جودة الحياة_الجزء الأوّل
عريس نصر الدين مادة علم النفس الايجابي السنة اولى ماستر علم النفس العيادي
الدرس الثامن _جودة الحياة_الجزء الأوّل
1- تعريفات جودة الحياة:
من بين العلوم الّتي إهتمت بموضوع جودة الحياة، نجد علم النفس الّذي تبناه في مختلف تخصصاته النفسية النظرية منها و التطبيقية، وهذا ما جعل له جوانب متعددة و متفاعلة أدت إلى صعوبة في تحديد تعريف خاص بجودة الحياة.
لغة: أصلها من الفعل جاد، الجودة، جاد، جودة، أي صار جيّدًا وهو ضدّ الرديئ، و جوّد الشئ أي حسنه و جعله جيّدًا (البستاني، 98).
إصطلاحا: فالجودة هي إنعكاس للمستوى النفسي و نوعيته، و أنّ ما بلغه الإنسان اليوم من مقوّمات الرقي و التحضر، تعكس بلا شك مستوى معيّنًا من جودة الحياة، ويقصد بجودة الحياة بشكل عام: جودة خصائص الإنسان من حيث تكوينه الجسمي و النفسي و المعرفي و درجة توافقه مع ذاته ومع الآخرين و تكوينه الإجتماعي و الأخلاقي.
و توترت المفاهيم الّتي تضمّ جودة الحياة لتشمل عدّة مفاهيم متشابهة كالسعادة و الرضا و الحياة الجيّدة و الرضا الذاتي.(And lemn etal, 1999:106)
يشير(هارمان، Harman، 1996) إلى مفهوم ظهر في منتصف الستينات من القرن العشرين، ثمّ شاع إستخدامه في الدّراسات المختلفة كأحد المؤشرات الدلّة على الإهتمام برفاهية الفرد في كافة المجالات، وقد ظهر مفهوم جودة الحياة في الّذي تسعى إليه غالبية المجتمعات، بإعتباره وسيلة البداية كمفهوم مكمل لمفهوم الكم لتحسين ظروف الحياة و تحقيق الرفاهية، و تعددت إستخدامات مفهوم الجودة بصورة واسعة في السنوات الأخيرة في جميع المجالات، مثل جودة الحياة، وجودة المواد الخام، وجودة الحياة الزوجية، وجودة آخر العمر، وجودة التعليم، وجودة المستقبل.
يرى "كومنس" أنّ مفهوم جودة الحياة يشير إلى: "الصحّة الجيّدة أو السعادة أو تقدير الذات أو الرضا عن الحياة أو الحصة النفسية".
و يرى" ليتوين "أنّ:" جودة الحياة لا تقتصر على تدليل الصعاب و التصدي للعقبات و الأمور السلبية فقط، بل تتعدى إلى تنمية النواحي الإيجابية ".
ورى كل من" ليمان و جيناس" أنّ جودة الحياة تتمثل في: "الشعور بالرضا و الإحساس بالرفاهية و المتعة في ظلّ الظروف الّتي يحياها الفرد".
و يشار إلى أنّ مفهوم جودة الحياة جاء إمتدادًا للجهود السابقة في علوم أخرى غير علم النفس، حيث إنتظمت بدايات المعرفة لهذا المفهوم في علم الإقتصاد و علم الاجتماع و بالتالي فإنّ دراسة بداية المعرفة لهذا المفهوم من المنظور النفسي قد إكتسب أهميّة كبيرة نتيجة إدراك علماء الإقتصاد و الإجتماع و صانعي القرار السياسي، لحقيقة أنّ الحياة لا تقاس بالأرقام و الإحصائيات و إنّما هي في حقيقتها إستجابات و مشاعر. فالزيادة في معدّلات النمو الإقتصادي و إرتفاع متوسط دخل الفرد و تحسن مستوى ما يقدم له من خدمات و رفاهية لا يؤدي بالضرورة إلى إشباع حاجاته المتنوعة و إرضاء طموحاته الشخصية و كذلك تأكيد قيمة الإنسانية.(إبراهيم، 10:2005).
