الجلد النفسي-الجزء الثاني
عريس نصر الدين مادة علم النفس الايجابي السنة اولى ماستر علم النفس العيادي
الدرس السابع: الجلد النفسي-الجزء الثاني-
1- النظريات المفسّرة لمفهوم الجلد النفسي:
1-1: نظرية التحليل النفسي:
تقول (سمية لعمش، 17:2015): "في بدايات التحليل النفسي لم يستعمل مفهوم الجلد كما هو متعارف عليه حاليًا، ويمكن تصنيفه حسب دراسات" فرويد" مع ما يعرف بآليات الدفاع و الإرصان النفسي في حالة الصدمة. بينما يؤكد (ماركي، 2007) أنّ ما يمكن إعتباره مدعمًا للجلد يحمله الفرد في ذاته و بداخله، من إعتقاد و قناعات تدخلت في تكوين شخصيته، وهو السند في الأوقات الّتي يتعرّض لها للمحن و الصدمات فيلجأ إليها ليستمد منها قوّته و مخزونه المتراكم الّذي إكتسبه خلال مختلف مراحل حياته. كما يرى (ليخزولوو ديسيتشي، 2005) أنّ دور مدعم الجلد يتمثل في إعادة بناء الأنا الأعلى و الأنا المثالي للفرد بعد إصابتهما أثناء الحدث الصدمي مما يساعد على التماهي مع نماذج جديدة و أهداف جديدة، من خلال إستدخال عدد من القيم، ويرى (سالس، 2002) أنّه خلافًا للإذماج فالجلد هو تورط ديناميكية التناول للواقع، بناء هوامات، إمكانية الإعلاء و التفكير، فلا يتعلق الأمر بتحوّل، فالفرد لا يمحي ماضيه بل يتطوّر داخليًا و ذاتيا ضدّ ما حدث.
1-2: النظرية النفسية:
حسب (مربوح كريمة، 134:2022): "إنّ دراسة الجلد تكون من خلال التفاعل بين مختلف الأنساق (عائلة، أصدقاء...) و أنّ مظاهرها للجلد هي محاولة لتفسير العلاقة الوطيدة الموجودة بين مختلف المصادر المعرفية في وسط جماعي، ممّا يؤدي إلى الكشف عن الروابط في هذا الوسط، بحيث تركّز هذه النظرية عن الإيكولوجية الإجتماعية للجلد، عوض التمركز على الجلد الّذي يكون داخل منظور فردي لا جماعي بحيث يكون ذلك من خلال التفاعل بين مختلف الأنساق الّتي تحيط بالطفل، وذلك من خلال تحديد دور كلّ نسق في النمو و المحافظة على التكيّف بإعتبار العائلة مركز الحماية النفسية للفرد، و المحيط الإجتماعي يعطى القوّة للفرد و ذلك من أجل التكيّف مع المحن بإعتباره مآزر عن تطوّر الفرد من الأسوأ إلى الأحسن، وكذلك الثقافة و التي تتمثل في سياسة البلد المنتسب إليه و التي تعد جزء أساسي في التأثير عن الفرد".
كما تقول (العمش سمية، 18:2015):"أنّ منظور النظرية النفسية للجلد هي محاولة لتفسير العلاقة الوطيدة الموجودة بين مختلف المصادر المعرفية في وسط جماعي، ممّا يؤدي إلى الكشف عن الروابط في هذا الوسط مع الأخذ بعين الاعتبار الروابط الشخصية الخاصّة بالفرد مثل العلاقة بين الإنفعال و التفكير ".
1 -3: النظرية النفس إجتماعية:
مما ورد في (مربوح كريمة، 134:2011):" بإعتبار الفرد يعيش داخل الجماعة ولا يمكن أن يعيش في غنى عن العائلة و الجو الأسري، فالإنسان بطبعه إجتماعي لا يمكن دراسة الجلد لديه من منظور أو من جانب النموذج الأحادي، بل تتطلب دراسته من متعدد الأبعاد تفاعلي و تصالحي، ولا يمكن أن يتحقق هذا إلا من خلال مقاربة إيكولوجية نسقية، فمجرّد أنّ عوامل الحماية و الخطر تكون من جهة على عدّة مستويات (فردية، عائلية، إجتماعية...)، ومن جهة أخرى تفاعل يضمن نظرة كلية و تصالحية تساهم في تحسين فهمنا للجلد، وتفتج منظور هام للحماية و التدخل وهو المقاربة النسقية أو الإيكولوجية ".
