صلة الدين بالأخلاق
"حين نتحدث عن (الخبرة الأخلاقية) فإننا نعني كل خبرةيعيشها الإنسان تنطوي على مضمون ذي قيمة"'. ويحتم هذابالضرورة أن تكون ثمة علاقة وصلة وطيدة بين الدين والنظامالخلقي؛ إذ كل تصرف وكل حركة تبدر من الإنسان ستخضعللتساؤل عن رأي الإله بها: هل يمانع من إتيانها؟ هل يطلب إتيانها؟
وهو التساؤل الذي سيشتمل على إجابات لا حصر لها تشمل سائرالسلوكيات والأفعال. وتتشابه تلك الإجابات من قريب أو بعيد أوتتباين تماماً حسب البنى والرؤى المرتبظة بنظرة كل دين بحسبه.
وإذا صح أن الأخلاق قد تقوم بانفصال عن الدين؛ فليس هناكدين من دون نظرة إلى الأخلاق. لا بل إن الأخلاق تشكل الجزءالأكبر من أي رسالة دينية. ولا يكون المرء مؤمناً حقاً ما لم يستمدأخلاقه من دينه. ويمكن تلخيص الوصايا الخُلّقية للدين باحترامالناس ومحبتهم وحسن معاملتهم؛ وكذلك رعاية كل الخليقة وعدماساءة استعمالياء 5ة حمة فعلة للادمان بالله. و كد المسحة أن
و[عمل الصالحات)؛)؛ ويدهب إلى أل الله #خلى الموت والحياةليبلوكم أيكم أحسن عملاً4[الملك:؟]. وإذا لم تكن الأخلاقخارج النطاق الديني أخلاقاً صارمة بالضرورة: أو في كلالفلسفات الخُلقية: فقد وصفت الأخلاق النابعة من الدين بأنهاأخلاق أبطال وقديسين تستدعي الجهاد الدائم ضد عوامل السوءوالشر في النفس وفي العالم؛ اقتداءً بمثال أعلى يتخذه المرء لنفسهفي هذا الصراع وهذا السعي. الأديان كلها تضع هذا المثال الأعلىالذي يجدر الاقتداء به أو محاكاته في أشخاص مؤسسيها. فالقدوةالخُلّقية في المسيحية هي المسيح. وفي الإسلام محمد؛ وفيالزردشتية زردشته وفي البوذية غوتاماء وفي الطاوية لاوتسو. كلواحد من هؤلاء مثال الإنسان الكامل في نظر أتباعه الذين عليهم أنيحاولوا الارتفاع إلى ملء قامة المؤسس في كل ما يفعلون[1].
وفي مقام الكلام الفلسفي حول ارتباط الأخلاق بالدين»سنعرض عينة مشتملة على ثلاث رؤى لثلائة من مشاهير الفكرالإنساني؛ تتباين فيما بينها حول صلة الدين بالأخلاق إلى اتجاهات
خلاصة
الأخلاق تضم كل الخبرات القيمية: الأمر الذي يحتموجود صلة بينها وبين الدين.
يمثئلنيتشه الاتجاه الذي يرى بأن للأخلاق واقعها الخاصالذي لا ينبغي ربطه بالدين عند التعرف عليه. ويعتبر أن الدينيغذي روح الضعف والمسكنة في الإنسان وهي حالة خلاف الواقعالطبيعي له وأن الأخلاق الجديرة بالاعتبار هي الأنانية والحتميةالمستبطنة بفكرة السوبرمان المحتكمةلفاعدة (اليقاء للأصلح).
وأفكار نيتشه قد لا تخلو من قيمة عملية برغم النقد الذي لا تنهضتلك الأفكار حياله. وتجد صدىّ لهذه الأفكار عند بعضالإسلاميين إذ يطالبون بتحرير الدين من منطقالعبودية. ولكن لاشك أن التدين بدافع الترهيب والترغيب هو السائد في معظمالبشرية وهو مرضي حتماً إسلامياً وأما إن قصد بهذا الكلام محاكاة الجرأة الأوربية على ثوابت الدين؛ فهذا مرفوض قطعاًبحسب الرؤية الإسلامية.