كما أشار "فرانك":" جودة الحياة بأنّها حسن إمكانية توظيف إمكانيات الإنسان العقلية و الإبداعية و إثراء وجدانه ليتسامى بعواطفه ومشاعره و قيمه الإنسانية، وتكون المحصلة هي جودة الحياة و جودة المجتمع، ويتمّ هذا من خلال الأسرة المدرسية، و الجامعة و بيئة العمل ومن خلال التركيز على ثلاث محاور هامّة هي التعليم، و التثقيف، والتدريب. وكذلك يعرّفها "فرانك" بأنّها إدراك الفرد للعديد من الخبرات و بالمفهوم الواسع شعور الفرد بالرضا مع وجود الضروريات في الحياة مثل: الغذاء و المسكن وما يصاحب هذا الإحساس من شعور بالإنجاز و السعادة.
وجودة الحياة بالمفهوم الضيق هو خلو الجسم من العاهات الجسمية".(Frank, 2000:24)
كما يرى مصطفى الشرقاوي جودة الحياة هي: "كل ما يفيد الفرد بتنمية طاقاته النفسية و العقلية ذاتيا و التدريب على كيفية حل المشكلات و إستخدام أساليب مواجهة المواقف الضاغطة و المبادرة بمساعدة الآخرين و الضحية من أجل رفاهية المجتمع.
و ينظر إلى جودة الحياة من خلال قدرة الفرد على إشباع حاجات الصحة النفسية مثل:
الحاجات البيولوجية و العلاقات الإجتماعية الإيجابية و الإستقرار الأسري و الرضا عن العمل و الإستقرار الإقتصادي و القدرة على مقاومة الضغوط الإجتماعية و الإقتصادية، و يؤكد أنّ شعور الفرد بالصحة النفسية من المؤشرات القويّة الدالّة على جودة الحياة. (مصطفى حسن، 15:2004).
ويرى (روف، Ruff): "أنّ جودة الحياة هي الإحساس الإيجابي بحسن الحال كما يرصد بالمؤشرات السلوكية التي تدلّ على إرتفاع مستويات رضا المرء عن ذاته و عن حياته بشكل عام وسعيه المتواصل لتحقيق أهداف شخصية مقدرة و ذات قيمة و معنى بالنسبة له، وإستقلاليته في تحديد وجهة و مسار حياته و إقامة لعلاقات إجتماعية إيجابية مع الآخرين، كما ترتبط جودة الحياة بكلّ من الإحساس العام بالسعادة و السكينة و الطمأنينة النفسية".
(Ryff et al, 2006:85).
و عرّف" روبن Rubin" جودة الحياة بأنّها: "الدمج و التكامل بين عدّة إتجاهات لدى الفرد من ناحية الصحة الجسمية و النفسية و الحياة الإجتماعية، متضمنة كلا من المكوّنات الإدراكية و الّذي يشمل الرضا و المكوّنات العاطفية و الّتي تشمل السعادة.
(Rubin, 2000:19).
ويرى (رينيه و آخرون Reine et al) أنّ جودة الحياة:" هي إحساس الأفراد بالسعادة و الرضا في ضوء ظروف الحياة الحالية، و أنّها تتأثر بأحداث الحياة و العلاجات و تغيّر حدّة الوجدان و المشاعر، و أنّ الإرتباط بين تقييم جودة الحياة الموضوعية و الذاتية يتأثران بإستبصار الفرد".(Reine, et al, 2003,297).
وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية (1998)(في: شيخي مريم 76:2014): "ينظر إلى جودة الحياة بوصفها إدراك الفرد لوضعه في الحياة في سياق الثقافة و أنساق القيم الّتي يعيش فيها، و مدى تطابق أو عدم تطابق ذلك مع أهدافه، توقعاته، قيمه، و إهتماماته المتعلقة بصحته البدنية، حالته النفسية، مستوى إستقلاليته، علاقاته الإجتماعية، إعتقاداته الشخصية و علاقته بالبيئة بصفة عامّة".
