المبحث الثاني: حق العدول عن العقد الالكتروني

يعتبر الحق في العدول آلية مستحدثة في القانون الجزائري، ولدراسة أحكامه لابد من تحديد مفهومه من جهة، ثم نطاق تطبيقه في مجال العقود الالكترونية من جهة أخرى، مع إبراز إجراءات ممارسته والآثار المترتبة عنها.

المطلب الأول: مفهوم حق العدول عن العقد الالكتروني

لتحديد مفهوم شامل وواضح لحق العدول عن العقد الالكتروني، سيتم التعرض بداية لتعريفه من الناحية القانونية والفقهية، ثم تبيان طبيعته القانونية.

الفرع الأول: تعريف حق العدول عن العقد الالكتروني

عرف المشرع الجزائري بموجب المادة 19 الفقرة 2 من القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش المعدل والمتمم بمقتضى القانون 18-09، الحق في العدول على النحو التالي: " العدول هو حق المستهلك في التراجع عن اقتناء منتوج ما دون وجه سبب ".

أما القانون 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية فلم يتطرق صراحة للحق في العدول، ومع ذلك كرسه بصفة ضمنية في المادة 22 منه التي نصت على أنه: " في حالة عدم احترام المورد الإلكتروني لآجال التسليم، يمكن للمستهلك الإلكتروني إعادة إرسال المنتوج على حالته في أجل أقصاه 04 أيام عمل ابتداء من تاريخ التسليم الفعلي للمنتوج، دون المساس بحقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر"، مشيراً إلى تحديد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق وكذا آجال وقائمة المنتوجات المعنية عن طريق التنظيم.

ومن الناحية الفقهية، فقد اختلفت آراء الفقهاء حول تعريف الحق في العدول مع تبيان مسمياته، بين الحق في الرجوع أو التراجع، والحق في العدول، والحق في إعادة النظر، فعرفه البعض على أنه: "وسيلة بمقتضاها يسمح للمستهلك الإلكتروني بأن يعيد النظر من جديد ومن جانب واحد في الالتزام الذي ارتبط به مسبقا، بحيث يستفيد من مهلة التفكير في خلالها ليكون بوسعه الرجوع عن التزامه الذي سبق وأن ارتبط به."

كما عرفه جانب آخر من الفقه بأنه: "حق مقرر لأحد المتعاقدين (المستهلك الإلكتروني) يستعمله بإرادته المنفردة خلال مدة زمنية محددة، يتيح له إما: نقض العقد والتحلل من التزاماته العقدية بأثر رجعي لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد، وإما: استبدال الشيء محل التعاقد إن كان قابلً للاستبدال."

الفرع الثاني: الطبيعة القانونية لحق العدول عن العقد الالكتروني

يكيَّف العدول عن العقد في نظر المشرع الجزائري بموجب المادة 19 الفقرة 2 من القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش المعدل، على أنه حق مقرر للمستهلك في التراجع عن اقتناء منتوج ما، خلال آجال محددة قانوناً، وعلى منتوجات محددة قانوناً، دون وجه سبب.

تأسيسا على ذلك، يتصف الحق في العدول عن العقد الالكتروني بأنه حق إرادي محض ممنوح لمصلحة المستهلك للتراجع عن العقد، يستعمله بمحض إرادته المنفردة خلال المدة المقررة له قانونا، ودون التزامه بتقديم الأسباب التي دفعته لهذا العدول، وهو بذلك لا يتعارض مع مبدأ القوة القانونية الملزمة للعقد، لأنه مجرد استثناء اقتضته ضرورة حماية المستهلك الالكتروني.

في مقابل ذلك، أثارت مسألة تحديد الطبيعة القانونية لحق العدول جدلا فقهيا كبيراً تباين بين ثلاث مواقف: جانب يميل لاعتباره حق مع اختلافهم حول طبيعته كحق شخصي أو عيني، وجانب آخر ذهب إلى القول بأنه رخصة، في حين اعتبره البعض حق إرادي محض وهو أكثر رأي أقرب إلى الصواب على أساس أنه يخضع لمحض إرادة المستهلك الإلكتروني الذي يتحكم بموجبه في مصير العقد، إما بممارسته وحل العقد أو التنازل عن ممارسته والإبقاء على العقد نافذا ومرتباً لآثاره.