ويمثل كانط اتجاهاً يرى أن الدين الصحيح لن يكون إلاعبر الأخلاق. الراجب عند كانطغاية تفصد لذاتها لالغرضالجزاء؛ إذ بدون هذا تنحط الأخلاق عن موضعها الصحيح. وهو
ان الأخلاق الصحيحة لا تكون إلا فى معزل عن الدين
؟- إن الدين الصحيح يتحقق بواسطة الأخلاق.
إن الأخلاق الصحيحة تتحقق بواسطة الدين.
صلة الدين بالأخلاق عند نيتشه
تعتبر طبيعة الأخلاق ونظام القيم عند فريدريك نيتشهعداء ماعل اعلعت8 روعم1-١٠15) أمر له واقعه الخاصالذي لا ينبغي ربطه بالقضايا الدينية في مجال التعرف عليه ورسمحدوده وأبعاده. إنه يقول: "من حسن حظي أنني ما لبثت أن تعلمتالتمييز بين الحكم اللاهوتي المسبق والحكم الأخلاقي المسبق؛ولم أعد أبحث عن الشر في ما وراء العالم''. ونظام الأخلاق الذييبشر به نيتشه نظام مقلى في حتميته الطبيعية وابتعاده عن المثلالإنسانية المعنوية؛ فهو ينادي بفكرة السوبرمان؛ العنصر المتفوق فيالجنس البشري الذي ينبغي أن تحذف سائر العناصر في المجتمعلصالحه؛ إذ بهذا نضمن ترقي المجتمع وتناميه نحو الكمال[2].
إن المشكلة التي تدفع نيتشه بقوة إلى هذا الطريق هي وعيهبلا عقلانية التفكير الغربي السائد القائم على الفكر المسيحيالتقليديء “نظام الطموحات الإنسانية الأوربي كله واع بمنافاتهللعقل؛ بل بكونه (لا أخلاقيً)"'. إن هذا النمط من التفكير المسيحيالسائد عقيم عند نيتشه؛ إنه السبب الرئيسي في ظهور وتناميالعدمية: 'ظهرت العدمية في بادئ الآمر باعتبارها شرطأ نفسياً؛ حينأجهدنا أنفسنا بإضفائنا على كل ما يحدث (معنى) ليس منه في
الذي لا ينبغي ربطه بالقضايا الدينية في مجال التعرف عليه ورسمحدوده وأبعاده. إنه يقول: "من حسن حظي أنني ما لك أن بلكالتمييز بين الحكم اللاهوتي المسبق والحكم الأخلاقي المسبق»ولم أعد أبحث عن الشر في ما وراء العالم''. ونظام الأخلاق الذييبشر به نيتشه نظام مقلق في حتميته الطبيعية وابتعاده عن المثلالإنسانية المعنوية؛ فهو ينادي بفكرة السوبرمان؛ العنصر المتفوق فيالجنس البشري الذي ينبغي أن تحذف سائر العناصر في المجتمعلصالحه؛ إذ بهذا نضمن ترقي المجتمع وتناميه نحو الكمال.[3]
إن المشكلة التي تدفع نيتشه بقوة إلى هذا الطريق هي وعيهبلا عقلانية التفكير الغربي السائد, القائم على الفكر المسيحيالتقليديء “نظام الطموحات الإنسانية الأوربي كله واع بمئافاتهللعقل؛ بل بكونه (لا أخلاقيً)"'. إن هذا النمط من التفكير المسيحيالسائد عقيم عند نيتشه؛ إنه السبب الرئيسي في ظهور وتناميالعدمية: 'ظهرت العدمية في بادئ الأمر باعتبارها شرطاً نفسياً؛ حينأجهدنا أنفسنا بإضفائنا على كل ما يحدث (معنى) ليس منه فيشيء"'. فالعدمية كما يراها نيتشه هي: “معرفة التبذير الطويل الأمدللقوةء هي الألم المعنوي الذي تسببه (دون جدوى) هذه هياللايقين؛ هي قلة الفرص المتاحة لاستعادة القوة بأي شكل كان"”.أصل المسألة عند نيتشه يبدأ من استعار الصراع منذ القدم بيقيمتين متعارضتين: الخير والشر. وهنا يلاحظ نيتشه: “رغم أن القيمةالثانية قد تغلبت على الأولى منذ أمد طويلء فإننا ما زلنا نجد اليومأمكنة يستمر فيها هذا الصراع بحظوظ مختلفة من النجاح لكل
