الدرس السادس: الجلد النفسي-الجزء الأوّل-
عريس نصر الدين مادة علم النفس الايجابي السنة اولى ماستر علم النفس العيادي
الدرس السادس: الجلد النفسي-الجزء الأوّل-
1- نشأة و تطوّر مفهوم الجلد النفسي:
حسب ما ورد في دراسة (سمية لعمش، 2015) الجلد النفسي هي كلمة لاتينية، إستعملت بالإنجليزية من طرف "Bacon Froncis" في كتابه Sylva Sulvarum سنة 1989. كما أستعمل هذا المصطلح بالفرنسية سنة 1952 من طرف André Marois لأوّل مرّة.
معنى الكلمة هوالأرتداد، الإستقامة و الّذي يمكن إستخدامه في ميادين مختلفة، و قد تمّ إستعارة كلمة الجلد النفسي من علم الفزياء للتعبير عن خاصية من خصائص بعض المعادن، و تدلّ على مقاومتها للصدمة، ثمّ إنتشر إستعماله و تزايد الإهتمام بموضوع الجلد بعد ذلك.
كما ساهمت الدّراسات حول الضغوط النفسية و طرق التكيّف للحفاظ على اللياقة النفسية في تأسيس العديد من المفاهيم الّتي تشترك مع مفهوم الجلد، من بينها الحصانة، التأهيل، القدرة على الفعل، المواجهة أو المقاومة، إضافة إلى مفاهيم أخرى، مثل التكيّف و الفعالية الذاتية إلى غير ذلك من المصطلحات النفسية، و يعتبر العديد من الباحثين أنّ التعرّض الضغوط النفسية شرط ضروري لظهور قدرة الجلد كنتيجة لإرصان مجموعة عوامل الخطر الّتي يحتويها السياق الصدمي. كما تناولت أغلب نظريات علم النفس موضوع الجلد في علاقة لا يمكن فصلها عن الضغوط النفسية و الإضطرابات المصاحبة لها.
2- تعريف الجلد النفسي:
يعرّف الجلد النفسي حسب "Master ماستن" (في: مصطفى حجازي، 225:2012) فإنّ كلمة الجلد في اللغة الانجليزية تعنى: "إمتصاص الضغوط و الإنحناء لها و العودة من ثمّ إلى الوضع الطبيعي السابق مثل إنحناء نبتة الخيزران أمام ضغط الريح الشديد، و العودة ثانية إلى الإنتصاب بعد زوال الضغط، أو تمدد قطعة مطاط بتأثير من الشدة و العودة إلى حالتها الطبيعية، أو القدرة على التكيف وصولا لإمتصاص الصدمة، و العودة إلى حالتها الطبيعية".
و يعرّفه الإتحاد الدولي للهلال الأحمر (10:2012) على أنّه:
" قدرة الأفراد أو المنظمات أو البلدان المعرضة للكوارث أو الأزمات و مواطن الضعف الكامنة المرتبطة على توقع تأثيرات الشدائد و تخفيف وطأتها و مواكبتها دون الإضرار بفرص الإزدهار في الأجل الطويل ".
حسب (رزوق، 278:1979) الجلد النفسي هو:" خاصية في الفرد تساعده على التكيّف و التلاؤم، وهو ميزة تشير إلى الإنفتاح على صعيد القدرات و الإستعداد من جانب الفرد لتطويعها و ملاءمتها الظروف المستجدة".
أمّا حسب ما ورد في (الأحمدي، 3،2007) الجلد النفسي هو: "الإستجابة الإنفعالية و العقلية الّتي تمكن الإنسان من التكيف الإيجابي مع مواقف الحياة المختلفة، سواء كان هذا التكيّف بالتوسط أو القابلية للتغيير أو الأخد بأيسر الحلول".
و يعرّف Cutuli and Masten 2009الجلد النفسي (في: عماد الدين فرج، 16:2016) بأنّه:" عملية تشتمل على العديد من الأنظمة بدءًا من الأفراد إلى المجتمعات، فأحيانًا ما يشار إلى فرد بأنّه لديه قدرة أقل أو أعلى من الجلد النفسي بأنّه سمة فردية. ففي حياة أي شخص يتشكل الجلد النفسي من مصادر و عمليات متعددة تشكل مسار الحياة الإيجابية ومن ثمّ فالعديد من سمات الفرد و العلاقات و مصادر القوى الأخرى يتمّ تضمينها في هذه العمليات".
كما عرّفه (جار الله سليمان. 24:2014) على أنّه: "القدرة المعرفية السلوكية الّتي يوظفها الفرد للحفاظ على لياقته النفسية بعد التعرّض لضغوط نفسية بالتفاعل إيجابيًا مع عواقبها".
و يعرّف" أنوت Anout" الجلد النفسي (في: سمية لعمش، 16:2015) بأنّه: "فن الإندماج للأوضاع الصعبة (شروط بيولوجية و إجتماعية نفسية) بتطوير قدرات مرتبطة بمنابع داخلية (ضمن نفسية) و إجتماعية (محيط إجتماعي و عاطفي)، يسمح بجمع البناء النفسي المناسب و الإندماج الإجتماعي".
