المبحث الرابع: أهم أنواع العقود الالكترونية

للعقود الالكترونية المبرمة في مجال البيئة الالكترونية العديد من الأنواع، فمنها ما يجمع بين الأعوان الاقتصاديين فيما بينهم، ومنها ما يبرم بين الأعوان الاقتصاديين والمستهلكين، في حين هناك نوع آخر يكون أحد أطرافه شخص من أشخاص القانون العام والتي يطلق عليها "العقود الإدارية الالكترونية"، وبما أن هذا النوع الأخير سيتم دراسته في إطار المحور الرابع، فسيتم التركيز في هذه المحاضرة على  دراسة العقود الالكترونية التجارية والاستهلاكية.

المطلب الأول: العقود الالكترونية التجارية والاستهلاكية

تتصف غالبية العقود الإلكترونية بالطابع التجاري الاستهلاكي، لذا يطلق عليها بعض الفقه "عقود التجارة الالكترونية" لأن السمة التجارية والاستهلاكية تستحوذ على غالبية العقود الإلكترونية، حيث تبرز السمة التجارية من خلال طبيعة النشاط الذي يقوم به أحد أطرافها وهو المورد للسلعة أو الخدمة، أما السمة الاستهلاكية فتتعلق بطرفها الثاني المستهلك وهو شخص مدني، ولهذا تعتبر هذه العقود ذات طبيعة مختلطة، فهي تجارية بالنسبة للمورد الإلكتروني، ومدنية استهلاكية بالنسبة للمستهلك الإلكتروني.

الفرع الأول: تعريف عقود التجارة الالكترونية

تعد التجارة الإلكترونية المجال الشائع الذي تظهر فيه العقود الإلكترونية بصفة عامة، فهذه الأخيرة تمثل أهم وسيلة التي من خلالها تتم ممارسة النشاطات التجارية، وهذا ما جعل بعض الفقه يعبر بمصطلح التجارة الإلكترونية على العقود الالكترونية باعتبارها تلك المعاملات والعلاقات التجارية التي تتم بين المتعاملين فيها من خلال استخدام وسائل إلكترونية، وعليه فقد عرفها البعض بأنها: "مجموع المبادلات الإلكترونية المرتبطة بنشاطات تجارية والمتعلقة بالسلع والخدمات بواسطة تحويل المعطيات عبر شبكة الإنترنيت والأنظمة التقنية الشبيهة ".

تشكل التجارة الإلكترونية - حسب التعريف الذي تبنته منظمة التجارة العالمية سنة 1998 -: " مجموعة متكاملة من عمليات الإنتاج والتوزيع والتسويق والبيع أو تسليم المنتوجات والخدمات عن طريق وسائل إلكترونية"، وهي بذلك تشمل جميع عمليات التجارة الداخلية منها والدولية.

كما عرفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمیة (OECD (التجارة الإلكترونیــــــة أنھا: "عملیات بیع وشراء السلع والخدمات التي یتم تنفیذھا عبر وسائل الاتصال الرقمیة، من خلال منصات مصممة خصیصا لإرسال واستقبال طلبات البیع والشراء إلكترونیاً مدعومة بآلیات للدفع الرقمي".

أما في التشريع الجزائري فقد عرفت المادة 6/1 من القانون 18-05 التجارة الالكترونية على أنها: "النشاط الذي يقوم بموجبه مورد إلكتروني بإقتراح أو ضمان توفير سلع و خدمات عن بعد للمستهلك الالكتروني، عن طريق الاتصالات الالكترونية "، وبذلك يتضح أن التجارة الالكترونية تمثل" البيئة الموازية للتجارة التقليدية" التي تتسم بالمرونة والسرعة وبارتباطها بشكل أساسي بوسائل التكنولوجيا الاتصالات الحديثة.

تجب الملاحظة إلى أن المشرع الجزائري لم يعرف العقود التجارية بل عرف العمل التجاري من خلال المواد 2، 3 و4 من القانون التجاري، لذا فإن التجارة الإلكترونية تتمثل في كل ممارسة لتلك الأعمال بواسطة الوسائل الإلكترونية.

