التصحيح النموذجي

التصحيح النموذجي

par houari chadli,
Nombre de réponses : 0

تتميز العلوم فيما بينها من خلال اختلافها في معالجة المواضيع و إتباع المناهج فلكل علم موضوع و منهاج يحدد ملامح و خصوصيات الدراسة فيه ، فطبيعة الموضوع هي التي تحدد طبيعة المنهاج ، و بما أنَ الرياضيات عرفت تغيرات عدة مسَت بالدرجة الأولى الهندسة باعتبارها كمَا متصلاَ بحيث يهتم هذا الفرع بدراسة الأشكال المختلفة من طول و عرض و مساحات و دوائر ، و يتميز موضوع الهندسة بكونه كمَا عقليا مشخصا بين وحداته اتصالا و استمرارا ، فالكم المتصل { الهندسة } له علاقة بالمكان باعتباره الوسط الذي يدرس فيه موضوعاته و أشكاله الهندسية ، إلاَ أنَ الهندسة بصفة عامة عرفت تغيرات بسبب الثورة العلمية الَتي حدثت في مجال الهندسة ممَا أدى إلى ظهور أنساق هندسية متعددة ، فما هي هذه الأنساق و كيف تم التحوَل من نسق إلى آخر ؟ 

     التعامل مع هذه الأشكال تستدعي منَا التطرَق إلى الهندسة الإقليدية و تبيان مسلَماتها و منطلقاتها ثم التطرَق إلى الهندسة اللَااقليدية سواء تصوَر " لوباتشوفسكي " أو تصوَر " ريمان " .

- الهندسة الإقليدية :  تنسب إلى " إقليدس " الَذي اعتمد في أكسيومته الهندسية على الطابع التجريبي و اعتبر أنَ المكان الهندسي مطابق للمكان الفيزيائي ، و القضايا الهندسية الَتي قدَمها تنطبق على المواضع الموجودة في العالم المحسوس ، و لذلك فالهندسة الإقليدية هي بمثابة فيزياء الأشكال المكانية ، استمدَت مصداقيتها من تلك المطابقة الخارجية للواقع.بحيث يرى إقليدس أنَ المكان مستوي مسطَح و هذا تماشيا مع الواقع التجريبي الحسَي و أي نقطة خارج هذا المستقيم المسطَح يمرَ سوى موازي واحد لا غير ، و المثلث عنده يتشكَل من ثلاث أضلاع متساوية و كل زاوية مقدارها  60 درجة و بالتالي فإنَ مجموع زوايا المثلث تساوي 180 درجة.

هذا النموذج الَذي قدَمه إقليدس ظلَ لفترة طويلة يتميَز باليقين و الصرامة المنطقية و كان عنوانا لمصداقية كل نظرية رياضية معتمدة في ذلك عللا المبادئ الَتي وضعها إقليدس { التعريفات ، البديهيات ، و المصادرات } وبإتباع طرق البرهنة المنطقية الَتي ترتبط بالضرورة بالقضايا الَتي تنتج عنها تلك البرهنة لتكوَن نسقا متكاملا لا يقبل الحذف ، لذلك فإن النظرية الهندسية كما خلفها إقليدس لم يُنظر إليها فيما بعد على أنها نظرية البرهان و لذلك قال برانشفيج " ربما كان إقليدس بالنسبة للعديد من الأجيال اللَاحقة معلم منطق أكثر مما كان معلم هندسة " ، فالصرامة المنطقية الَتي تميَزت بها الهندسة الإقليدية جعلت منها نسقا مغلقا ينظر للحقيقة الرياضية كأنَها حقيقة مطلقة تستمد مطلقيتها من الصرامة المنطقية على حساب البداهة و الوضوح و الجمال ، من هنا بدأ الرياضيون يفصحون هندسة   إقليدس ، فتبيَن أنَها تحمل عيوبا عديدة أدَت إلى ظهور إمكانية قيام هندسات مغايرة تتواجد جنبا إلى جنب دون رفض أو تنافر ، و كان ذلك تمهيدا لظهور الهندسات اللاَ إقليدية و كانت البداية مع تحليل المسلَمة الخامسة { مسلَمة التوازي } .              