المطلب الثاني: مجال ممارسة حق العدول عن العقد الالكتروني وآثاره

يعد حق العدول عن العقد الالكتروني من أكثر الوسائل الفعالة لحماية رضا المستهلك الالكتروني والملائمة لخصوصية هذا العقد، لذا حرصت العديد من التشريعات التي أقرته على تنظيمه تنظيما دقيقا للحد من خطورته حتى لا يمس بمبدأ القوة الملزمة للعقد، وذلك من خلال تحديد مجال تطبيق هذا الحق وكيفية ممارسته والآثار المترتبة عنه.

الفرع الأول: مجال ممارسة حق العدول عن العقد الالكتروني

تكمن الغاية من إقرار التشريعات للحق في العدول في حماية رضا المستهلك الإلكتروني في إطار العقود الإلكترونية التي أبرمها عن بعد تحت تأثير عوامل خارجية عن إرادته، وذلك لعدة مبررات أهمها في:

-        أن العقود الإلكترونية عقود مبرمة عن بعد وهذه الخاصية لا تمكن المستهلك الإلكتروني من رؤية السلع والخدمات ومعاينتها مباشرة أو تجربتها للتحقق من مدى توافرها على المواصفات التي تلبي احتياجاته من عدمها.

-        افتقار المستهلك الإلكتروني للمعلومات المتعلقة بمحل العقد وقلة خبرته بالمعاملات الإلكترونية وتقنياتها المستحدثة تجعله في مركز ضعف مقارنة بالمورد الإلكتروني، لاسيما في ظل انتشار الإشهارات التي أصبحت توجه إرادته وتدفعه إلى التعاقد بشكل متسرع تحت تأثير وسائلها الترويجية المتطورة، ثم يندم على التعاقد إذا اكتشف فيما بعد أن السلعة أو الخدمة المقتناة غير مناسبة لاحتياجاته أو لا تحقق مصالحه.

-        قصور القواعد التقليدية في القانون المدني في حماية إرادة المستهلك الإلكتروني وذلك بسبب عدم ملائمتها وتماشيها مع خصوصية العقود الإلكترونية، ومن أمثلة ذلك، بعض البيوع التي تعتبر بمثابة صور للحق في العدول، كالبيع بشرط المذاق والبيع بالتجربة المنصوص عليهما في المادتين 354 و355 من هذا القانون.

وعليه، يتضح أن حق العدول هو حق اختياري مقرر لمصلحة المستهلك الإلكتروني في العقود الإلكترونية دون سواه، ويمارسه باعتباره الطرف الضعيف الذي يفتقد للمعلومات المتعلقة بمحل هذه العقود خلال مدة زمنية محددة، دون إلزامه بتقديم الأسباب التي دفعته إلى ذلك.

وتأكيداً على ذلك نصت المادة 19/03 من القانون 09-03 المعدل والمتمم على أنه: "للمستهلك الحق في العدول عن اقتناء منتوج ما ضمن احترام شروط التعاقد، ودون دفعه مصاريف إضافية."

الفرع الثاني: كيفية ممارسة الحق في العدول عن العقد الالكتروني

أوجت التشريعات المقارنة على المستهلك ممارسة هذا الحق في نطاق عقود محددة وخلال فترة زمنية معينة، ويعتبر هذه الشروط بمثابة قيود جوهرية فعالة فرضتها التشريعات لمنع تعسف المستهلك في استعماله لحق العدول، حيث حدد له مدة زمنية معينة للتفكير والتروي، يقرر خلالها إما قبول العقد أو العدول عنه، وبمرورها يسقط حقه حفاظا على استقرار المعاملات حتى لا تبقى معلقة لمدة زمنية طويلة مما يلحق أضرار بالعون الاقتصادي أو المورد الإلكتروني.