وعليه، يمكن القول بأن التجارة الإلكترونية لا تختلف عن التجارة التقليدية من حيث مضمونها ومحترفيها، أما وجه الخصوصية فيها فيتمثل في الوسائل الالكترونية المستعملة في ممارستها، لاسيما من حيث إنعقادها وتنفيذها وكذا الوفاء بها وإثباتها.

الفرع الثاني: أطراف عقود التجارة الالكترونية

حدد المشرع الجزائري في القانون 18-05 أطراف المعاملات التجارية الإلكترونية ونظم إطارها القانوني والحماية اللازمة لها، تماشيا مع مستجدات تطور التكنولوجيا والمعلوماتية التي غيرت من طابع المعاملات التجارية الكلاسيكية، واستحدثت ما يسمى بالمعاملات التجارية الالكترونية، التي يتمثل أطرافها في المورد الالكتروني والمستهلك الالكتروني.

أولا: المورد الالكتروني

لتحديد المقصود بالمورد الالكتروني سيتم بداية تعريفه ثم تبيان شروط ممارسة التجارة الالكترونية في الجزائر.

1- تعريف المورد الالكتروني:

أورد المشرع في المادة 06/04 من القانون 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية تعريف للمورد الالكتروني على أنه: " كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم بتسويق أو اقتراح توفير السلع والخدمات عن طريق الاتصالات الإلكترونيةوهو بهذا المعنى يمثل الطرف الأول في المعاملات التجارية الالكترونية كمورد منتوجات أو مقدم الخدمة في البيئة الرقمية، والذي من الممكن أن يكون شخصا طبيعيا أو اعتباريا له موقع إلكتروني معتمد من طرف الجهات الرسمية المعنية و يعرض منتوجاته وخدماته عبر الوسائط الإلكترونية.

2- شروط ممارسة التجارة الالكترونية في الجزائر:

إن مشروعية ممارسة الشخص لنشاط التجارة الإلكترونية عن طريق الاتصالات الإلكترونية واكتسابه صفة المورد الإلكتروني، تستلزم توافر شروط قانونية موضوعية وأخرى شكلية، تتمثل في:

أ- الشروط الموضوعية لممارسة التجارة الإلكترونية:

حدد المشرع الجزائري بعض المنتوجات الممنوعة من التسويق والتعامل فيها عن طريق وسائل الاتصالات الالكترونية، وهذا حسب الفقرة 2 من المادة 3 وكذا المادة 05 من القانون 18-05 سابق الذكر، ويشمل هذا المنع كافة المنتجات والخدمات الواردة في الفقرة 2 من المادة 3 التي تنص على ما يلي: "غير أنه، تمنع كل معـامـلة عـن طريق الاتصالات الإلكترونية تتعلق بـما يأتي:

- لعب القمار والرهان واليانصيب،

- المشروبات الكحولية والتبغ،

- المنتجات الصيدلانية،

- المنتجات التي تمس بحقوق الملكية الفكرية أو الصناعية أو التجارية،

- كل سلعة أو خدمة محظورة بموجب التشريع المعمول به،

-  كل سلعة أو خدمة تستوجب إعداد عقد رسمي."

علاوة على ذلك، تمنع المادة 05 من القانون 18-05 سالف الذكر: "كل معاملة عن طريق الاتصـــالات الإلكترونية في العتاد والتجهيزات والمنتجات الحساسة المحددة عن طريق التنظيم المعمول به، وكذا كل المنتجات و/أو الخدمات الأخرى التي من شأنها المساس بمصالح الدفاع الوطني والنظام العام والأمن العمومي".

ب- الشروط الشكلية لممارسة التجارة الإلكترونية:

تنص المادة 08 من القانون رقم 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية على أنه: "يخضع نشاط لتجارة التسجيل في السجل التجاري أو في السجل الصناعات التقليدية حسب الحالة، ولنشر موقع إلكترونية أو صفحة إلكترونية على الانترنيت، مستضاف في الجزائر بامتداد "com-dz"

يجب أن يتوفر الموقع الإلكتروني للمورد الإلكتروني على وسائل تسمح بالتأكد من صحته.

