الفيزياء الكلاسيكية
-الفيزياء الكلاسيكية:
بدأت هذه الفيزياء مع العالم "جاليلو" الذي وضع الأسس الأولي لهذا العلم من خلال قطع الصلة مع الفكر الفيزياء الأرسطي والتخلي عن المفاهيم الميتافيزيقية في تفسير الظواهر الطبيعية، معتبراً أن الوسيلة الوحيدة لدراسة الظواهر الطبيعية تكون بالاعتماد على المنهج التجريبي فهو المنهج الوحيد القادر على استنطاق الطبيعة من خلال التعامل معها مباشرة، واضعاً بذلك أفكار ومبادئ أساسية ظلت قائمة حتى القرن الحالي.
أ-ظاهرة سقوط الأجسام:
قام "جاليلو" باختبار فرضية أرسطو في سقوط الأجسام القائلة بأن الأجسام تسقط بسرعة تتناسب طرداً مع أوزانها، فالجسم الثقيل يسقط أسرع من الجسم الأقل منه ثقلاً. فقام بإسقاط جسمين ثقيلين مختلفين في الوزن من أعلى برج بيزا المائل، حتى اصطدما بالأرض في نفس اللحظة، حينها تبين أنه فكرة الثقل التي تضمنها نظرية أرسطو في الحركة ليست لها علاقة مباشرة بسرعة سقوط أي من الجسمين، هذا التجربة بينت خطأ التفسير الذي قدمه أرسطو.
أما "جاليلو" قدم تفسيراً مخالفاً قوامه التجربة و الحساب الرياضي قوامه تحديد العلاقة بين متغيرات أساسية هي السرعة و المسافة و الزمن حيث "افترض أن الأجسام في حركة سقوطها تخضع لقانون السرعة المتزايدة، ولما كانت سرعة الأجسام المتساقطة اكبر مما يمكن أن يستنتج منها هذا الفرض فقد عمد إلى اختبار عملي لتحقيق فكرته، فقام بإجراء تجربة على مستوى مائل حيث أخد يقيس الزمن الذي تستغرقه كرة معدنية لتتدحرج هابطة المستوى، فاتضح له أن سرعة هبوط الجيم يتدحرج من مستوى مائل تساوي سرعة سقوط الجسم حراً من ارتفاع إلى سطح الأرض، وباستخدام زوايا انحدار مختلفة وجد أنه بمضاعفة الزمن، كانت المسافة المقطوعة أربعة أمثال المسافة الأولى، أي أن "المسافة المقطوعة تتناسب طردياً مع مربع الزمن"[1]. وتبين له كذلك أن الجسم حينما يتدحرج في مستوى مائل فإن حين وصوله إلى أخر نقطة في المستوى يتحرك بسرعة ثابتة شريطة عدم وجود مقاومات تؤثر على سرعته، وعليه فإن الأجسام تتساقط جميعها في نفس الوقت في مكان مفرغ من الهواء، ما لم توجد مؤثرات خارجية يحتويها الوسط الذي يتساقط فيه الجسم كأن يكون هواء أو ماء أو غاز، مبيناً أثر الوسط و مقاومته على سرعة سقوط الجسم، وعليه يتبن أن "جاليلو" درس الظاهرة بطريقة تجريبية بدءا بعملية الملاحظة تم وضع الفرضيات وتفسيرها تم العمل على إعادة اصطناعها تجريبياً وصياغتها صياغة رياضية على شكل قانون عام، بذلك أحدث "جاليلو" قطيعة ابستمولوجية معرفية بين الفكر الجديد القائم على المنهج التجريبي و الاستدلال الرياضي و الفكر القديم وأساليبه الميتافيزيقي.
ب- نيوتن والفيزياء الكلاسيكية:
لقد حقق نيوتن للفيزياء الكلاسيكية وحدتها في إطار تصور عام للكون قائم على التصور الميكانيكي المنسجم و المتكامل مما جعل كل الكشوف التي تأتي من بعده تتبني تصور نيوتن و الذي أصبح نموذجاً تقتدي به كل العلوم الأخرى، ويعود الفضل له في إرساء دعائم العلم الحديث وهذا راجع لطريقة تفسيره العلمية في مجال الكشوف الفيزيائية والتي اعتمدت التجريب كوسيلة لمشروعية البحث العلمي، بحيث اقتصر هذا البحت على مبدأين أساسين المادة والحركة فبين أن حركة الأفلاك في دورانها المستمر إنما يتم في مكان مطلق يسمي بالأثير، و ينتج عنه زمان مطلق تحدث فيه الظواهر في أن واحد، وتستمر الأجسام في حركتها في نفس الاتجاه و السرعة ما لم يكن هناك عائق يغير في سرعتها أو اتجاهها أو يمنعها من الحركة.