-ظهور الهندسات اللاإقليدية: المقصود بالهندسات اللاإقليدية كل الأنظمة الهندسية التي تخالف هندسة إقليدس، ولقد تمثل هذه الأنظمة الهندسية في كل من نظام هندسة ريمان ولوباتشفوسكي و اخرون.

كيف كانت البداية؟ بدأت من خلال إثارة مشكلة التوازي في نظام إقليدس وهي المسلمة الخامسة التي تم تبيانها سابقاً، ففي العشرينيات من القرن التاسع عشر حصلت انعطافة كبيرة في النظر إلى هذه المشكلة تمثلت في عمل كل من غاوس ولوباتشفوسكي، وبلياي، حيث افترض هؤلاء فرضية مفادها: "إذا كان هناك خط مستقيم ونقطة خارجة على سطح مستوي، فإن هناك أكثر من خط مستقيم يمر في هذه النقطة و يكون موازياً للخط المستقيم، بمعني لا يتقاطع معه مهما امتدت هذه الخطوط المستقيمة وحاولوا بناء هندسة متكاملة بناء على هذا التعديل في نظام إقليدس، وكان هدفهم من ذلك أن يبينوا ضرورة مصادرة التوازي ببيان استحالة نظام هندسي منطقي متكامل من دونها، لذلك توقعوا أن يوصلهم افتراضهم الجديد إلى طرق منطقية مسدودة وإلى تناقضات منطقية تفجر نظمهم الجديدة من داخلها، لكن النتيجة كانت عكس ذلك إذ توصلوا إلى نظم هندسية منطقية ومنسجمة مع ذاتها ولا تقل تماسكاً عن نظام إقليدس الهندسي" ، مما يوحي بوجود أنظمة هندسية أخرى متماسكة منطقياً ومخالفة لمنظومة إقليدس.

من هنا تبين وجود أنساق متعددة من الهندسيات كل واحدة تحمل نظاماً منطقياً خاص بها.

هندسة إقليدس: 

المكان: مستوي مسطح 

لا يمر خارج المستقيم سوي موازي واحدM موازي لـ(D)

مجموع زوايا المثلث =180 0 

هندسة لوباتشفسكي: يري لوباتشفسكي أن لا يوجد أي برهان عقلي يؤكد أن المكان الهندسي مطابق للمكان الفيزيائي، مشيرا إلى الهندسة الدائرية التي توصل إليها مخالفاً بذالك ما جاء بع إقليدس، فالهندسة لم تعد مجرد نظرية تعكس العالم الحسي الخارجي بل أصبحت أكسيومات قائمة على افتراضات منطقية مجردة. 

 المكان: مقعر

 من نقطة خارج المستقيم يمكن رسم عدد لا متناهي من المستقيمات المتوازية لهذا المستقيم.

مجموع زوايا المثلت أقل من 180 درجة         

"وكلما صغرت مساحة المثلث قل حجم الزوايا عن القائمتين وكلما زادت مساحته زاد حجمها على ألا تصل إلى قائمتين. ولم يلاحظ تناقضاً في هذه المبادئ و غيرها من نسق لوباتشفوسكي، فالاتساق المطلوب هنا لا يستند إلى المعطيات الحسية الفيزيائية كما تنص عليه هندسة إقليدس بل  تستند إلى قواعد الاستنباط المنطقي فقط" . 

هندسة ريمان: يتفق ريمان مع لوباتشفوسكي في أن المكان الهندسي ليس مطابق للمكان الفيزيائي فهو ليس سطحاً مستوياً لكن يختلف معه في التصور بحيث قدم ريمان هندسة مخالفة لكل من إقليدس و لوباتشفوسكي، فأسس ما يسمي بالهندسة الدائرية. 

المكان : كروي ودرجة انحناءه أكبر من الصفر

الخط المستقيم لا يمتد إلى ما لانهاية، وإنما هو متناهي لأنه دائري، وأن زوايا المثلث الداخلة أكثر من قائمتين دائماً ويزداد حجم الزوايا كلما زادت مساحة المثلث. 