كما تنص المادة 09 من ذات القانون على أنه: " تنشأ بطاقة وطنية للموردين الإلكترونيين لدى المركز الوطني للسجل التجاري، تضم الموردين الإلكترونيين المسجلين في السجلين السجل التجاري، أو السجل الصناعات التقليدية والحرفية.

لا يمكن ممارسة نشاط التجارة الإلكترونية إلابعد إيداع اسم النطاق لدى مصالح المركز الوطني للسجل التجاري.

تنشر البطاقة الوطنية للموردين الإلكترونيين عن طريق الاتصالات الإلكترونية وتكون في متناول المستهلك الإلكتروني".

يستخلص من مضمون المادتين 8 و9 من القانون 18-05 المتعلق بالتجارة الالكترونية، أنه لمزاولة نشاط التجارة الإلكترونية ينبغي توافر الشروط الشكلية التالية:

1-  التسجيل نشاط التجارة الإلكترونية في السجل التجاري أو في سجل الصناعات التقليدية أو الحرفية:

كل تاجر سواء طبيعي أو معنوي يرغب في ممارسة نشاط التجارة عن طريق الاتصال الإلكتروني، لابد عليه من تسجيل هذا النشاط في سجل تجاري، حتى تكون ممارسته لهذا النشاط مشروعة ونزيهة تمكنه من الاستفادة من الحماية القانونية.

كذلك كل حرفي سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا يرغب في ممارسة نشاط التجارة الإلكترونية، يجب عليه تسجيل هذا النشاط في سجل الصناعات التقليدية والحرفية حتى تكون ممارسته لهذا النشاط مشروعة ونزيهة وتكفل له الحماية القانونية.

2-  نشر نشاط التجارة الإلكترونية في موقع إلكتروني أو في صفحة إلكترونية للمورد مضاف إليها  com-dz

نص المشرع الجزائري على إجراء شكلي آخر لممارسة التجارة الإلكترونية، وهو ضرورة نشر هذا النشاط في موقع إلكتروني أو صفحة إلكترونية على الإنترنيت، مضاف إليه com-dz

وعليه، يشترط أن يكون للمورد الإلكتروني اسم نطاق خاص به، إذ يعتبر هذا الأخير بوابة الوصول إلى المواقع الإلكترونية التجارية، وقد عرف المشرع الجزائري اسم نطاق في قانون 18-05 بموجب المادة 06 في فقرتها الأخيرة منه، حيث جاء فيها " اسم النطاق: عبارة عن سلسلة أحرف و/ أو مقيسة ومسجلة لدى السجل الوطني لأسماء النطاق وتسمح بالتعرف والولوج إلى الموقع الإلكتروني."

والهيئة المختصة بتسجيل اسم النطاق على المستوى الوطني في الجزائر هو مركز أسماء النطاقات، الجزائر، وهو مصلحة تابعة لمركز البحث في الإعلام العلمي والتقني، بحيث تمنح الهيئة التابعة الحماية لاسم النطاق طبقا لمبدأ الأسبقية في التسجيل، أي لمن بادر وسبق غيره في التسجيل.

3-  توافر الموقع الالكتروني للمورد الإلكتروني على وسائل تسمح بالتأكد من جديته وصحته.

4-  إيداع إسم النطاق لدى المركز الوطني للسجل التجاري:

يجب على المورد الإلكتروني إيداع اسم نطاق نشاطه لدى مصالح المركز الوطني للسجل التجاري، حتى يمكن من مزاولة نشاط التجارة الإلكترونية.

وعليه، إذا تبين للمركز الوطني للسجل التجاري أن المورد الإلكتروني قد استوفى الشروط الموضوعية والتزم بالإجراءات الشكلية المطلوبة لممارسة التجارة الإلكترونية، فإن المركز يقوم بإدخال هذا المورد ضمن بطاقة وطنية خاصة بالموردين الإلكترونيين المسجلين في السجلين السجل التجاري، أو في السجل الصناعات التقليدية والحرفية، والغاية من ذلك إضفاء الطابع الشرعي لهذا النشاط.

لذلك كلف المركز الوطني للسجل التجاري بإنشاء بطاقية وطنية تضم كل الموردين الإلكترونيين الموجودين عبر التراب الوطني، مع ضرورة نشرها في البوابة الالكترونية للمركز عبر قاعدة بيانات لتكون في متناول المستهلك الإلكتروني.

