميدان التربوي: أكد العديد من علماء النفس على أن لعلم النفس الإيجابي دورا فاعلا في العملية التعليمية، حيث أكد تريجنسين و آخرون 2004 أن لعلم النفس الإيجابي دور فاعل في تنمية دافعية التلاميذ و ثقتهم بأنفسهم و تنمية الجوانب الإيجابية و الانفعالية و الإبداعية لديهم و جعلهم أكثر تفاعلا و مرونة و أملا في المستقبل وهذا بدوره سوف يؤثر تأثيرا إيجابيا في عملية التحصيل و النفوق، لأنه سوف يفتح أمامهم مجالا أكثر للتركيز و الإبداع و التحمّل و الثقة بالنفس و المرونة في التعامل مع المشكلات التي سوف تواجههم في عملية التحصيل، لأن مساعدة الطالب بصفة عامة و المضطرب بصفة خاصة و تنمية النواحي الإيجابية لديه من قوة و تفاؤل و شجاعة و أمانة و مثابرة تكون أكثر فاعلية و أهمية من التركيز على علاج الإضطراب أو الضعف الذي يعاني منه الطالب، أو إزالة مشكلته فقط. وبصفة عامة يعد التعزيز الإيجابي أحسن من التعزيز السلبي خاصة في الميدان التعليمي، لأن التعزيز الإيجابي يساهم أكثر في علاج المشكلات السلوكية المتعلقة بالمجال التعليمي كالتأخر الدراسي و التشتت و عدم التركيز و صعوبة التحصيل، وعلى ذلك فإن علم النفس الإيجابي يساهم بدور كبير في تقويم و تنمية شخصية الطالب و تنمية نواحي القوة لديه و بالتالي فإن ذلك يساهم في تحصينه مما قد يواجهه من مشكلات تتعلق بالعملية التعليمية.

كما لا يقتصر علم النفس الإيجابي في الميدان التربوي على الطالب فقط، بل يمتد دوره إلى المعلم و المدير و المدرسة بأكملها، فبالنسبة للمعلم فإن تفاعلات المعلم الإيجابية مع تلاميذه في قاعات الدرس تساهم بشكل كبير في تحقيق الكثير من الآثار الإيجابية في نفوس التلاميذ و بالتالي تؤثر بشكل كبير على مستوى تحصيلهم و فهمهم، ومن ثم يجب العمل على إيجاد بيئة تربوية إيجابية تساهم في إيجاد العديد من طرق التحصيل الإيجابي، وقد وجد الكثير من العلماء من طرق التحصيل الإيجابي لدى التلاميذ، وقد وجد الكثير من العلماء أن المعلم الإيجابي الذي يحاول الكشف عن الإيجابيات في شخصية و سلوك طلابه يكون تأثيرا في نفوس طلابه من المعلم الذي يحاول تذكيرهم دائما بالسلوك السئ، كما أن الكثير من الدراسات قد أكدت على أنّ الإعتماد أساليب و تقنيات إيجابية من قبل المعلم و إدارة المدرسة يساهم في التغلب على المشكلات النفسية و التربوية و السلوكية التي تواجه الطلاب في سياق حياتهم اليومية.

-       التشجيع على الإهتمام بالصحة:

في بعض الأحيان يشعر الأشخاص المصابون بأمراض نفسية، برغبة في الإستسلام وهذا أمر طبيعي بسبب التركيز القوى على كلّ ما هو سلبي (نتيجة سلبية أو سلوكًا سلبيًا، أو تجربة نفسية سلبية حدثت في الماضي). في هذا الإطار يقوم علم النفس الإيجابي بمساعدة الشخص على الإلتزام بتحسين وضعه من خلال أهداف مختلفة من خلال برنامج يتضمن العديد من الأشكال التكنولوجية لمساعدة الأفراد و تدريبهم على البحث عن الخبرات الّتي تعود بالفائدة على المريض و المجتمع، كما يعلم علم النفس الإيجابي النّاس كيفية التعامل مع الشدائد و تعزيز إنتاجيتهم، وبناء علاقات إيجابية مع الآخرين.

-       تعزيز العلاقات الإجتماعية:

يهتمّ علم النفس الإيجابي بإظهار نقاط القوّة و الضعف لدى الفرد، وفي هذا المجال، يقوم المعالجون النفسانيون بتعليم الشخص كيفية تحديد نقاط قوته و تطويرها للأفضل، بحيث يصبح الناس أكثر ثقة مع تمتعهم بالكثير من المهارات و الشغف و المرونة بالحياة.

وتظهر الأبحاث أنّ الأشخاص الّذين يتمتعون بأعلى مستويات السعادة يطورون أيضًا علاقات قويّة و إيجابية مع العائلة و الأصدقاء، و كيفية تواصلهم مع الآخرين حيث يؤدي التواصل الجيّد و تكوين الصداقات و المعارف بشكل صحيح، سواء لفظيا أو من خلال لغة الجسد إلى تحسين رفاهية النّاس بشكل عام.