لا يمر أي موازي للمستقيم.

مجموع زوايا المثلث أكبر من 180 درجة

 نيوتن والفيزياء الكلاسيكية:

لقد حقق نيوتن للفيزياء الكلاسيكية وحدتها في إطار تصور عام للكون قائم على التصور الميكانيكي المنسجم و المتكامل مما جعل كل الكشوف التي تأتي من بعده تتبني تصور نيوتن و الذي أصبح نموذجاً تقتدي به كل العلوم الأخرى، ويعود الفضل له في إرساء دعائم العلم الحديث وهذا راجع لطريقة تفسيره العلمية في مجال الكشوف الفيزيائية والتي اعتمدت التجريب كوسيلة لمشروعية البحث العلمي، بحيث اقتصر هذا البحت على مبدأين أساسين المادة والحركة فبين أن حركة الأفلاك في دورانها المستمر إنما يتم في مكان مطلق يسمي بالأثير، و ينتج عنه زمان مطلق تحدث فيه الظواهر في أن واحد، وتستمر الأجسام في حركتها في نفس الاتجاه و السرعة ما لم يكن هناك عائق يغير في سرعتها أو اتجاهها أو يمنعها من الحركة.

وضع نيوتن ثلاثة قوانين فسر من خلالها الحركة الميكانيكية وهي كالأتي: 

"القانون الأول: الجسم الساكن يبقى ساكناً، والجسم المتحرك يبقى متحركاً ما لم تؤثر به قوة محصلة ما. وهو المعروف بقانون القصور الذاتي للأجسام.

 القانون الثاني: إذا أثرنا على جسم بقوة ما أدت إلى تغير حالته الحركية، فإن هذه القوة ستكون مساويةً لمقدار التغير الحاصل للزخم نسبةً إلى الزمن.

القانون الثالث: إذا أثر جسمان بقوةٍ متبادلةٍ على بعضهما البعض، فإن القوة المؤثرة على كلا الجسمين ستكون متساوية في المقدار، ومتعاكسة في الاتجاه وهذا الأخير هو المعروف بقانون الفعل ورد الفعل.

 قانون الجذب العام: وهو قانون آخر وضعه نيوتن وينص على أن كل جسمٍ في الكون يجذب الأجسام الأخرى نحوه بقوة تتناسب طردياً مع كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما"[2]

توصل نيوتن إلى قانون الجاذبية من خلال ملاحظته لسقوط التفاحة إذ بين أن قوة الجدب المؤثرة على تفاحة ساقطة نحو الأرض، لابد وأن تكون لها علاقة مع القوة التي تجعل القمر حبيس مداره، فرد هاتين القوتين إلى قوة جاذبية تمارسها الأرض على جميع الأجسام وافترض أن فعالية هذه القوة الجاذبة تتناقص بتزايد المسافة بين الأجسام، و للتأكد من ذلك قارن بين القوة المؤثرة على القمر  والتفاحة وتوصل إلى قانون الجدب العام "أن كل الأجسام تتجاذب فيما بينها بقوة تتناسب طرداً مع كتلتها وعكساً مع مربع مسافتها"، لقد استطاعه "نيوتن" من خلال قانون الجاذبية، أن يفسر حركة الأجرام السماوية في الكون والتنبؤ بالانحرافات التي تقع في مدارات الكواكب و اختلاف الجاذبية على الأرض.

المفاهيم الأساسية في الفيزياء الكلاسيكية:

يمكن القول أن فيزياء نيوتن الكلاسيكية تنطبق على مستوي الحياة العادية المألوفة، ولا يمكن تطبيقها على العالم المتناهي في الكبر عالم الفضاء و السرعات الكبيرة و لا ينطبق كذلك على العالم المتناهي في الصغر عالم الجسيمات كالإلكترونات ومن أهم المفاهيم التي ارتكزت عليها الفيزياء الكلاسيكية:

الزمان:

