ركن المحل في العقود الإلكترونية
المطلب الثاني: المحل في العقود الالكترونية
يمثل المحل أحد أركان العقد الذي لا يمكن ينشأ من دونه، فقيام العقد يستلزم توافر محل يتراضى عليه المتعاقدين، وبالنظر للسمات الخاصة التي تتميز بها العقود الإلكترونية من حيث كونها عقود تبرم عن بعد دون التواجد المادي لأطرافها، فسيتم دراسة هذا الركن من خلال تحديد المقصود بالمحل في هذه العقود، ثم الشروط القانونية اللازمة لتوافر محلها، وكذا أنواع المحل فيها بالمقارنة مع العقود التقليدية.
الفرع الأول: تعريف المحل في العقود الالكترونية
يقصد بمحل العقد العملية القانونية التي اتجهت إرادة المتعاقدين إلى تحقيقها من إبرام العقد، وتتحقق هذه العملية من خلال مجموع الالتزامات التي يرتبها العقد على عاتق طرفيه، أما محل الالتزام فهو الأداء الذي يلتزم بتقديمه المدين المتعاقد لمصلحة المتعاقد الآخر وهو الدائن، ويتمثل في إعطاء مال (سواء كان عقار أو منقول أو مبلغ من النقود) أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل.
ولما كان تنفيذ محل التزامات المتعاقدين تهدف إلى تحقيق محل العقد، فإن الشروط الواجب توافرها في محل الالتزام تحقق بالضرورة الشروط اللازم توافرها في محل العقد، بحيث إذا تخلفت أحد هذه الشروط يبطل محل الالتزام وتبعا لذلك يبطل محل العقد بطلانا مطلقا.
الفرع الثاني: شروط المحل في العقود الالكترونية
نظم المشرع الجزائري شروط محل الالتزام في المواد من 92 إلى 95 ق.م.، وهي ذاتها الشروط الواجب توافرها في محل العقد الإلكتروني ليكون عقداً صحيحاً، وتتمثل في:
1- أن يكون المحل موجوداً أو ممكن الوجود: ويختلف معنى وجود محل العقد بحسب كونه شيئاً أو عملا ً، فإذا كان محل العقد شيئاً وجب أن يكون موجودا ً وقت التعاقد أو على الأقل أن يكون قابلا ً للوجود في المستقبل(شيئاً مستقبلياً قابل للوجود)، وفي هذه الحالة الأخيرة يمكن للمستهلك الإلكتروني تقديم طلبية مسبقة والتي تتحول بصفة ضمنية إلى طلبية مؤكدة بعد توافر المنتوج.
أما إذا كان محل العقد عملاً، فيجب أن يكون ممكن القيام به، فإن كان مستحيلا استحالة مطلقة، بطل العقد بطلاناً مطلقاً.
2- أن يكون المحل معيناً أو قابلاً للتعيين، من خلال تحديد مواصفاته بشكل كامل ودقيق، لأنه إذا كان المحل مجهولاً تعذر تحديده أو تعيينه، وتختلف طريقة تعيين المحل بحسب طبيعته، فإذا تمثل المحل في القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل وجب تحديد طبيعة العمل أو أن يكون قابلا للتعيين، وإذا كان محل العقد شيئا فيكفي لتعيينه تحديد نوعه ومقداره و درجة جودته.
بالنسبة للعقود الإلكترونية فإنه يتم تعيين محلها عبر وسائل الإتصال الإلكترونية، ومن ثم يتعذر فيها على المستهلك رؤية ومعاينة محلها بطريقة مباشرة، لذا فغالبا ما يكون وصفها مصحوباً بصور أو فيديوهات عنها.
3- أن يكون المحل مشروعاً ويختلف معنى المشروعية باختلاف طبيعة محل العقد، فإذا كان عملا ً أو امتناعاً عن القيام بعمل، فيشترط فيه ألا يكون مخالفا ً للنظام العام والآداب العامة وهذا حسب نص المادة 93 ق.م.
