مقدمة :

تعتبر صناعة الخدمات المصرفية من أهم القطاعات الاقتصادية في أي دولة، حيث تلعب دورًا حيويًا في تمويل النمو الاقتصادي وتعزيز الاستقرار المالي. ولضمان تطور هذا القطاع وتحقيق الشمول المالي والامتثال للمعايير الدولية، يتعين على الدول أن تضع تشريعات مصرفية قوية ومحدثة. فالتنظيم البنكي يُعتبر من أهم العوامل التي تؤثر على أداء واستقرار القطاع المصرفي. يتم تحديده بواسطة التشريعات واللوائح التي تنظم عمل البنوك والمؤسسات المالية، وتحمي حقوق المودعين والمستثمرين. في الجزائر، تم إصدار قانون جديد لتنظيم القطاع المصرفي برقم 23-09 في 21 يونيو 2023، بهدف تعزيز الاستقرار المالي وحماية حقوق المودعين والمستثمرين، ودعم نمو القطاع المصرفي.

القانون النقدي المصرفي : عرف بقانون رقم 23-09 مؤرخ في 3  ذي الحجة عام 1444 الموافق 21 يونيو 2023، يتضمن القانون النقدي والمصرفي و هو الآلية التنظيمية التي تحكم إدارة وتشغيل بنك الجزائر وتحديد صلاحياته وعملياته. ينظم القانون تكوين وصلاحيات المجلس النقدي والمصرفي ويحدد مهام وصلاحيات اللجنة المصرفية على وجه الخصوص.يعتبر هذا القانون بديلا للقانون السابق (الأمر رقم 03-11 الصادر في 26 أغسطس 2003)، وليس مجرد تعديل عليه. ويلاحظ أن الاسم الجديد للقانون لم يعد "قانون النقد والقرض" كما كان في القوانين السابقة (القانون 90-10 لسنة 1990 والأمر رقم 03-11 لسنة 2003)، بل أصبح "القانون النقدي والمصرفي"، وهذا جانب إيجابي فاستخدام كلمة "القرض" التي تعبر عن مفهوم محدد من الكلمة الفرنسية "crédit"، بينما تشمل الترجمة الأوسع مفهوم "الائتمان". يتألف القانون من 167 مادة موزعة على 9 أبواب وهي :

ü    الباب الأوّل  : النقــــــد 

ü    الباب الثاني  : هيكل بنك الجزائر وتنظيمه وعملياته

ü    الباب الثالث : صلاحيات بنك الجزائر وعملياته

ü    الباب الرابع    : المجلس النقدي والمصرفي 

ü    الباب الخامس  : التنظيم المصرفي 

ü    الباب السادس  : رقابة البنوك والمؤسسات المالية والخاضعين الآخرين  

ü    الباب السابع : الصرف وحركات رؤوس الأموال

ü    الباب الثامن : العقوبات الجزائية

ü    الباب التاسع : للجان

أبرز التعديلات وهي :

ü    تضمين إمكانية إصدار عملة رقمية تسمى "الدينار الرقمي الجزائري" وذلك بموجب المادة الثانية من القانون، وذلك كجزء من استجابة البنك المركزي للتحول الرقمي العالمي.ولكن لم يذكر الاليات المنظمة لهذه العملية .

ü    في الفصل الثاني الخاص بتسيير بنك لجزائر ومراقبته ،ووفقا للمادة 13 منه ، يتم تعيين محافظ للبنك الجزائر و3 نواب له بمرسوم رئاسي لمدة 5 سنوات، مع إمكانية التجديد مرة واحدة. إذا حدث عجز مثبت قانونيًا أو وقوع خطأ فادح، يمكن إنهاء مهامهم بنفس الإجراء. في حالة وجود عجز مثبت قانونيًا لمحافظ البنك الجزائر أو ارتكابه لخطأ فادح، يتولى أحد نوابه مهام المحافظ حتى تعيين محافظ جديد. يجدر بالذكر أن النظام السابق، الذي ورد في القانون رقم 1990، كان يتيح تعيين المحافظ لمدة 6 سنوات ونوابه (البالغ عددهم ثلاثة) لمدة 5 سنوات، وكان يمكن تجديد تعيينهم مرة واحدة. ولكن تم إلغاء هذا النظام بتعديل قام به الرئيس السابق في عام 2001، واستمر النظام الجديد حتى تم إصدار القانون الحالي رقم 03-11 في عام 2003، الذي منح الرئيس السلطة لتعيين وإقالة المحافظ وفقًا لاحتياجات العمل والأداء، وهذا أثر بشكل كبير على أداء هذه الوظيفة.