الزمان في الفيزياء الكلاسيكية عام و مطلق يحدث على كل الأشياء في كل مكان  و بالتزامن بمعني حدوث حادثتين أو أكثر في لحظة واحدة بالنسبة لأي مراقبين يتوافران على آليتين لضبط الوقت تسيران على وثيرة واحدة، فينظر للزمان كإطار عام ينساب بنفس الشكل وبسرعة واحدة بالنسبة لجميع المراقبين مهما اختلفت مواقعهم من حيث القرب أو البعد أو السكون أو الحركة، معني ذلك أن جميع الملاحظين يستعملون نفس الزمن، فليس لأي منهم زمان خاص به، لأن الزمان في الفيزياء الكلاسيكية واحد بالنسبة للجميع.

المكان:يعتبر هو كذلك عام ومطلق و لا يختلف من مراقب و أخر مهما اختلفت أحوالهم في الحركة والسكون فالمسافة ثابتة تتطابق و حدسنا الحسي و تصوراتنا المستخلصة من التجربة.

الكتلة:فكرة الثبات المطلق تصدق كذلك على مفهوم الكتلة، بحيث لا تزيد ولا تنقص مهما اختلفت الأحوال و يسمي بمبدأ حفظ الكتلة.

مبدأ العطالة أو القصور الذاتي:يؤكد على قانون نيوتن في حركة الأجسام بحيث ينص على أن الجسم يبقي ساكناً أو يستمر في حركته على خط مستقيم وبسرعة ثابتة، ما لم يكن خاضعاً لتأثير قوة خارجية.

قانون الجاذبية:يحدد من خلاله نيوتن العلاقة بين الكتلة والمسافة و الزمن حيث يمكن معرفة سرعة الأجسام المتجاذبة إذا عرفت كتلتها و المسافة الفاصلة بينها، أو معرفة أحد هذه المقادير إذا عرفت باقي المقادير الأخرى.

الأثير:قامت الفيزياء الكلاسيكية على فكرة الأثير كوسيط ناقل للأمواج الضوئية و الكهربائية و المغناطيسية.

اعتماده المنهج التجريبي:اعتمد نيوتن على منهج جديد قوامه التجربة بحيث اعتمد الملاحظة كنقطة بدء في المنهج العلمي، ولم يقتصر بحث نيوتن على الملاحظة فقط بل استعانة بالتفسير الرياضي، "لقد كان لدي نيوتن من الشجاعة ما جعله يغامر بتفسير مجرد، ولكن كان لديه أيضاً من الفطنة ما يجعله يمتنع عن تصديقه قبل أن يؤيده اختبار قائم على الملاحظة"[3]

يمكن القول أن الفيزياء الكلاسيكية ظلت حتى أواخر القرن التاسع عشر تلقي نجاحاً كاملاً في تفسير الظواهر الطبيعية المتفقة مع المقاييس الإنسانية، وكذلك حققت نجاحاً تاماً حتى في عالم الأكبر عالم الفلك والكوسمولوجيا، "فقوانين نيوتن تمكننا من التنبؤ و بدقة بمستقبل النظام الشمسي شرط معرفة  وبالضبط مواقع الكواكب بالنسبة للشمس في لحظة معينة، ووفقاً لتلك القوانين فإن التغيرات التي تحدث في العالم عند أية لحظة تجعلنا قادرين على التنبؤ بالحالة التي تلي تلك اللحظة، تم نعتمد على ذلك كمرحلة انتقالية فنتنبأ بالحالة في لحظة بعدها وهكذا بغير حدود"[4]. من هنا نستنتج أن الفيزياء

الكلاسيكية قامت على تفسير حتمي للطبيعة.

النتائج الإبستمولوجية للفيزياء الكلاسيكية:

      1-لقد اكتسبت الفيزياء الكلاسيكية بفضل الرياضيات القدرة على التنبؤ بالمستقبل.

      2-أصبح التعميم ضرورة يفرضها المنهج

      3-أصبحت الظواهر تفسر من منطلق مبدأ الحتمية.