وحسب ما صرحت به شيخي مريم (2014) أنّه يلاحظ من التعريفات السابقة أنّه لا يوجد إتفاق بين الباحثين حول تعريف موحد لمفهوم جودة الحياة، إلاّ أنّه يمكن القول أنّه مفهوم واسع يمثل إشباع الحياة جزء مهمًا. و أنّ هذا المفهوم لا يوجد ضمن نظرية محددة ينطلق منها ممّا جعل العديد من الدّراسات تتناول جودة الحياة، و إكتفت بتحديد المؤشرات الدالة عليها، كما إكتفت دراسات أخرى بإعتبار المفهوم مؤشر المفاهيم الأخرى مثل: الصحة النفسية، إنّه نتاج التفاعل بين الحالة الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية الّتي تؤثر على الإنسان.
2- أبعاد جودة الحياة:
تتحدد أبعاد جودة الحياة في مؤشرين محددين هما:
البعد الذاتي والبعد الموضوعي:
إلاّ أنّ غالبية الباحثين ركزوا على المؤشرات الخاصّة بالبعد الموضوعي لجودة الحياة و يتضمن مجموعة من المؤشرات القابلة للملاحظة و القياس المباشر مثل أوضاع العمل، مستوى الدخل، المكانة الإجتماعية و الإقتصادية و حجم المساندة المتاح من شبكة العلاقات الإجتماعية.
ومع ذلك تظهر نتائج البحوث أنّ التركيز على المؤشرات لجودة الحياة إلاّ في جزء صغير من التباين في التقديرات الكلية لجودة الحياة، ومن هنا يتحدّد بعدين لجودة الحياة.
2-1: البعد الذاتي:
ويقصد بها مدى الرضا الشخصي بالحياة، وشعور الفرد بجودة الحياة، وشعور الشخص بالسعادة.
2-2: البعد الموضوعي:و تشمل
· الصحة البدنية.
· العلاقات الإجتماعية.
· الأنشطة المجتمعية.
· العمل.
· فلسفة الحياة.
· وقت الفراغ.
· مستوى المعيشة.
· العلاقات الأسرية.
· الصحّة النفسية.
· التعليم (العارف بالله الغندور، 27:1994).
3- نشأة و تطوّر مفهوم جودة الحياة:
الفكرة الأوّلية لجودة الحياة بدأ ظهورها في المنافسات التاريخية لفلاسفة اليونان (أرسطو، سقراط، بلاتو) حول طبيعة جودة الحياة و مواصفاتها، ورغم أنّ مبدأ مؤشرات جودة الحياة بدأ في الظهور من خلال تطوّر فكرة المؤشرات الإجتماعية خلال الشينات إلاّ أنّ لها جذور في وسائل القياس الإقتصادية خلال الترنين 18 و 19 و أوائل العشرين، هذه المؤشرات المبكرة وما حولها إنقسمت على نوعين من المؤشرات الكمية و المؤشرات النوعية. و تطوّرت دراسات جودة الحياة حيث كانت تركز على موضوع واحد، دون النظر إلى علاقته بعوامل أخرى، وقد رصدت الدّراسة حول موضوع جودة الحياة ثلاث جوانب هامّة هي:
الأوّل: بعد 1970 قلّ الإهتمام في المملكة المتحدة بدراسة جودة الحياة و البحث عن تعريفاتها ضمن المناطق الحضرية و الريفية على العكس من الدول الأخرى الّتي زاد فيها الإهتمام حول كيفية بحث و فهم هذه المواضيع.
الثاني: حضيت عالميًا جودة الحياة بشعبية في الأوساط الطبية، على الرغم من ذلك فإنّ المدخل المتبع كان يغفل عوامل كثيرة في الصحة.