ü    إن إدارة بنك الجزائر أوكلت الى مجلس الإدارة والمؤلف من ثمانية أعضاء يُعينون بواسطة مرسوم رئاسي، ويتضمن أعضاءً رئيسين: المحافظ ونوابه، بالإضافة إلى أربعة موظفين ذوي كفاءة عالية في المجالين الاقتصادي والمالي وذلك بموجب المادة 22 من هذا القانون ، فيما حددت مهامه في المادة 21 إذ يتولي إدارة عمليات بنك الجزائر بشكل عام وأيضًا فتح الفروع والوكالات.

ü    يقوم بنك الجزائر بإنشاء هيئة مراقبة تتألف من مراقبين يُعينون بموجب مرسوم رئاسي، وتُكلِّف هذه الهيئة بمهمة مراقبة جميع مصالح وعمليات بنك الجزائر، وتأتي هذه الإجراءات وفق المواد 29 و 30 .

ü    ضرورة نشر التقرير السنوي لبنك الجزائر يتضمن بيانات حول نشاطاته في مجال السياسة والإشراف المصرفي وذلك بموجب المادة 32 من القانون. يُسلِّم هذا التقرير المحافظ لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أو الوزير الأول في مدة لا تتجاوز الستة أشهر من السنة التالية للتقرير. يتبع ذلك تقديم بيان للمجلس الشعبي الوطني يتبعه نقاش. ومع ذلك، يظهر أن هذه الالتزامات لم تُنفذ بشكل منتظم في السنوات الأخيرة.

ü    أن بنك الجزائر لديه الحق في تنفيذ أي عملية خاصة بالسياسة النقدية التي يراها ضرورية وفقا للمادة 44 منه ، ويمكنه أيضًا تكييف أدوات التدخل في السوق المالية مع خصوصيات العمليات المصرفية، بما في ذلك الصيرفة الإسلامية والتمويل الأخضر. تمثل هذه المادة أول إشارة صريحة في القانون إلى الصيرفة الإسلامية، وتشدد على أهمية مراعاة هذه الصيرفة في الرقابة وتنفيذ السياسة النقدية من قبل البنك المركزي.

ü    المادة 48 تنص على شروط إقراض الخزينة العمومية من قبل بنك الجزائر، حيث لا يجب أن تتجاوز مدة هذا الإقراض 240 يومًا (8 أشهر)، وأن يكون مبلغ الإقراض أقل من 10% من الإيرادات الفعلية للسنة الماضية. ومع ذلك، يُسمح أيضًا لبنك الجزائر بمنح تسبيق للخزينة العمومية في حالة وقوع أزمة استثنائية غير متوقعة ومعلن عنها، وذلك وفقًا لشروط محددة من قبل مجلس النقد والقرض، وهذا يمكن أن يفتح الباب لاستخدام ممارسات تمويل غير تقليدية في حالات الأزمات.

ü    المادة 61 تشير إلى تكوين مجلس النقدي والمصرفي وهو سلطة النقدية ، ويتألف من أعضاء مجلس إدارة بنك الجزائر بالإضافة إلى شخصية ذات كفاءة اقتصادية ونقدية وأخرى ذات كفاءة في مجال الصيرفة الإسلامية ، الى جانب اطار من بنك الجزائر برتبة مدير عام على الأقل. يُعين الأعضاء الإضافيين بمرسوم رئاسي، مما يجعل مجموع الأعضاء في المجلس يبلغ عشرة الى جانب رئيس المجلس وهو محافظ بنك الجزائر.