3- بعض المفاهيم الّتي لها علاقة بالجلد النفسي:
حسب ما جاء به (فاطمة بن خليفة، 20:2021) تقول:" في أدبيات البحث النفسي نجد أن مفهوم (الجلد) مرادف لمفهوم (المرونة النفسية) وفي بعض الكتابات هو مرادف للصحة النفسية ".
- المرونة النفسية:
يعرّفها (أبو حلاوة، 2013) بأنّها تشير في علم النفس إلى فكرة ميل الفرد للثبات و الحفاظ على هدوءه و إتزانه الذاتي عند التعرّض لضغوط أو مواقف عصبية فضلا عن قدرته على التوافق الفعّال و المواجهة الإيجابية لهذه الضغوط و تلك المواقف الصادمة.(عائشة عبيد الله، 142:2022).
و عرّفتها جمعية علم النفس الأمريكية بأنّها: عملية التوافق الجيّد و المواجهة الإيجابية للشدائد، والصدمات النفسية، و النكبات، أو الضغوط النفسية العادية الّتي يواجهها البشر كالمشكلات الأسرية و مشكلات العلاقات مع الآخرين، المشكلات الصحية الخطيرة، و ضغوط العمل و المشكلات المالية.(APA. 2014).
وقد برز مفهوم المرونة النفسية مع ظهور علم النفس الإيجابي الذي إنصب إهتمامه على دراسة و تنمية القوى الشخصية و القدرات و السمات الإيجابية، وذلك عبر تعزيز و تفعيل إدراك الفرد لنقاط القوّة لديه بدلا من التركيز فقط على جوانب القصور و العوامل السلبية (عائشة عبيد الله، 143:2022).
-الصلابة النفسية:
حسب ما ورد في (زينب نوفل راضي، 21:2008) فقد عرّفت الصلابة النفسية من طرف فنك 1992 بأنّها: "خصلة عامّة في الشخصية تعمل على تكوينها و تنميتها الخبرات البيئية المتنوعة، المحيطة بالفرد منذ الصغر.
كما تعرّفها لؤلؤ حمادة و حسن عبد اللطيف 2002: بأنّها المقاومة و الصلابة ذات الطبيعة النفسية، وهي خصال فرعية تضمّ الإلتزام، التحكم، التحدي)، يراها على أنّها خصال مهمة له في التصدي للمواقف الصعبة أو المثيرة للمشقة النفسية وفي التعايش معها بنجاح.
وقد عرّف كوباسا Kobassa الصلابة النفسية بأنّها مجموعة من السمات تتمثل في إعتقاد أو إتجاه عام لدى الفرد في فاعليته و قدرته على إستغلال كل المصادر النفسية و البيئية المتاحة كي يدرك بفاعلية أحداث الحياة الضاغطة الشاقة إدراك غير محرّف أو مشوه، و يفسّرها بواقعية و موضوعية و منطقية و يتعايش معها على نحو إيجابي، و تتضمن ثلاث أبعاد وهي الإلتزام، التحكم التحدي".
- المناعة النفسية:
عرفها مرسي 1998 (في: شادية، 18:2014) بأنّها: "قدرة الفرد على مواجهة الأزمات و الكروب و تحمل الصعوبات و المصائب، و مقاومة ما ينتج عليها من أفكار و مشاعر غضب و سخط و عداوة و إنتقام و يأس و عجز و إنهزامية، ويمكن للمناعة النفسية أن تساعد في تنشيط و تفعيل أجهزة المناعة الجسدية".
و تنقسم المناعة النفسية حسب ما ورد في فاطمة بن خليفة 2021 إلى ثلاث ىأنواع وهي:
- مناعة نفسيّة طبيعية:
وهي موجودة في طبيعة التكوين النفسي للإنسان الذي ينمو في إطار التفاعل بين الوراثة و البيئة، مما يعنى أنّ الفرد الّذي يتمتع بتكوين نفسي سليم، يتمتع في نفس الوقت بمناعة نفسية طبيعية عالية تمنحه القدرة على التحمّل و المواجهة و ضبط النفس.
- مناعة نفسيّة مكتسبة طبيعيًا:
وهي مناعة ضدّ الضغوطو التأزم يكتسبها الفرد عنطريقالتعلّم و من خلالالخبراتو المهارات الّتي يكتسبها من خلال تعامله و مواجهته لصعوبات و ضغوط سابقة.
- مناعة نفسيّة مكتسبة صناعيًا:
وهي مناعة مكتسبة فاعلة تقوم على وضع الفرد بشكل عمدي في مواقف أولية تستفز قدراته على التحدي و المواجهة.