1-4: المقاربة المعرفية السلوكية:
ورد في (سمية لعمش، 18:2011):" إنّ الأسس و المبادئ الأولى للجلد نشأت من النظرية المعرفية السلوكية مثل نظرية "بيك" (1976) و نظرية التعلّم الإجتماعي لـ "باندورا" (1977)كون هذه النظرية تعتمد أساسا على المزاج و السلوك المناسب الذي يتبناه الفرد معرفيًا لتفسير ما يحيط به و الحكم عليها. تؤكد هذه النظرية أنّ البناء المعرفي للفرد وفق البيئة الّتي يعيش فيها تعزز أو تعيق التكيّف في سياق معيّن. و إنطلاقا من هذا المنظور فإنّ الفرد تتأثر قدرة الجلد لديه حسب نظرته إلى الموقف الماثل أمامه بناءًا على ما إكتسبه من قبل الخبرات التاريخية و التعلم و المعتقدات السائدة في وسطه الإجتماعي.
كما أوضحت هذه المقاربة أنّ الأطفال الذين لديهم قدرة جلد عالية يبدون قدرة كبيرة في فهم و تحليل المواقف الصعبة، كما يتمتعون بخاصيتي إنتباه و تركيز جيدتين من نتائج ذلك إعادة البناء المعرفي للمعلومات المكتسبة، بفضل إتباع إستراتيجية تغيير في فهم حدث الصدمة وما ترتب عنه. حيث الأحداث المؤلمة يتمّ تقييمها و تقبلها تدريجياً حتى يتسنى لهم إدراك معاني المشكلة الّتى حدثت لهم في الماضى. بينما الأطفال اللذين لا يظهرون قدرة جلد، يرى كل من "ترومبلاي زهبارت" (1999) أنّ سلوك التجنّب هو إستراتيجية تزيد من حدّة الأعراض النفسية لديهم، و أنّ الأطفال الّذين بعتمدون إستراتيجية التجنّب يتميّزون بالسلوك العدواني و السلوك المنحرف".
2- مصادر بناء الجلد:
مما ورد في (أبو حلاوة، 31:2013) فإنّه: حسب رابطة علم النفس الأمريكية (APA) أنّه يمكن بناء و هيكلة الجلد عن طريق مجموعة من المحددات، و إقترحت بعض الطرق الّتي تساهم في ذلك، وهي بمثابة مصادر ذاتية تتمثل في:
ü الحفاظ على العلاقات مع أفراد العائلة و الأصدقاء.
ü تقبّل الظروف الّتي لا يمكن للشخص تغييرها.
ü تنمية الثقة بالنفس.
ü وضع أهداف واسعة لتحقيقها بطريقة إيجابية.
ü الحفاظ على روح التفاؤل و توقع الأفضل.
ü البحث عن فرص لإكتشاف الذات بعد التعرّض و مقاومة الصدمة.
ü الإبتعاد عن الإعتقادات الخاطئة التي تتمثل في عدم وجود حل للمشاكل.
ü إهتمام الفرد بحياته النفسية و الإنخراط في أنشطة ممتعة.
و حسب ما جاء في (غريسي علوي، 18:2019): "أنّ هناك مصادر أخرى يتكوّن منها الجلد و تساعد على تقويته و إتفقت معظم الدراسات على:
2-1: الأسرة:
الأسرة هي عبارة عن وحدة حية مكوّنة من مجموعة أفراد،" الزوج، الزوجة، الأطفال " تتفاعل مشاعرهم و تتحد أمزجتهم، و تنصهر إتجاهاتهم و تتفق مواقفهم، وتكون المودّة و السكينة و الرحمة هي المظلة الّتي يستظل بها الجميع. فالأسرة هي بمثابة الركيزة الأساسية التي من خلالها تتم تنمية قدرات الطفل و بناء و هيكلة الجلد و ذلك من خلال التربية الجيّدة و المنظمة و السماح للطفل بالمشاركة في الأنشطة الأسرية و تشجيعه على الأعمال الجيدة الّتي يقوم بها، فمعظم الأطفال الّذين يتميّزون بقدرة جلد مرتفعة نجد علاقاتهم مع باقي الأسرة قويّة و جيّدة، حتى أثناء تعرّض الأسرة لمواقف معينة تصدّع أو طلاق، فإنّ المساندة الأسرية و توفر الدعم منها ومن المجتمع يساعد الطفل على تخطى الأزمة و تعزيز القدرة على التكيّف مع مختلف المواقف.