بالنسبة للتشريع الجزائري، فبالرغم من اعتراف المشرع بحق العدول عن العقد بشكل صريح بموجب المادة 19/02 من القانون 09-03 المعدل والمتمم، والتي أحالت مسألة تحديد ممارسة هذا الحق وكيفياته وكذا آجال وقائمة المنتوجات المعينة إلى التنظيم، إلا أن هذه المادة بقيت دون تطبيق لحد الآن بسبب عدم صدور أية نصوص تنظيمية تطبيقا لها، أما القانون التجارة الإلكترونية 18-05 فلم يعترف بالحق في العدول صراحة في إطار العقود الإلكترونية، مكتفياً بالإشارة إليه ضمنياً في فحوى المادة 22 منه.

وفي ظل غياب نصوص تنظيمية تحدد إجراءات خاصة تبين كيفية ممارسة المستهلك لحقه في العدول عن العقد تطبيقا لأحكام القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك وقمع الغش المعدل والمتمم، وكذا تكريس صريح لهذا الحق لمصلحة المستهلك الإلكتروني بموجب قانون التجارة الإلكترونية 18-05، يراعى فيه خصوصية ممارسة حق العدول في التعاقد الإلكتروني، يمكن القول أن الشرط الوحيد لممارسة المستهلك الإلكتروني لهذا الحق هو احترام الآجال القانونية المحددة بموجب المادة 22 من القانون 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية، ألا وهي أجل 04 أيام عمل تحتسب ابتداءا من تاريخ التسليم الفعلي للمنتوج.

غير أنه بالرجوع لمضمون المادة 23 من قانون التجارة الإلكترونية 18-05 التي نصت على أنه: " يجب على المستهلك الإلكتروني إعادة إرسال السلعة في غلافها الأصلي في مدة 04 أربعة أيام كحد أقصى ابتداء من تاريخ التسليم الفعلي للمنتوج مع الإشارة لسبب الرفض، وتكون تكاليف إعادة الإرسال على عاتق المورد الالكتروني"، فيلاحظ أن مدة أربعة أيام المذكورة فيها ليست بمدة العدول، لأن المستهلك ملزم بموجب هذه المادة بتبرير سبب عدوله وذلك بإثبات عدم مطابقة المنتوج أو أنه منتوج معيب، والأصل في حق العدول أنه آلية قانونية مقررة لمصلحة المستهلك الإلكتروني تمكنه من الرجوع عن العقد دون ذكر الأسباب، وهذا ما أكده المشرع في الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون 09-03 بنصها على أنه: " العدول هو حق المستهلك في التراجع عن اقتناء منتوج ما دون وجه سبب"، أي دون إلزامه المستهلك بتقديم الأسباب التي دفعته إلى استعمال حقه في العدول.

الفرع الثالث: الآثار المترتبة عن ممارسة الحق في العدول عن العقد الالكتروني

يترتب على ممارسة الحق في العدول عن التعاقد إنحلال العقد المبرم بين المتعاقدين وزواله، وبذلك تعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، وتسري هذه الآثار على طرفي العقود الإلكترونية طبقا لنص المادة 22 من القانون 18-05، وذلك على النحو التالي:

أولا: بالنسبة للمورد الإلكتروني

يلتزم بإرجاع المبلغ المدفوع وكذا النفقة المتعلقة بإعادة إرسال المنتوج للمستهلك الإلكتروني خلال أجل 15 يوم ابتداء من تاريخ استلامه للمنتوج.

ثانيا: بالنسبة للمستهلك الإلكتروني

يحق للمستهلك الإلكتروني بإرادته المنفردة ممارسة حقه في العدول والرجوع عن العقد الذي أبرمه ويتحلل من تنفيذه، دون أن يلتزم بتقديم الأسباب التي دفعته لهذا الرجوع، ودون أن يتوقف استعماله لهذا الحق على قبول (المورد الإلكتروني) الطرف الآخر في العقد، ودون تحمل مصاريف الإرجاع، بشرط أن يمارس هذا العدول خلال المدة الزمنية القانونية المقررة لمصلحته.

في مقابل ذلك، يلتزم المستهلك الإلكتروني بإعادة إرسال المنتوج على حالته في حالة عدم احترام المورد الإلكتروني لآجال التسليم، ضمن الآجال القانونية المحددة لممارسة هذا الحق، وذلك دون المساس بحقه في المطالبة بالتعويض عن الضرر.

 

Last modified: Monday, 8 January 2024, 7:22 PM