أجهدنا أنفسنا بإضفائنا على كل ما يحدث (معنى) ليس منه فىشيء”[4]' فالعدمية كما يراها نيتشه هي: “[5]معرفة التذير الطويل الأمدللقوة. هي الألم المعنوي الذي تسببه (دون جدوى) هذه هياللايقين» هي قلة الفرص المتاحة لاستعادة القوة بأي شكل كان"”.أصل المسألة عند نيتشه يبدأ من استعار الصراع منذ القدم بينقيمتين متعارضتين: الخير والشر. وهنا يلاحظ نيتشه: "[6]رغم أن القيمةالثانية قد تغلبت على الأولى منذ أمد طويلء فإننا ما زلنا نجد اليومأمكنة يستمر فيها هذا الصراع بحظوظ مختلفة من النجاح لكلمنهما"؛ وإن هذا الصراع قد أضفي عليه بمرور الأيام اعتباراً لايستحقه؛ واكتسب منزلة تزداد صورتها الخداعة روحانية في نظرالناس» بحيث لا يكاد الباحث يقدر على أن يتعرف على الطبيعةالكامنة خلف هذا الصراع. فعند نيتشه: هذا الصراع ما هو إلا تناقضقائم في الأدمغة ويتسبب في إخفاء طبيعة عقلانية رفيعة القدر. إنالفكر المسيحي الذي يحكم تلك الأدمغة يحجب تلك الطبيعةالعقلانية الرفيعة عن أنظارناء فالفكر المسيحي الذي يصر على ثنائيةصارمة للقيم الأخلاقية “روما ضد ياهوداءوياهودا ضد روما”يكبل الذهن البشري في نظام قيمي زائف ومنحط ومستحذ؛ حتىينسي الإنسان واقعه اللائق به طبيعياً'.
إنها بشكل من الأشكال إذنء مؤامرة مقصودة أو لامقصودة؛ مؤامرة ما يقف ورائها الكهنوت المسيحي الذي يضخ فيالناس روح التبعية والعبودية والخضوع. ويقف وراءها أيضاً سائرالضعفاء والخاضعين؛ إذ أضفى الجميع على الضعف والخضوعوالخور قداسة لا يستحقهاء وخُلعت عليه منزلة ليست منه فى ث
وهذا الواقع سائر إلى الزوال شئنا أم أبينا؛ بحكم الطبيعة العمياء التيتحكم بالبقاء للأصلح والأجدر, أعجبنا هذاأم لم يعجبنا. يعبرنيتشه عن هذا على لسان زرادشت: 'إنما الحكماء الكذبة جميعالكهنة وجميع من سثموا الحياة» وكل من تجول فيهم أرواح النساءوالمستخدمين؛ إن مشل هؤلاء الناس يدسون للأنانية ويتآمرونعليها؛ مدعين أن محاربتها هي الفضيلة بعينها. ولهذا طمح جميعالجبناءوالعناكب المتعبة من الحياة إلى الادعاء بالتنزه عن كلمأرب في أعمالهم. سيتدفق النور مكتسحاً لهؤلاء الناس جميعاًءوعندئذ يلمع سيف الظهيرة الكبرى؛ سيف الدينونة الفضّاح. أما منيمجد الذاتية وينادي بالأنانية فذلك وحده يقول بما يعلم عندمايهتف: لقد لاحت تباشير الظهيرة العظمى؛ ولن يطول الزمن حتىتتوهج أنوارها في الآفاق.[7]
ويرى نيتشه في أخلاق الشفقة والرحمة على الضعفاء أنها”:أكبر عقبة تنصب في وجه البشرية» "توقف المسيرة”» "الإنهاكالذي ينظر إلى الخلف'» “الإرادة التي تنقلب على الحياة؛ 'الداء
