المطلب الثالث: ركن السبب في العقود الإلكترونية

يعتبر السبب ركن من أركان العقد فلا وجود للعقد بدون سبب، ولبيان خصوصية السبب في العقود الإلكترونية لابد من تحديد المقصود بالسبب مع بيان شروطه، ثم التطرق لكيفية إثباته.

الفرع الأول : تعريف السبب

يقصد بسبب العقد الباعث الدافع إلى التعاقد أي الغرض الذي دفع المتعاقد إلى إبرام العقد، فالشخص لا يبرم عقدا من العقود إلا بوجود باعث يدفعه إلى ذلك، ولأنه أمر نفسي يختلف من متعاقد إلى آخر فقد يكون مشروع أو غير مشروع، ولأن القانون لا يعتد بالأمور النفسية، لذا فإنه لا يتعين على المتعاقد أن يصرح بالباعث أو السبب الذي دفعه لإبرام العقد.

أما سبب الالتزام فيتمثل في الغرض الذي يقصد المدين المتعاقد تحقيقه من وراء التزامه، وهو غرض مباشر لا يختلف بالنسبة للمتعاقد إلا باختلاف نوع العقد المبرم، فمثلا في العقود الملزمة لجانبين يكون سبب التزام كل طرف هو ما التزم به الطرف الآخر، وفي  عقود التبرعات يكون السبب هو نية التبرع.

الفرع الثاني : شروط السبب

حدد المشرع الجزائري في المادة 97  ق.م.ج. شرط أساسي لتحقق ركن السبب، والمتمثل في:

1-  أن يكون السبب مشروعا، أي غير مخالف للنظام العام أو للآداب، ويترتب على عدم مشروعية السبب عدم مشروعية العقد ككل، لذا فإن العقد الذي يكون سببه غير مشروع يعتبر عقداً باطلاً بطلاناً مطلقاً.

علاوة على ذلك، افترضت المادة 98 ق.م. بموجب قرينة قانونية بسيطة قابلة لإثبات العكس، مشروعية سبب الالتزام باعتباره الباعث الدافع إلى التعاقد كمعيار لتقدير مدى مشروعية العقد بصفة عامة، كما افترضت أن السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي له، حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، وإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبب آخر مشروع أن يثبت ما يدعيه.

وبالرغم من الخصوصية التي تتسم بها العقود الإلكترونية، إلا أنها تبقى خاضعة لنفس القواعد العامة للسبب في العقود التقليدية، مما يعني عدم وجود أحكام خاصة بالسبب في مجال العقود الإلكترونية.

المطلب الرابع: ركن الشكل في العقود الالكترونية (الشكلية الإلكترونية)

طبقا لمبدأ الرضائية في العقود المنصوص عليه في المادة 59 ق.م.ج.، يكفي كأصل عام توافر التراضي والمحل والسبب لقيام العقد صحيحا ومرتباً لآثاره، استثناءًا من ذلك إذا استلزم القانون توافر شكلاً معيناً لعقد ما بحيث لا يتم العقد إلا باستكماله، أو اتفق عليه المتعاقدان على إبرام العقد وفق شكل معين يتفقان عليه، فإن هذا العقد لا ينعقد إلا إذا كان مستوفيا لجميع أركانه من تراضي ومحل وسبب وشكل، وفي هذه الحالة تعد الشكلية ركن من أركان العقد ويطلق عليها بشكلية الانعقاد[1]، ومن ثم يعتبر هذا العقد من العقود الشكلية.

يستلزم المشرع ركن الشكل في بعض العقود تحقيقا للمصلحة العامة، وكذا لتنبيه المتعاقدين إلى خطورة التصرف القانوني المقدمان عليه خاصة إذا كانت المحل ذو قيمة اقتصادية كبيرة من خلال الكتابة الرسمية كالعقارات مثلا، وأيضا حماية للغير حسن النية في العقود التي تتعلق بها حقوقهم، وكذلك لتسهيل الإثبات في حالة وقوع نزاع بين المتعاقدين، كما هو الحال في العقود الإلكترونية التي تعتريها الكثير من المخاطر الناجمة عن طبيعة التعاقد في العالم الافتراضي، فهل يقتضي إبرامها توافر شكلية معينة؟

استنادا لنص المادة 19 من القانون 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية، يتضح بوضوح موقف المشرع الجزائري من اعتبار العقود الإلكترونية عقود شكلية، وذلك من خلال إلزام المورد الالكتروني بمجرد إبرام العقد، بإرسال نسخة الكترونية من العقد إلى المستهلك الالكتروني.

كما يتضح من مضمون هذه المادة أن الشكلية اللازمة لإبرام العقود الإلكترونية هي شكلية مباشرة تتمثل في الكتابة الالكترونية، لكن ما هو نوع هذه الكتابة عرفية أو رسمية؟

يتضح من خلال منع المشرع الجزائري بموجب المادة 03 من القانون 18-05 إبرام العقود التي تتطلب إعداد عقد رسمي[2] إلكترونياً، أن الكتابة الإلكترونية المقصودة في المادة 19 هي الكتابة العرفية.

علاوة على ذلك، أخضع المشرع الجزائري صراحة بموجب المادة 323 مكرر1 ق.م. الكتابة الالكترونية لنفس الشروط التي يعتد بها في الورقة العرفية ألا وهي الكتابة والتوقيع، ولتتمتع الكتابة الالكترونية بنفس الحجية وقوة الإثبات التي تتمتع بها الكتابة العرفية، اشترطت هذه المادة توافر شرطين:

1.    إمكانية التأكد من هوية الشخص الذي أصدرها بصورة قاطعة.

2.    أن تكون الكتابة الالكترونية معدة ومحفوظة بأجهزة تضمن سلامتها.



[1] - تعد الشكلية ركن لقيام العقد ولصحته ولإثباته، ومن ثم فإن إنعدامها يمنع قيام العقد قانوناً باعتبارها عقدا باطلا بطلانا مطلقا.

[2]- من أمثلة العقود التي تتطلب الكتابة الرسمية لإنعقادها حسب نص المادة 324 مكرر1 ق.م.، العقود المتضمنة نقل ملكية عقار أو حقوق عقارية أو محالات تجارية أو صناعية أو تنازل عن أسهم من شركة أو حصص فيها أو عقود إيجار صناعية أو زراعية...إلخ

آخر تعديل: الاثنين، 8 يناير 2024، 7:18 PM