6. الدرس الثاني: التطور التاريخي لصعوبات التعلم

6.1. التطورات المبكرة:

    التطورات المبكرة:

        لقد اشتركت في مجال صعوبات التعلم جهود مشتركة من تخصصات متنوعة وحقول علمية مختلقة، لكنها تختلف باختلاف الفترة التي مر بها الحقل أثناء تطوره.  وترجع بداية العمل العلمي في هذا المجال إلى الدراسات والأبحاث التي أجريت في مجال الطب وعلى الأخص علم الأعصاب على أيدي الطبيب الألماني Francise Gall (1802) حيث أوضح أنَّ هناك مناطق محددة في المخ تتحكم في أنماط معينة من الأنشطة العقلية المعرفية، كما أشار إلى أنَّ هناك علاقة بين الإصابات المخية واضطرابات اللغة والكلام، وصاغ فكراً مؤداه أنَّ الإصابة المخية تُؤثر على بعض هذه المناطق في المخ، وتُؤدي إلى اضطراب النطق. وبدأ الاهتمام بهذا المجال في القرن التاسع عشر لزيادة الوعي لدى أفراد المجتمعات وشعورهم بأهمية التعلم وتوفير فرص تعليمية متكافئة لجميع الأفراد، وظهرت دراسات عيادية متعددة لاضطرابات الكلام أهمها دراسات  العالم الفرنسيBroca  في عام 1860 ، تستهدف إصابة أشخاص بفقدان  القدرة على الكلام بعدما كانوا يمتلكونها في السابق، والسبب يرجع إلى إصابة  الفص الأمامي الأيسر من الدماغ، وهذه المنطقة مسئولة عن إنتاج الكلام وتتحكم في تدفق الكلمات  من الدماغ  إلى الفم  حيث تستطيع إنتاج مأتي مقطع لغوي في  دقيقة واحدة  وهو ما وصفه Fray   بأنه أروع إنتاج فني للدماغ البشري، ويؤدي التلف الذي يصيب هذه المنطقة إلى فقدان القدرة على الكلام ، وأصبح يعرف بحبسة بروكا (الوقفي، 2009، ص20).

    غير أنَّ العالم فيرنكة Wernicke (1872) توصل إلى تحديد منطقة في الفص الصدغي الأيسر من المخ مسئولة عن فهم الكلام واستيعابه، وترتبط هاتان المنطقتان بحزمة من الأعصاب تسمى الحزمة القوسية، وبعد ذلك استخدم  الطبيب الألماني برلين في عام 1877 مصطلح عمى الكلمة (صمم الكلمة) للدلالة على صعوبة القراءة المكتسبة لدى بعض المرضى بالرغم من ذكاءهم المتوسط وسلامة حواسهم ،  وتعد هذه المساهمة نقطة تحول في البحث في صعوبة القراءة عندما فسرها كحبسه استقبالية ، وأدخل برلين مصطلحا جديدا  إلى اللغة الطبية في عام 1884 هو الديسلكسيا. وأرجع مشكلات الأطفال في صعوبة القراءة إلى تلف دماغي ، وتبغه مورغان في 1896 بعمى الكلمة الخلقي  لدى أحد الأطفال  الذي كان يتصف بالذكاء وسرعة الأداء في الألعاب ولم يكن يقل عن مستوى زملائه سوى بالقدرة على القراءة، ورد السبب   إلى تلف يصيب التلفيق الزاوي وهو منطقة الذاكرة البصرية  في نصف الدماغ الأيسر  المسؤولة  عن تخزين صور الحروف والكلمات المقروءة  مستبعدا في ذلك ضعف النظر أو نقص القدرة على الكلام. (Mercer,1992 ) . وقد ميز  بين مصطلح الديسلكسيا وهي صعوبة القراءة بسبب عمى الكلمة الجزئي ومصطلح Alexia  وهو عمى الكلمة الكلي، ورأى أن الألكسيا مكتسبة بالنسبة للراشدين  وخلقية بالنسبة للأطفال. وقد رد هنشلود  سبب مشكلات القراءة  إلى نقص من مخزن الذاكرة  القصيرة، ومن توصياته  للمساعدة والمعالجة  تفريد التعليم واستخدام الطرق التعددية الحواس لتحسين الذاكرة البصرية وبدأ يؤيد القول بوراثة (الديسلكسيا).   

    وقد انتقل مجال البحث إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن هؤلاء كليبون( Claiborne) الذي اقترح مصطلح كمش الكلمة عام 1906، والذي أوصى بالنسبة للأطفال الذين يعانون صعوبة في القراءة لكن يمكن أن يتعرفوا على الرموز الرياضية باستخدام الطريقة الكلية في التعليم، وتدريب الطفل على استخدام يده اليمنى إذا كان أعسر. أما جاكسون Jackson  فقد فسر (الأكسيا) بتخلف في التصور، ومن توصياته أنه يتم المعالجة بصنع الحروف من المعجون وقصها من الورق على أن تتم خارج الصف، وقد اقترح باتشمان في 1927 فكرة الخلقة النضجية كسبب لصعوبة القراءة، ورد هذه الخلقة إلى تأخر نضج بعض عناصر الجهاز العصبي أو إعاقة تتدخل في مسيرة نمو الدماغ وتحول دون نموه وفق الأنماط السوية لنمو الدماغ وتطوره. ( راضي الوقفي،2009، ص ص 23-24(