ü    تحدد مهام مجلس النقدي والمصرفي من خلال المادة 64 ،والتي تشير الى أن هذا المجلس هو سلطة النقدية ويخول له إصدار النقد وتحديد السياسة النقدية ومراقبتها، ووضع منتجات التوفير والقرض الجديدة، وضبط معايير نظم الدفع، وتحديد شروط اعتماد البنوك والمؤسسات المالية، ووضع المعايير الاحترازية المطبقة على البنوك، وتنظيم سوق الصرف.

ü    أشارت المادة 68 إلى أن العمليات المصرفية تشمل تلقي الأموال من الجمهور وعمليات القرض، بالإضافة إلى العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، وكذلك إدارة جميع وسائل الدفع وتوفيرها للعملاء.

ü    عرفت المادة 71 العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية على أنها العمليات التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية. إذ يُشدد على أهمية احترام العمليات المصرفية للضوابط الشرعية في هذا السياق. كما أشارت المادة 72 إلى أهمية استقلال الشباك الإسلامية مالياً ومحاسبياً. هذا التأكيد يتوافق مع مبادئ الصيرفة الإسلامية التي تؤكد على عدم تداخل العمليات المالية الإسلامية مع الهياكل الأخرى. كما شددت المادة 73 على ضرورة الحصول على شهادة مطابقة لمبادئ الشريعة الإسلامية من الهيئة الشرعية للإفتاء لضمان تقديم منتجات مصرفية إسلامية صحيحة ومطابقة لمبادئ الشريعة ما يعزز مستوى الثقة بالمنتجات المصرفية الإسلامية ويضمن الامتثال للقوانين الشرعية.

ü    أشارت المادة 74 الى  وسائل الدفع ، منها العملة الالكترونية  باعتبارها وسيلة دفع معترف بها، يتم تعزيز التحول نحو الدفع الإلكتروني وزيادة التسهيلات المالية للمواطنين والشركات.

ü    المادة 76 اشارت الى إمكانية قيام  مزودو خدمات الدفع المعتمدون قانونا، بتزويد خدمات الدفع التي تقوم بها البنوك ، مع اشتراط ان هذه الخدمات تحدد بقائمة خدمات الدفع وكذا شروط وكيفيات اعتماد مزودي خدمات الدفع بموجب نظام من المجلس.

ü    المادة77  و  91 اشارت الى أن انشاء البنوك الاستثمارية والبنوك الرقمية وحصولها على ترخيص من بنك الجزائر  وأن كيفية عملها يحدد وفق نظام يصدرها بنك الجزائر ، وبذلك توسع نطاق التشريع المصرفي بحيث يتم تعزيز التنوع في القطاع المصرفي. هذا يعكس التوجه نحو الابتكار والتكنولوجيا في القطاع المصرفي.

ü    اشارت في المادة 100 على إمكانية  انشاء بنوك أو مؤسسات مالية أو وسيط مستقل أو مكتب صرف أو مزود خدمة بعد تأسيس شركة  الخاضع للقانون الجزائري و حصولها على ترخيص من بنك الجزائر .

ü    حوكمة داخلية ورقابة : وذلك بموجب المادة 107 ضرورة وضع قواعد حوكمة داخلية وجهاز فعال للرقابة الداخلية، يتم تعزيز الامتثال للمعايير العالمية في مجال البنوك والمؤسسات المالية.

ü    أشارت المادة 133 على  ضرورة مشاركة البنوك في صندوق ضمان الودائع، مما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي وتعزيز ثقة العملاء في القطاع المصرفي، كما شدد على ضرورة احترام طبيعة الودائع في الصيرفة الإسلامية .

ü    تشكيل لجان : اشارت المواد 155الى  168:ضرورة انشاء لجنة للاستقرار المالي على الصعيد الكلي تتكفل بالمراقبة الاحترازية الكلية وبتسيير الأزمات، يرأسها محافظ بنك الجزائر أو ممثله، وتتكون من:

Ø  ممثلان من درجة عليا عن بنك الجزائر،

Ø  ممثلان من درجة عليا عن وزارة المالية،

Ø  ممثل من درجة عليا عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف،

Ø  رئيس لجنة تنظيم عمليات البورصة ومراقبتها،

Ø  رئيس لجنة الإشراف على التأمينات،

Ø  الأمين العام للجنة المصرفية،

Ø  الأمين العام لمجلس النقد والقرض.