الأخير الذي ينم وجوده عبر عوارض العطف والكآبة". ويبدو أنهيعتقد أو يعتبر بأن الفلاسفة العظام يشاركونه في هذا التقييم؛ إذيقول: 'يكفى أن نذكر أفلاطون [121360 7 علاغتاق.م.[8]
الأخير الذي ينم وجوده عبر عوارض العطف والكاب[9]٠
ويبدوأنهيعتقد أو يعتبر بأن الفلاسفة العظام يشاركونه في هذا التقييم؛ إذيقول: 'يكفي أن نذكر أفلاطون [0-40107(171360ك"اق.م)]وسبينوزا [أسبينوزا] ولاروشفوكو(0780-151] وكنط [كانط]؛ فهؤلاء المفكرون الأربعة على [110اةعتا0]ء<اء120 12اختلافهم الكبير فيما بينهم: يتفقون حول نقطة واحدة وهي احتقارالشفقة"'. ويبدو أن نيتشه قد تأثر بداروين بما فيه الكفاية لكيينادي بفكرة السوبرمان أو الإنسان المتفوقء الذي يتغلب علىالعراقيل الخلقية باعتبارها مثبطات لهمته وارتقائه. وهو أيضاً قد تأثربها بما فيه الكفاية لكي يصوغ نظريته الخلقية على ضوئهاء أو أنهوجد في ما كتب عن الأخلاق استهداء بنظرية داروين انعكاساًلصدى نفسه وما يجول فيها حول الأخلاق؛ "إن غلاظة داروينالأنسية تمد يد اللطف والتسامح إلى مخنث الأخلاق المتواضع"'.هنا نجد في كه مايلكوبدستويفسكي [ك[5/ا© /1205]0(1881-1871م) في (الجريمة والعقاب). في (الجريمة والعقاب)تسيطر على ذهن الشخصية المحورية فكرة تقمص التفوق وتجاوزالمألوف. ثمة نوعان من البشر: البشر العادي الذي يشكّل عامةالناسء والبشر المتفوق الذي يتخطى المألوف ويصعد بعنصرالإنسان إلى مراتب السيطرة والنفوذ. من خصائص البشر المتفوقأن ما لا يغتفر لعامة الناس يغتفر له؛ فنابليون مثلاً قد دمر طولون»واقترف مذابح فضيعة في باريسء وترك جيشاً في مصر كالورقةفي مهب الريح؛ وضيع نصف مليون من البشر في حملة موسكوءوبرغم هذا يمَجّد نابليون ويوضع فىأعالى المنازل وترفع التماثيل[10]
[1]-الرفاعي. د. عبد الجبار؛ علم الكلام الجديد مدخل لدراسة اللاهوت الجديد وجدل العلم والدين» مصدر سبق ذكره؛ ص 63.
[2]-نيتشه؛ فريدريك؛ أصل الأخلاق وفصلهاء ترجمة: حسن قبيسي؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيعء بيروت -لبنان؛ ص .١١
[3]-نيتشهه فريدريك؛ أصل الأخلاق وفصلهاء ترجمة: حسن قبيسي؛ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيعء بيروت-لبنان: ص١١.
[4]-نفس المصدر ص16.
[5]-نيتشه؛ فريدريكء إرادة القوة: محاولة لقلب كل القيم؛ ترجمة وتقديم: محمد الناجيء الناشر: أفريقيا الشرق-المغرب؛ 0701١ ص17
[6]-نفس المصدر؛ ص 15-١6
[7]-نيتشه؛ فريدريك؛ هكذا تكلم زرادشت؛ ترجمة: فليكس فارس: الناشر مكتبة النهضة:؛ بغداد: الطبعة الأولى: 19457 ص 514
[8]-نيتشه: فريدريك؛ أصل الأخلاق وفصلهاء مصدر سبق ذكره؛ ص17
[9]-' المصدر نفسه؛ ص 14.
[10]-'المصدر نفس ص160.