      4-التنبؤ بالظواهر قبل وقوعها، فكل ماهو موجود في الكون حتمي و يخضع لتفسير علمي ويخضع للتسلسل المنطقي الذي يفرضه مبدأ السببية والحتمية فكلما تكررت الشروط في زمانين أو مكانين مختلفين أدت حتماً للنفس النتائج. يقول غوبلو "الطبيعة لا تخضع لا للصدف ولا للأمزجة ولا للعجائب كما أنها لا تتصرف بحرية كاملة" ويقول لابلاس "علينا أن نتعامل مع الوضع الراهن للكون وكأنه الأثر الناتج عن حالته السابقة من جهة أولى، وعلى أنه السبب الذي عنه تتأتى حالته اللاحقة من جهة ثانية...فالعقل بإنتاجه لقوانين العلم قد وعى كامل قوى الطبيعة المحركة للظواهر و المتحكمة بها، ولا شيء يستطيع أن يخرج عن هذا اليقين العلمي، فالمستقبل كما الماضي ماثلين أمام ناظريه كالحاضر تماماً"[5]. ويري كلود بارنارد ضرورة أن يؤمن العالم إيمانا راسخاً بالفكرة القائلة بان الظواهر تحكمها قوانين ثابتة إذ يقول"إن الحتمية هي مطلقة وكاملة فهي تنطبق على الأجسام الحية كما تنطبق على الأجسام الجامدة وهذا المبدأ الحتمي هو ضروري جدا للعلم، ولا يمكن للعالم أن يشك فيه".

مشكلة الأثير وظهور أزمة الفيزياء الكلاسيكية:

تجربة مايكلسون ومورلى التي أثبت خرافة الأثير:

 "لكن لما جاءت تجارب مايكلسون، ومورلي الخاصة بقياس سرعة حركة الأرض في الأثير من خلال وضع حزمتين كهربائيتان الأولى في اتجاه حركة الأرض و الأخرى في اتجاه المعاكس فعوض أن نلاحظ أن سرعة الحزمة في اتجاه الأرض تكون أسرع من سرعة الحزمة المعاكسة تبين بأن كلا الحزمتين سرعتهما متساوية، فاستنتجت فرضيتين إما أن فكرة الأثير لا أساس لها من الصحة أو أن الأرض ثابتة لكن ثبت علميا أن الأرض تدور وعليه فأن فكرة الأثير فكرة ميتافيزيقية. هذه التجربة  وضعت أمام أينشتاين فرصة إعادة صياغة قواعد علم الميكانيكا الكونية على أسس تجريبية. وجاءت النتائج السلبية لهذه التجارب مثيرة لتساؤل أينشتاين، لماذا علينا الاحتفاظ بافتراض وجود شيء ما لا يمكن ملاحظته وبات على العلماء أن يختاروا بين بديلين فإما أن ينكروا وجود الأثير أو أن يقولوا أن الأرض ثابتة، ولما كان الاحتمال الثاني مستحيلا فقد تم التخلي عن الأثير بصفة نهائية من قائمة المفاهيم العلمية.وقد حل محله مفهوم استقلال الضوء عن المصدر وأصبحت سرعة الضوء تمثل ثابتا كونيا لا يزيد ولا ينقص ولم يعد المكان ولا الزمان مطلقان بل نسبيان"[1]

مجال البحث في الفيزياء المعاصرةمع نهاية القرن التاسع عشر ظهرت أزمة الفيزياء الكلاسيكية، ودلك عندما اصطدمت هده الفيزياء بظواهر وعلاقات في تجربة لا تتفق وصدقها النظري بحيث لم تتمكن من تفسير الكثير من الظواهر و بالتالي سقط التفسير الحتمي و ما يعرف بالحتمية الميكانيكية، فالظواهر الجديدة في مجال الكهربائية و المغناطيسية و المتعلق بالعالم المتناهي في الصغر كان بحاجة إلى تفسير قريب من الافتراض منه إلى التفسير الميكانيكي النيوتوني، فاتضح أن الفيزياء الكلاسيكية تصدق البحث على القياسات الثابتة و على الأشياء في حالة سكون يعني العالم العادي بينما العالم المتناهي في الكبر كالأجسام الكونية أو العالم المتناهي في الصغر الميكرو فيزياء تعجز عن تفسيره كما لا يمكنها حساب طرق القياس عندما تكون الأشياء في حالة حركة أو حين وجود مراقب متحرك وظاهرة متحركة معاً فمع الاكتشافات الجديدة تبين عجز الفيزياء الميكانيكية في تفسير الكثير من الظواهر مما أدي إلى ظهور نظرية فيزيائية جديدة تسمي بالنظرية النسبية لأينشتاين.