وضع نيوتن ثلاثة قوانين فسر من خلالها الحركة الميكانيكية وهي كالأتي:
"القانون الأول: الجسم الساكن يبقى ساكناً، والجسم المتحرك يبقى متحركاً ما لم تؤثر به قوة محصلة ما. وهو المعروف بقانون القصور الذاتي للأجسام.
القانون الثاني: إذا أثرنا على جسم بقوة ما أدت إلى تغير حالته الحركية، فإن هذه القوة ستكون مساويةً لمقدار التغير الحاصل للزخم نسبةً إلى الزمن.
القانون الثالث: إذا أثر جسمان بقوةٍ متبادلةٍ على بعضهما البعض، فإن القوة المؤثرة على كلا الجسمين ستكون متساوية في المقدار، ومتعاكسة في الاتجاه وهذا الأخير هو المعروف بقانون الفعل ورد الفعل.
قانون الجذب العام: وهو قانون آخر وضعه نيوتن وينص على أن كل جسمٍ في الكون يجذب الأجسام الأخرى نحوه بقوة تتناسب طردياً مع كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما"[2]
توصل نيوتن إلى قانون الجاذبية من خلال ملاحظته لسقوط التفاحة إذ بين أن قوة الجدب المؤثرة على تفاحة ساقطة نحو الأرض، لابد وأن تكون لها علاقة مع القوة التي تجعل القمر حبيس مداره، فرد هاتين القوتين إلى قوة جاذبية تمارسها الأرض على جميع الأجسام وافترض أن فعالية هذه القوة الجاذبة تتناقص بتزايد المسافة بين الأجسام، و للتأكد من ذلك قارن بين القوة المؤثرة على القمر والتفاحة وتوصل إلى قانون الجدب العام "أن كل الأجسام تتجاذب فيما بينها بقوة تتناسب طرداً مع كتلتها وعكساً مع مربع مسافتها"، لقد استطاعه "نيوتن" من خلال قانون الجاذبية، أن يفسر حركة الأجرام السماوية في الكون والتنبؤ بالانحرافات التي تقع في مدارات الكواكب و اختلاف الجاذبية على الأرض.
ج-المفاهيم الأساسية في الفيزياء الكلاسيكية:
يمكن القول أن فيزياء نيوتن الكلاسيكية تنطبق على مستوي الحياة العادية المألوفة، ولا يمكن تطبيقها على العالم المتناهي في الكبر عالم الفضاء و السرعات الكبيرة و لا ينطبق كذلك على العالم المتناهي في الصغر عالم الجسيمات كالإلكترونات ومن أهم المفاهيم التي ارتكزت عليها الفيزياء الكلاسيكية:
الزمان:
الزمان في الفيزياء الكلاسيكية عام و مطلق يحدث على كل الأشياء في كل مكان و بالتزامن بمعني حدوث حادثتين أو أكثر في لحظة واحدة بالنسبة لأي مراقبين يتوافران على آليتين لضبط الوقت تسيران على وثيرة واحدة، فينظر للزمان كإطار عام ينساب بنفس الشكل وبسرعة واحدة بالنسبة لجميع المراقبين مهما اختلفت مواقعهم من حيث القرب أو البعد أو السكون أو الحركة، معني ذلك أن جميع الملاحظين يستعملون نفس الزمن، فليس لأي منهم زمان خاص به، لأن الزمان في الفيزياء الكلاسيكية واحد بالنسبة للجميع.
المكان:يعتبر هو كذلك عام ومطلق و لا يختلف من مراقب و أخر مهما اختلفت أحوالهم في الحركة والسكون فالمسافة ثابتة تتطابق و حدسنا الحسي و تصوراتنا المستخلصة من التجربة.
الكتلة:فكرة الثبات المطلق تصدق كذلك على مفهوم الكتلة، بحيث لا تزيد ولا تنقص مهما اختلفت الأحوال و يسمي بمبدأ حفظ الكتلة.
مبدأ العطالة أو القصور الذاتي:يؤكد على قانون نيوتن في حركة الأجسام بحيث ينص على أن الجسم يبقي ساكناً أو يستمر في حركته على خط مستقيم وبسرعة ثابتة، ما لم يكن خاضعاً لتأثير قوة خارجية.