2-2: المجتمع:
المجتمع دورًا كبيرًا في بلورة الجلد لدى الفرد، حيث يرى "بينارد" 1991 أنّ هناك ثلاث خصائص تتميز بها المجتمعات المحلية وهي:
Ø وجود المنظمات الإجتماعية الّتي توفر موارد متنوعة الأفراد.
Ø إحترام و ثبات المعايير الإجتماعية، بحيث أنّ جميع الأفراد المجتمع يتقيّدون بالسلوك المرغوب فيه.
Ø منح الفرص الأطفال و الشباب المشاركة في المجتمع كأعضاء فاعلين ما يعزز لديهم الجانب الذاتي.
Ø إنّ الفرد الّذي يتمتع بمساندة إجتماعية في طفولته قادر على تقديم المساعدة الآخرين، وكذا قدرته على مواجهة مختلف مصاعب الحياة في المستقبل. كما أنّ الفرد الذي يحضى بمساندة من مجتمعه يحس بالإستقرار و الطمأنينة ما يخلق لديه قدرة على مواجهة المشقة.
2-3: المدرسة:
تشكل المدرسة مصدرًا مهما للطفل و لنمو قدراته العقلية و المعرفية و الذهنية، كما قد تشكل مجالا خصبا لنشوء مختلف الإضطرابات النفسية إذا كانت المدرسة لا تؤدّي دورها بأكمل وجه، و عليه فإنّ الأطفال الذين تكونوا تكوينًا جيّدا في المدرسة و أخذو نصيبهم من الدّراسة و اللعب و الإنتماء يتميزون بقدرة جلد عالية، ولقد رأى "بينارد" 1991 أنّ الأطفال الذين لديهم توقعات عالية حول مواجهة المصاعب، ولديهم معنى للحياة مع ثقة عالية بالنفس إكتسبوا مهارات حل المشاكل.
2-4: المعتقد الديني:
إنّ المعتقد الديني هو عبارة عن مجموعة القيم و المعايير الأسرية و الإجتماعية الّتي يتقاسمها أفراد الجماعة في مجتمع ما و يشاركون من خلالها المراسيم و الأعياد و التقاليد و الأعراف وهو ما يجعل أفراد المجتمع أو الأسرة على إتصال ببعضهم البعض، وكذا ما من شأنه أن يخلق جانب المساندة لتجاوز المحن و الظروف الصعبة وما يقوى في الفرد الجانب العلائقي و الذي يعد أمرًا مهما في بناء الجلد و تعزيزه".
3- ديناميكية الجلد:
أو ما تسمى بعوامل الحماية المهيئة للجلد النفسي، إذ تطلق على مميزات الأشخاص بينات أو أحداث التي تخفض تنبؤات إضطرابات نفسية مؤسسة على قاعدة فردية في خطر، يمنح مقاومة عوامل الخطورة. ولقد إقترح "Masten et Garmez" 1991 تجميعها ضمن ثلاث محاور:
- عوامل حماية فردية:
طبع مرح حنون هادئ، الجنس الأنثوي في الطفولة و الجنس الذكري في المراهقة، معامل ذكاء عال مع مستوى جيّد من المهارات المعرفية، الشعور بالفعالية الذاتية، مهارات إجتماعية، الشعور بالتقبّل، مكان تحكم داخلي، حس فكاهي.
- عوامل حماية عائلية:
آباء راعون و عطوفون، علاقات جيّدة آباء، أبناء، توافق و إنسجام الوالدين.
- عوامل خارج عائلية:
شبكة دعم إجتماعي، تجارب نجاح (دراسة، مهنة...).(خليفه، بدون سنة).
4- خصائص الأفراد ذوى المستوى العالي من الجلد:
حسب روتر Rutter:
ü الكفاءة الذاتية و الثقة بالنفس.
ü مساندة الآخرين.
ü الحس الفكاهي.
ü التحكم في الإنفعالات السلبية.
ü القدرة على الإستفادة من النجاحات السابقة في تجاوز الضغوط و مواجهتها.
ü التوجيه نحو الأفعال.
حسب "ليون Lyons:
ü الصبى.
ü تحمل التأثيرات السلبية للمشاكل و صدمات الحياة.
حسب" ديفيدسون Dividson"
ü التفاؤل (النظرة الإيجابية).
ü الإعتقاد الديني (الإيمان).(غريسى علوي، 22:2020).