- التكيّف:
تتحدث عنه (سمية لعمش، 21:2015) على أنّ:
“الشخص المرن يستجيب للبيئة الجديدة، إستجابة ملائمة تحقق التكيّف بينه و بين البيئة الجديدة، ومعنى ذلك أنّ توافق الفرد يكون أسهل كلّما كان الفرد مرنًا و العكس صحيح. فكلّما قلت مرونة الفرد قلت قدرته على التكيّف في محيط ظروفه و بيئته الجديدة. وهناك نوعان من المرونة: المرونة القويّة الّتي يتكيف فيها الشخص مع البيئة الجديدة دون أن يغير من طبيعته و شخصيته الأصلية، و هناك المرونة الضعيفة الّتي يتقبل فيها الفرد قيم البيئة الجديدة و مثلها تقبلا يؤدي به إلى أن ينكر شخصيته الأصلية، وتكون نتيجة ذلك عدم توافق الفرد إذا ما ترك هذه البيئة الجديدة و عاد إلى بيئته القديمة، ومثل هذه المرونة لا تحقق التكيّف، بل تؤدّي على العكس من ذلك إلى إختلاله، وهذا ما أكدت عليه تصوّرات بياجيه في التكيّف و التمثيل و الموائمة مع المواقف الحياتية، حيث أنّ الإنسان يعتبر أقوى إدارة كلّما كان أكثر قدرة على التواؤم مع متغيرات بيئته. فالتكيّف الحقيقي هو ذلك التكيّف الّذي يسمح له بالنجاح في الموقف و الّذي يحقق ضمانًا أكبر لإستمرار الوجود، بل و لإحراز التقدّم في الحياة. و إذا أراد الفرد التكيّف مع الحياة يجب عليه أن يتعلّم سبل التعرّف على مشكلاته، و الإلمام بجوانب المشكلة و معرفة سبل مواجهتها، وكيفية إختيار الأسلوب الأمثل لحلّها، وإكتساب المهارات اللازمة للتعامل مع المشكلات كالمرونة و القابلية للتغيير، و مواجهة ما هو غير متوقع ومن أهمّ عوامل التكيّف السوي، هو أن يكون الفرد على درجة من الجلد النفسي وهو قدرة الفرد على التصرّف في المواقف الجديدة، في حين أنّ التصلب و الجمود على أنواع محددة من السلوك تجعل الفرد غير قادر على التكيّف في المواقف المستجدة فيجب أن يكون على درجة من المرونة في السلوك تساعده على فهم الواقع الجديد و محاولة التكيّف معه و تحقيق أهدافه و مطامعه و إشباع حاجاته وفق شروط البيئة الّتي يعيش فيها، لأنّ عملية التكيّف السوي هي إقامة علاقات ناجحة مع البيئة فالتكيّف نشاط يبذله الشخص، لإزالة ما قد يحدث من توتر، والمحافظة على حالة الإطمئنان النفسي و الإسترخاء البدني، فالإنسان مجهز بنظام يسعى دومًا إلى المحافظة على التوازن الداخلي و الخارجي، و التكيّف الفعّال هو الّذي يخفف من حدّة التوتر ولا يتناقص مع الأهداف الّتي تسعى إليها، ولا يعاكس أو يعطّل مساعي الأشخاص الآخرين.
- الصحة النفسية:
يعرّفها (سعيد بحير، 18:2005) بأنّها: "حالة من التوافق النفسي الداخلي يشمل الجوانب الإنفعالية و العقلية و الإجتماعية و المعرفية، و يتميز هذا الشعور بقدرة الفرد على التكيّف السليم مع بيئته الإجتماعية و تمكنه من إستغلال إمكانياته الشخصية و المعرفية في مواجهة مطالب الحياة و إشباع حاجاته الأساسية و تحقيق أهدافه".
- تقدير الذات:
يعرّفه" كوبر سميث" (في: عبد الله، 243:2010) بأنّه: "تقييم يضعه الفرد لنفسه و بنفسه، و يعمل على الحفاظ عليه، ويتضمن هذا التقييم إتجاهات الفرد الإيجابية و السلبية نحو ذاته. وهو مجموعة الإتجاهات و المعتقدات الّتي يستدعيها الفرد عندما يواجه العالم المحيط به، وذلك فيما يتعلق بتوقعات الفشل و النجاح و القبول و قوّة الشخصية".
- الإتزان الإنفعالي:
حسب ما جاء في (فاطمة بن خليفة، 30:2021) الإتزان الإنفعالي بتمثل في" القدرة على السيطرة على الإنفعالات المختلفة مع مرونة في التعامل مع الأحداث الجارية المسببة لهذه الإنفعالات، بحيث تكون الإستجابة متوافقة مع طبيعة الموقف، بعيدًا عن التطرّف و الإندفاع، وعليه يشير الإتزان الإنفعالي إلى حالة من التروي و المرونة إتجاه المواقف الإنفعالية المختلفة ".
إذن ومن خلال ما سبق عرضه من مفاهيم مختلفة يتضح لنا جليًا مدى إرتباطها و كونها عناصر مهمّة للجلد النفسي، بحث أنّه لا يمكن أن يكون هناك جلد نفسي بدون مرونة نفسيّة أو صلابة و مناعة نفسيّة، وبدون إتزان إنفعالي و صحة نفسيّة سليمة و تقدير ذات مقبول.