نظرية النسبية :

هي الجزء المكمّل للثورة الفيزيائية الثانية، بمعنى إذا اعتبرنا فيزياء نيوتن هي الثورة الفيزيائية الأولى أي الثورة ضد فيزياء أرسطو، فان نظريتي الكوانتم والنسبية يؤلفان معا ما يعرف بالثورة الفيزيائية الثانية. وإذا كان المقصود بالثورة هو انقلاب جذري في تصور الإنسان للطبيعة وعلاقته بها، وكانت نظرية العلم الكلاسيكي وبالرغم من أن نيوتن هو صاحب العبارة المشهورة " أنا لا افترض فروضا"، فان الأساس المنطقي لنظريته في العلم يؤكد أن التجربة كانت عنده تحتل مكانة ثانوية بالنسبة للعقل، بدليل استناد نظريته بكليتها إلى تصور غير تجريبي هو المطلق وهكذا نفهم المعنى الثوري للفيزياء المعاصرة، فالقانون العلمي لا هو نتاج للعقل ولا هو موجود في الطبيعة  بل هو محصلة للتفاعل بينهما ومادام الإنسان قد أصبح جزءا من المعادلة ( اختياراته التجريبية، أجهزته وموضعه المكاني والزماني...) فيستحيل أن يكون القانون مطلقا، وهذا يعني أن نظرية النسبية ليست مجرد إضافة للفيزياء الكلاسيكية، ولكنها انقلاب ابستيمولوجي حقيقي يزيح من طريقه الركيزة الخاطئة ونقصد به مفهوم المطلق، الذي ترجمه نيوتن فيزيائيا بمفهوم الأثير* كمرجع ثابت ووسيطا للحركة ولنضرب على ذلك مثالا : فالقمر يتحرك بالنسبة للأرض، والأرض تتحرك بالنسبة للشمس، والشمس تتحرك بالنسبة لمركز المجرة، إذن كيف يمكن إجراء التحويلات الرياضية لمعادلات الحركة بين هذه النظم إلا إذا كانت جميعها تنتسب إلى مرجع واحد ثابت وكان هذا المرجع الموهوم هو الأثير وبذلك تتساوى تقديرات مختلف الملاحظين بالنسبة للزمان أو المكان أو الحركة بصرف النظر إن كان بعضهم على الأرض أو البعض الآخر في أقصى أطراف المجرة وهذا ما عناه نيوتن بالزمان و المكان المطلقين. كان من الضروري أن يفترض نيوتن انه لا بد أن يكون هناك في المناطق القاصية من الكون فيما وراء النجوم جسما في حالة سكون مطلق. ولكنه لاحظ أن كل ما في الكون حوله يتحرك، ولما رأى أن نظريته الميكانيكية مآلها الفشل  بدا لنيوتن أن الفضاء يمكن أن يقوم بدور ذلك الشيء ذي السكون المطلق لم يكن أمامه سوى افتراض وجود الأثير الثابت وهكذا تحولت الخرافة الميتافيزيقية إلى ضرورة علمية.

خرافة الفلوجستون وظاهرة الإحتراق:

بعد أن فسر أرسطو التفاعلات التي تحدث في المادة من خلال العناصر الأربعة (الماء- الهواء-التراب-النار) فإن التفسير الكيميائي الجديد اقتصر على النار كعنصر فعال في التفاعل الكيميائي، بمعني أن سبب الاحتراق الذي يحدث في المادة سببه مادة غامضة تسمي "الفلوجستون" وكان الكيميائي الألماني "جوهان بواكير بيتشر" قد صاغ نظرية مؤداها أن تراباً زيتياً تحتويه المادة هو المسؤول عن قابلية المركبات الكيميائية للاحتراق.