أما إن كان محل العقد شيئا فيجب أن يكون جائز التعامل فيه قانونا، وفي هذه الصدد منع المشرع الجزائري المادتين 03 و05 من القانون 18-05، بعض المنتوجات من تسويقها أو التعامل فيها عن طريق وسائل الاتصالات الالكترونية، لذا فإنه لا يجوز أن تكون محلاً للعقود الإلكترونية، وعليه، يعتبر العقد الإلكتروني الذي يكون محله أحد هذه المنتوجات المحظورة عقداً باطلاً بطلاناً مطلقاً لعدم مشروعية محله.
وتشمل المنتوجات الواردة في هاتين المادتين منتوجات محظورة بحكم القانون كالمنتوجات الصيدلانية والمشروبات الكحولية والتبغ، والمنتوجات المقلدة، المنتوجات الماسة بالأمن العمومي، ومنتوجات أخرى محظور التعامل فيها إلكترونيا لأنها لا تصلح بحسب طبيعتها أن تكون محلا للعقود الإلكترونية، ومن أمثلتها العقارات حيث يشترط القانون على العقود الواردة عليها توافر الكتابة الرسمية أمام الموثق، إضافة إلى إجراء الشهر لدى مصلحة الشهر العقاري.
الفرع الثالث: أنواع المحل في العقود الالكترونية
بما أن العقود الالكترونية تتم في بيئة الكترونية افتراضية مختلفة تماماً عن تلك التقليدية، لذا فإنها تتسم بتنوع المنتوجات أو الخدمات التي تكون محلها، وعموما، هناك نوعان من المنتوجات أو الخدمات التي يمكن اقتناؤها عن طريق التعاقد الالكتروني:
أولا: المنتوجات والخدمات الالكترونية
تتمثل المنتوجات الالكترونية في:" كل منتوج خدماتي أو غير مادي يتم إنتاجه بطريقة رقمية أو تحويله في شكل بيانات أو معلومات رقمية، ثم يتم تسويقه عبر شبكة الإنترنيت"، لذا فإنه يمكن إرسالها فوراً للمستهلك بمجرد إبرام العقد عبر شبكة الانترنت، ومن أمثلتها: برامج الحاسوب (Software)، برامج التشفير للكمبيوتر والهواتف الذكية (Antivirus)، الكتب الالكترونية(E-books) ، الدورات التعليمية على الانترنت (Online courses)، المحاضرات والمطبوعات الرقمية...إلخ
أما الخدمات الالكترونية فهي:" تلك الخدمات التي تستخدم تقنيات الاتصالات والمعلومات الحديثة في نقلها أو تقديمها أو تحويلها من خدمات تقليدية إلى إلكترونية في شكل ملفات يتم نقلها عبر شبكة الانترنت"، وتعد هذه الخدمات أهم أنماط التجارة الالكترونية ومن أبرزها: خدمات الانترنت، التوقيع الالكتروني، خدمات البريد الالكتروني، الخدمات المصرفية الرقمية...إلخ
وبصفة عامة، هذا النوع من المنتوجات والخدمات لا يثير أي إشكال بالنسبة للمورد عند تنفيذه للعقود الالكترونية المتعلقة بها لأن عملية عرضها وبيعها واقتناؤها يتم بطريقة الكترونية بحتة، سواء كان العقد الالكتروني مبرم بين طرفين متواجدين في نفس الدولة، أو كان العقد يتضمن طرف أجنبي.
ثانيا: المنتوجات والخدمات غير الإلكترونية
طالما أن هذه المنتوجات أو الخدمات لا يمكن تسليمها أو تقديمها الكترونياً نظرا لعدم إمكانية تحويلها إلى ملفات أو معلومات رقمية، فإن دور التجارة الإلكترونية سيقتصر في هذه الحالة على مرحلة تسويقها والاتفاق على أسعارها وطريقة تسليمها و تقديم الطلبية بشأنها وغيرها من الشروط التعاقدية إلى حين مرحلة إبرام العقد، ثم يتم شحنها إلى المستهلك الإلكتروني من خلال وسيلة نقل مناسبة لذلك، سواء كان العقد الالكتروني مبرم بين طرفين متواجدين في نفس الدولة أو في دولتين مختلفتين.
وعليه، فإن كافة العقود الالكترونية التي يكون محلها منتوجات أو خدمات غير الكترونية يتم تنفيذها مادياً من خلال تسليمها بشكل مادي للمستهلك بعد نقلها إليه عن طريق شركات التوصيل.