يعين جميع الأعضاء بمرسوم رئاسي، وتعد اللجنة تقريراً سنوياً يُرفع إلى رئيس الجمهورية.

طبعاً هذا يبين مدى اهتمام السلطات خاصة منها المالية بالاستقرار المالي والرقابة الاحترازية الكلية ، غير أن ادراج ممثل من درجة عليا عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف يحمل العديد من علامات الاستفهام حول  دوره ومدى مساهمته في هذه اللجنة  الى جانب هذه اللجنة ، اشارت المواد من  (163 الى 165  ) على ضرورة تأسيس اللجنة الوطنية للدفع تتمثل مهمتها الرئيسية في مشروع الاستراتيجية الوطنية لتطوير وسائل الدفع بهدف تعزيز المعاملات المصرفية  وتقوية الشمول المالي . على ان يحدد عملها و تنظيمها بموجب تنظيم ، وتتكون هذه اللجنة من محافظ بنك الجزائر أو ممثله إضافة إلى:

Ø                ممثل عن وزارة المالية،

Ø                ممثل عن وزارة العدل،

Ø                ممثل عن وزارة التجارة،

Ø                ممثل عن وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية،

Ø                ممثل عن الوزارة المكلفة بالرقمنة،

Ø                ممثل عن المديرية العامة للأمن الداخلي،

Ø                ممثل عن الدرك الوطني،

Ø                ممثل عن المديرية العامة للأمن الوطني،

Ø                ممثلان عن بنك الجزائر،

Ø                ممثل عن بريد الجزائر،

Ø                ممثل عن الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية،

Ø                ممثل عن الهيئة ما بين المصارف المكلفة بالنقد الآلي،

Ø                ممثل عن مركز النقد الآلي ما بين المصارف،

Ø                خبيرين يتم تعيينهما بحكم كفاءتهما في المجال.

يعين أعضاء هذه اللجنة بقرار من مجلس النقدي والمصرفي ، وتجدر الإشارة الى أنه تم  استخدام عبارة "وسائل الدفع الكتابية" التي تجاوزها الزمن ، عوض الاهتمام أكثر بوسائل الدفع الالكتروني، ويبدو أن الأمر يحتاج إلى توضيح.

اشير في المادة 166 وبوضوح، إلى أن هذا القانون يلغي أحكام القانون الحالي (الأمر رقم 03-11) كما أشرنا من قبل، وأشارت المادة 165 قبلها إلى النصوص التنظيمية المستنبطة من الأمر المذكور تبقى سارية المفعول إلى غاية إصدار نصوص تنظيمية جديدة.

أبرز  التداعيات التنظيمية لهذا القانون   :

صادق المجلس النقدي والمصرفي (مجلس النقد والقرض سابقاً) على مستوى بنك الجزائر على مشروع نظام أو تنظيم règlement يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف.ويعتبر هذا التنظيم أول نص تطبيقي للقانون النقدي والمصرفي الجديد رقم 23-09 الصادر في 21 جوان/يونيو 2023 ،  وبذلك فقد تم :

- توفير مصادر قانونية للمواطنين المقيمين للحصول على العملة الصعبة، للسياحة أو العلاج أو الدراسة في الخارج، في ظل عدم توفر ذلك حالياً، ومع منحة سياحية هزيلة يشتكي منها الجميع. ومن الخطأ القول بأن مكاتب الصرف موجهة للسياح غير المقيمين فقط.

- توفير هذه المكاتب مع التحرير التدريجي لسوق الصرف، يُفترض أن يؤدي إلى اختفاء السوق الموازية للعملة في ظل توحيد سعر الصرف، وهو ما يمكّن البلاد من الاستفادة من تحويلات المهاجرين في الخارج في تغذية احتياطي الصرف كمصدر مهم للعملة الصعبة خارج المحروقات، وهو المصدر الذي لا تستفيد منه البلاد شيئاً حالياً عكس دول الجوار والبلدان العربية الأخرى.

 


Modifié le: jeudi 14 décembre 2023, 14:54