قانون الجاذبية:يحدد من خلاله نيوتن العلاقة بين الكتلة والمسافة و الزمن حيث يمكن معرفة سرعة الأجسام المتجاذبة إذا عرفت كتلتها و المسافة الفاصلة بينها، أو معرفة أحد هذه المقادير إذا عرفت باقي المقادير الأخرى.
الأثير:قامت الفيزياء الكلاسيكية على فكرة الأثير كوسيط ناقل للأمواج الضوئية و الكهربائية و المغناطيسية.
د-اعتماده المنهج التجريبي:اعتمد نيوتن على منهج جديد قوامه التجربة بحيث اعتمد الملاحظة كنقطة بدء في المنهج العلمي، ولم يقتصر بحث نيوتن على الملاحظة فقط بل استعانة بالتفسير الرياضي، "لقد كان لدي نيوتن من الشجاعة ما جعله يغامر بتفسير مجرد، ولكن كان لديه أيضاً من الفطنة ما يجعله يمتنع عن تصديقه قبل أن يؤيده اختبار قائم على الملاحظة"[3]
يمكن القول أن الفيزياء الكلاسيكية ظلت حتى أواخر القرن التاسع عشر تلقي نجاحاً كاملاً في تفسير الظواهر الطبيعية المتفقة مع المقاييس الإنسانية، وكذلك حققت نجاحاً تاماً حتى في عالم الأكبر عالم الفلك و الكوسمولوجيا، "فقوانين نيوتن تمكننا من التنبؤ و بدقة بمستقبل النظام الشمسي شرط معرفة وبالضبط مواقع الكواكب بالنسبة للشمس في لحظة معينة، ووفقاً لتلك القوانين فإن التغيرات التي تحدث في العالم عند أية لحظة تجعلنا قادرين على التنبؤ بالحالة التي تلي تلك اللحظة، تم نعتمد على ذلك كمرحلة انتقالية فنتنبأ بالحالة في لحظة بعدها وهكذا بغير حدود"[4]. من هنا نستنتج أن الفيزياء
الكلاسيكية قامت على تفسير حتمي للطبيعة.
ه-النتائج الإبستمولوجية للفيزياء الكلاسيكية:
1-لقد اكتسبت الفيزياء الكلاسيكية بفضل الرياضيات القدرة على التنبؤ بالمستقبل.
2-أصبح التعميم ضرورة يفرضها المنهج
3-أصبحت الظواهر تفسر من منطلق مبدأ الحتمية.
4-التنبؤ بالظواهر قبل وقوعها، فكل ماهو موجود في الكون حتمي و يخضع لتفسير علمي ويخضع للتسلسل المنطقي الذي يفرضه مبدأ السببية والحتمية فكلما تكررت الشروط في زمانين أو مكانين مختلفين أدت حتماً للنفس النتائج. يقول غوبلو "الطبيعة لا تخضع لا للصدف ولا للأمزجة ولا للعجائب كما أنها لا تتصرف بحرية كاملة" ويقول لابلاس "علينا أن نتعامل مع الوضع الراهن للكون وكأنه الأثر الناتج عن حالته السابقة من جهة أولى، وعلى أنه السبب الذي عنه تتأتى حالته اللاحقة من جهة ثانية...فالعقل بإنتاجه لقوانين العلم قد وعى كامل قوى الطبيعة المحركة للظواهر و المتحكمة بها، ولا شيء يستطيع أن يخرج عن هذا اليقين العلمي، فالمستقبل كما الماضي ماثلين أمام ناظريه كالحاضر تماماً"[5]. ويري كلود بارنارد ضرورة أن يؤمن العالم إيمانا راسخاً بالفكرة القائلة بان الظواهر تحكمها قوانين ثابتة إذ يقول"إن الحتمية هي مطلقة وكاملة فهي تنطبق على الأجسام الحية كما تنطبق على الأجسام الجامدة وهذا المبدأ الحتمي هو ضروري جدا للعلم، ولا يمكن للعالم أن يشك فيه".
[1] - ماهر عبد القادر محمد علي، فلسفة العلوم المنطق الاستقرائي، الجزء الأول، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، ب ط، 1984، ص86.
[2] - إبراهيم مصطفي إبراهيم، في فلسفة العلوم، مرجع سابق، ص126.
[3] - حسن علي، فلسفة العلم المعاصرة ومفهوم الاحتمال، مرجع سابق ص62.
[4] - الرجع نفسه، ص63.
[5] - حسن علي، فلسفة العلم المعاصرة ومفهوم الاحتمال، مرجع سابق ص65.