حظيت هذه النظرية بإعجاب الكيميائي الألماني "جورج إرنست ستال" فطورها على أسس تجريبية وأطلق على هذا العنصر الذي افترضه "بيتشر" باسم "الفلوجستون" وهي كلمة إغريقية معناها الاشتعال أو الالتهاب.

 وافترض ستال أن هذا العنصر كاف لتفسير معظم الظواهر الكيميائية ( الأكسدة- التنفس- الاشتعال- التحلل)، فأي مادة تشتعل تحمل "الفلوجستون" فالاشتعال يؤدي إلى فقدان هذا العنصر وينطلق في الهواء، لكن ستال لم يتمكن من الحصول على الفلوجستون ذاته، ورغم ذلك اعتبر أن نظرية الفلوجستون تعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ الكيمياء.

"بقيت هذه النظرية تحظي بقبول عام حتى منتصف القرن الثامن عشر لكن قوتها التفسيرية سرعان ما تراجعت تحت ضغط المشاهدات و التجارب التي جرت لاختبار صحتها، بحيث عند اشتعال أو تمحيص بعض الفزات المعينة و مواد في الهواء، فإن الكتلة المسحوقة أو الكلسية الناتجة تزيد في وزنها الكلي على وزن الفلز الأصلي نفسه.وهذه الحقيقة تخالف نظرية الفلوجستون، إذ لو كان الفلز قد فقد بالتسخين شيئاً اسمه الفلوجستون لوجب أن يزن المتبقي أقل من الفلز الأصلي، حينها حاول أنصار نظرية الفلوجستون تفسير ذلك بحيث أكدوا أن الفلزات تكون ذات وزن سالب وكلما استبعدت زاد وزنها بدون تقديم مبررات علمية وهذا ما أدي إلى استبعادها".

إكتشاف جوزيف بريستلي:

قام الكيميائي الإنجليزي "جوزيف برستلي"  بإجراء تجارب على الغازات معتمدا في ذلك على الفلوجستون حيث تمكن من فصل ثاني وأكسيد الكربون CO2  بجمعه فوق الزئبق في قارورة زجاجية، لأن CO2 لا يذوب في الزئبق بل يذوب في الماء.هذه العملية مكنت برستلي من إنتاج هواء النيتروجين أو ما يعرف باسم وأكسيد النيتريكO2 . وأن هذا الهواء إذا ما مكث فوق برادة الحديد ينتج غاز أخر سببه توهج النار المشتعلة بدرجة أشد من الاشتعال في الهواء العادي وكان يدرك بأن سبب هذا الاشتعال لا يعود لمادة الفلوجستون، لأن هذا الغاز لا تتواجد به هذه المادة، وأطلق عليه "برستلي" الهواء الخالي من الفلوجستون. هذا البحث الذي قام به برستلي كان المنطلق الأساسي في الاكتشاف الذي توصل إليه لافوازييه فيما بعد[1].

 الكيمياء عند انطوان لافوازييه:

يبدو أن علم الكيمياء ظهر كعلم قائم بذاته مع لافوازييه، ذلك أن الممارسات في ميدان الكيمياء كانت ممزوجة بالأساطير و السحر و الخرافة، وحتى الأبحاث التي قام بها أرسطو  في الفترة اليونانية أو التي تلتها عند العرب المسلمين خاصة مع جابر بن الحيان، وصولاٌ إلى جوزييف برستلي مثلت البدايات للتأسيس لعلم الكيمياء، إلا أن الانطلاقة الفعلية والحقيقية لهذا العلم بدأت مع لافوازييه.

رغم أهمية نظرية الفلوجستون إلا أن لافوازييه تجاوزها، من خلال التجارب التي أجراها على عملية التنفس و الاحتراق، و الأكسدة، وهذا ما مكنه من اكتشاف الأوكسجين بحيث استعانة بالأجهزة القياسية.