و زيادة على ذلك، فإنّ أعضاء من منظمة الصحة العالمية (WHO) عام 1947 إقترحوا مفهومًا ضمنيًا لجودة الحياة، و توجه هذا المفهوم إلى الرعاية الصحية عندما تمّ تعريف الصحّة "حالة صحيّة جيّدة" تشمل الجوانب الفيزيولوجية و العقلية و الإجتماعية وفي سنة 1978 وسعت (WHO) هذا المصطلح لتبدأ الدراسات فيه
(Kinget Hinds, 1996:16)
4- مجالات جودة الحياة:
الجدول رقم (01): يوضّح مجالات جودة الحياة
الأبعـــــــاد الفرعيـــــــة |
الأمثلـــــــــــــــــة |
|
الكينونة (الوجــــــود) |
الوجـــــــود البـــــــدني |
أ- القدرة البدنية على التحرك و ممارسة الأنشطة الحركية. ب- أساليب التغذية و أنواع المأكولات المتاحة. |
الوجـــــود النفســـــي |
أ- التحرر من القلق و الضغوط. ب- الحالة المزاجية للفرد (إرتياح/عدم إرتياح). |
|
الوجــــود الـــــــروحي |
أ- وجود أمل في المستقبل (الإستبشار). ب- أفكار الفرد الذاتية عن الصواب و الخطأ. |
|
الإنتمــــــــــــــاء |
الإنتماء المكاني (البدني) |
أ- المنزل أو الشقة الّتي أعيش فيها. ب- نطاق الجيرة الّتي تحتوى الفرد. |
الإنتماءالإجتماعي |
أ- القرب من أعضاء الأسرة الّتي أعيش فيها. ب- وجود أشخاص مقرّبين أو أصدقاء (شبكة علاقات إجتماعية قويّة). |
|
الإنتماء المجتمعي |
أ- توافر فرص الحصول على الخدمات المهنية المتخصصة (طبية، إجتماعية...إلخ). ب- الأمان المالي. |
|
السيــــــــــــــرورة |
السيرورة العملية |
أ- القيام بأشياء حول منزلي. ب- العمل في وظيفة أو الذهاب إلى المدرسة. |
السيرورة الترفيهية |
أ- الأنشطة الترفيهية الخارجية (التنزه، الرياضة). ب- الأنشطة الترفيهية داخل المنزل (وسائل الإعلام و الترفيه). |
|
السيرورة التطوّرية (الإرتقائية) |
أ- تحسين الكفاءة البدنية و النفسية . ب- القدرة على التوافق مع تغيّرات و تحديات الحياة. |
(محمّد السعيد أبو حلاوة، 07:2010)
5- مؤشرات جودة الحياة: حسب ما ورد (في: شيخي مريم، 80:2014) تتمثل مؤشرات جودة الحياة في:
5-1: "المؤشرات النفسية: وتتبدى في شعور الفرد بالقلق و الإكتئاب أو التوافق مع المرض أو الشعور بالسعادة.
5-2: المؤشرات الإجتماعية: و تتضح من خلال العلاقات الشخصية و نوعيتها، فضلاً عن ممارسة الفرد للأنشطة الإجتماعية و الترفيهية.
5-3: المؤشرات المهنية: تتمثل بدرجة رضا الفرد على مهنته وحبه لها و القدرة على تنفيذ مهام وظيفته، وقدرته على التوافق مع واجبات عمله.
5-4: المؤشرات الجسمية و البدنية: و تتمثل في درجة رضا الفرد عن حالته الصحية و التعايش مع الآلام و النوم و الشهية في تناول الغذاء و القدرة الجنسية.
العاملين الأساسيين في جودة الحياة العامل الأوّل: العامل الثاني: القدرة على التوافق القيام بأنشطة إيجابية المواجهة مقدرة سلبي إيجابي
|
الشكل رقم (01): يوضّح العاملين الأساسيين في جودة الحياة
هنا تلعب الحياة و الخبرات المتباينة الّتي تتعرّض لها في كلّ مرحلة من مراحل حياتنا دورًا شديد الأهمية في واقع الأمر، في ثبات أو تغير رؤيتنا لجودة الحياة، وهذا على الرغم من أنّ لكلّ شخص توقعاته الكيفية الخاصّة.