ثانيا: المستهلك الإلكتروني

لتحديد المقصود بالمستهلك الالكتروني لابد من تعريفه ثم بيان مبررات حمايته في البيئة الإلكترونية.

1- تعريف المستهلك الالكتروني:

عرف المشرع الجزائري في الفقرة الثالثة من المادة السادسة من القانون 18-05 تعريفا للمستهلك الالكتروني على أنه:" كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني بعوض أو بصفة مجانية سلعة أو خدمة عن طريق الاتصالات الالكترونية من المورد الالكتروني بغرض الاستخدام النهائي".

يستخلص من هذا التعريف أنه يشترط لإكتساب صفة المستهلك توافر العناصر التالية:

1-     أن يكون الشخص طبيعي أو معنوي.

2-  أن يقتني بعوض أو مجانا: قد يكون المستهلك الذي قام بالاقتناء هو المستعمل المباشر لما اقتناه، كما قد يكون المستعمل من الغير كأفراد أسرة المقتني مثلا.

3-     أن يقتني سلعة أو خدمة عن طريق وسائل الاتصال الالكترونية.

4-   أن يتم الاقتناء بغرض الاستخدام النهائي: أي لهدف غير المهني بمعنى شخصي أو عائلي...إلخ، وذلك من أجل إشباع الحاجات الشخصية للمقتني أو حاجة من يتكفل بهم، ويعد هذا الهدف غير المهني هو المعيار الجوهري الذي يتم به التمييز بين المستهلك والمورد الالكتروني.

2- مبررات حماية المستهلك الالكتروني:

يقصد بحماية المستهلك الإلكتروني:" حفظ حقوق المستهلك وضمان حصوله عليها في تعاملاته التجارية الالكترونية "، وبالنظر لخصوصية المعاملات الإلكترونية يمكن إجمال أهم مبررات حماية هذا المستهلك فيما يلي: 

أ- التطور الحديث في شبكة الإنترنيت:

تعتبر العقود الإلكترونية وسيلة من الوسائل الحديثة للتجارة الإلكترونية والتي صاحب ظهورها التطورات التكنولوجية والتقنية، وكنتيجة لذلك أصبح المستهلك ضحية لهذه التقنيات المتطورة المستعملة في الدعاية والترويج وحتى التوزيع للسلع والخدمات، مع زيادة في حجم المخاطر والأضرار التي قد يتعرض لها المستهلكين جراء تعاملهم بهذه التقنيات المتطورة لاقتناء هذه المنتوجات الحديثة.

ب- حاجة المستهلك إلى الخدمات الإلكترونية:

بالنظر لأهمية العديد من السلع والخدمات الإلكترونية المتوفرة على شبكة الإنترنيت ذات الجودة وبأسعار معقولة بسبب كثرة المواقع الإلكترونية التجارية، الأمر الذي يساهم في زيادة المنافسة بين الموردين على تقديم الأفضل للمستهلك، بالإضافة إلى الخدمات المتميزة لعمليات ما بعد البيع، كل ذلك دفع بالمشرع للتدخل من أجل توفير حماية لهذا المستهلك في ظل تزايد إقبال المستهلكين على هذه السلع والخدمات.

ج- افتقار المستهلك للثقافة المعلوماتية التقنية إلى الخدمات الإلكترونية:

تؤدي عملية التسويق الالكتروني دوراً أساسياً في جذب المستهلكين و حثهم على اقتناء السلع و الخدمات المعروضة في السوق الرقمي عبر الوسائل الالكترونية المتنوعة، الأمر الذي جعل المستهلك في مواجهة أساليب جديدة تؤثر على إرادته وحرية اختياراته وما يصاحب ذلك من عدم إلمامه بحقوقه وكيفية حمايتها فيجد نفسه رهينة تلبية رغباته الاستهلاكية وحاجاته ومن جهة أخرى انعدام التنوير التقني والمعلوماتي وهذا ما دفع بالمشرع إلى إقرار حمايته في ظل خصوصية البيئة الافتراضية التي يمارس فيها هذه المعاملات.

Modifié le: vendredi 24 novembre 2023, 01:01