-       تقليص الآثار السلبية للفشل:

يساعد علم النفس الإيجابي الفرد على تغيير أفكاره و تصوراته للأحداث في حياته من خلال تغيير إدراكه للفشل بحيث يواجه هذا الشعور بالثقة اللازمة حيال العقبات الّتي تنشأ بالحياة بدلا من رؤية الفشل كشئ ملازم له طوال الوقت، يمكن علم النفس الإيجابي الفرد من رؤية الفشل على أنّه وسيلة للتعلم و أنّه مسار آخر يسمح للفرد أن يصبح أقوى مستقبلا.(فاطمة بن خليفة، 2021).

 

-       الميدان الكلينيكي:

لعلم النفس الإيجابي دور هام في عملية العلاج النفسي لأنه يقدم العديد من التكنيكات الإيجابية في العلاج النفسي، ولأجل ذلك أفراد لنفسه فرعا من العلاج النفسي يسمى بالعلاج النفسي الإيجابي القائم على الإهتمام بالسمات الإنسانية الإيجابية إلى جانب إعتمامه بنقاط الضعف لدى الفرد، فالعلاجات الطبية تعمل على تسكين الجروح، بينما العلاج النفسي الإيجابي يعالج الضعف و ينمي و يدعم مناطق القوة لدى الفرد، فعلاج الإكتئاب مثلا لا يقوم على تقديم العقاقير فقط، و إنما يقوم على إيجاد أساليب إيجابية في الحياة و ذلك من خلال زيادة المشاركة الإيجابية و التركيز على الإنفعالات الإيجابية بدلا من استهداف الأعراض الإكتئابية، كما أشارت العديد من الدراسات أن استراتيجيات العلاج النفسي تساهم في التخفيض من حدة أعراض قلق المستقبل.

-   2-    أهداف علم النفس الإيجابي:

تعتبر أهداف علم النفس الإيجابي هي المحرك الأساسي لدراسة هذا العلم و قيام العلماء بتطويره ليصبح بوصلة هامة في معالجة العديد من الحالات التي تشعر بالإنعدام و الاضمحلال، وعليه فقد حدد سليجمان الهدف الرئيسي لعلم النفس الإيجابي هو:

تمكين الفرد من الإحساس بالسعادة و الرضا عن الحياة (الصحة النفسية الإيجابية).

أما عن أهداف علم النفس الإيجابي من وجهة نظر علماء النفس:

1.    تنمية السمات الفردية الإيجابية كالقدرة على الحب و العمل و الشجاعة و المهارة في إقامة علاقات بين شخصية و الإحساس بالجمال و التسامح و الأصالة و الانفتاح على المستقبل و الموهبة و الحكمة.

2.    يسعى علم النفس إلى تحقيق الكثير من المعاني الإيجابية.

3.    تحسين جودة حياة البشر و تحقيق ما يعرف بالسعادة و التمكن.

4.    يسعى علم النفس الإيجابي لفهم و دراسة الحياة الجادة لمكونات الحياة الإيجابية كالانفعالات الإيجابية كالرضا عن الماضي و السعادة في الوقت الحاضر و الأمل و المستقبل.

5.    دراسة و فهم و تطوير الصفات الإيجابية مثل الشجاعة الصمود الفضول، التسامح و الحب و معرفة الذات، النزاهة الرحمة، الإبداع.

6.    يساعد الأفراد و المؤسسات على اكتشاف قدراتهم و مواطن قوتهم الإيجابية، وتنمية كفاءتهم الذاتية.

7.    البحث عن الأسباب التي تؤدّي إلى سلامة التفكير و مواجهة الضغوط و الإضطرابات بطريقة إيجابية.

8.    تقديم العديد من التكنيكات الإيجابية في الإرشاد و العلاج النفسي.

9.    التأثير في حياة الأفراد حتى يصبحوا أكثر رضا عن أنفسهم و حياتهم و عالمهم و مستقبلهم، عن طريق تنمية قدراتهم و مهاراتهم و تطويرها و اثراءها.

10.                      توسيع دائرة اهتمام علم النفس الإكلينيكي العلاجي بحيث يبني جوانب الشخصية و يطورها.

11.                      تخليص المرضى النفسانيين من عاداتهم الشاذة و اضطراباتهم النفسية.

12.                      وعلى مستوى الصعيد التربوي يهدف علم النفس الإيجابي إلى تنمية دافعية التلاميذ و ثقتهم بأنفسهم و تنمية الجوانب الإبداعية و الإنفعالية لديهم و جعلهم أكثر تفاعلا و مرونة و بالتالي يؤثر في عملية التحصيل و التفوق.

    

Last modified: Monday, 30 October 2023, 9:39 PM