التجربة:" فقام بتسخين الزئبق في حجم من الهواء مقداره خمسين بوصة مكعبة( والمقصود به قياس حجم المكعب بأبعاده الثلاثة الطول–العرض- العمق)فلاحظ أن تكون الكلس( حجر جيري) كان مصحوبا باختفاء ثمان أو تسع  بوصات(أصغر وحدة لقياس الطول "pouce" ) مكعبة من الهواء، أما الباقي فلم يمكن من عملية اشتعال الشمعة، وسرعان ما يفقد فأر الشمعة ضوئه إذا ما وضع فيه، وعند عملية التسخين الكلس في انبوب منفصل حصل على مقدار من الهواء مساوٍ للمقدار الذي فُقِدَ أصلاً أثناء تكوّن الكلس، وراح يوضح أن هذا الجزء الحيوي من الهواء كان يصطحب جميع عمليات الاحتراق، إذ يتحد مع المعدن ليكون كلساً ومع مواد أخرى ليكون أحماضاً ومع بعض لمواد الخفيفة ليكون ذخاناً، وأن هذا الجزء من الهواء هو الذي يجعل عملية التنفس و عمليات الاحتراق و الحياة ممكنة، فأعلن لافوازييه عام 1777عن اكتشاف الأوكسجين كعنصر في الهواء يحدث فعالية من خلال تفاعلاته مع عناصر أخرى.إذ يقول لافوازييه"سوف أسمي في المستقبل الهواء الحالي من الفلوجستون أو هواء التنفس النقي بإسم عنصر التحميض، وإذا كان من الأفضل إطلاق إسم يوناني فليكن ذلك عنصر الأوكسجين"[2]     

بناءا على ذلك وضع لافوازييه أسس الكيمياء الحديثة القائلة بأن العناصر لا تتحلل بل تتحد بعناصر أخرى لتكون المركبات، مما أدي إلى دحض النظريات القديمة والتي اقترحت وجود مادة للاشتعال تسمى الفلوجستون كما سبق ذكر ذلك، كما تم دحض نظرية العناصر الأربعة لأرسطو. وبناءا عليه أصبح الأوكسجين، عنصر هام في التفاعلات التي تحدث في المادة، فهو ضروري لقيام الاحتراق. فالظاهرة الاحتراق وغيرها من التفاعلات الكيميائية أصبحت في متناول الفهم بواسطة عنصر الأوكسجين، وبواسطة التحليل و التركيب لعنصر المادة تمكن من معرفة مكونات الماء إذ يتركب من الأوكسجين والهيدروجين، فعندما قام بإحراق هذا الأخير أدي إلى إحداث تفاعل تنج عنه الماء، وعليه تبين أن الماء ليس عنصر بسيط بل مركب من الهيدروجين و الأوكسجين.

كما بين لافوازييه أن المادة لا تفقد وزنها ولا تكتسب وزناً إضافياً أثناء التفاعل، وهذا ما يسمي بقانون حفظ الكتلة. والذي ينص"أي نظام مغلق لا يحدث فيه أي انتقال للمادة والطاقة، فإنّ كتلة النظام تبقى ثابتة بمرور الزمن، ولا يمكن لكتلة النظام أن تتغير دون إضافة أو إزالة المادة إليه، وبصياغة أخرى أكثر شهرة “المادة لا تفنى ولا تستحدث من العدم، ولكنها تتحول من شكل إلى آخر”.

استنتاج : من خلال تتبع مراحل تطور علم الكيمياء يتبين أن الاكتشافات التي عرفها هذا العلم مع لافوازييه خاصة فيما يتعلق باكتشاف الأوكسجين لم يكن نتيجة قطيعة تامة مع المعرفة السابقة بل استند في ذلك إلى أبحاث برستلي، وهذا ما يؤكد النظرة التواصلية في الأبحاث العلمية، لكن هذا لا ينفي وجود اختلاف في الطرح و في طريقة التفكير. بحيث تمكن لا فوازييه من معرفة لغز ظاهرة الاحتراق من خلال التأكيد على عنصر الأوكسجين ورفضه لفكرة الفلوجستون، وهذا ما لم يتمن منه برستلي.