الأستاذ: عريس نصرالدين          مادة علم النفس الايجابي                   السنة اولى ماستر عيادي

ماهية علم النفس الإيجابي

 1. تعريف علم النفس الإيجابي:

مصطلح علم النفس الإيجابي: "من المصطلحات الّتي صاغها"مارتن سليجمان" و يمثل حركة في علم النفس، تهتمّ بكلّ ما هو إيجابي في شخصية البشر أكثر مما هو سلبي، ليخلص علم النفس من تركيزه الشديد على الجوانب السلبية للخبرة الإنسانية، كالقلق، الاكتئاب والضغوط، وكل ما هو مدرج في الفئات المرضية في الدليل الإحصائي التشخيصي للجمعية الأمريكية للطب المفسي. ويحاول علم النفس الإيجابي إعادة التوازن لعلم النفس، وتشجيع علماء النفس على محاولة الإسهام في دراسة الأبعاد والجوانب الإيجابية للحياة، وليس الإهتمام فقط بالجوانب أو الأبعاد السلبية".(محمّد السعيد، 10:2014).

كما يعرّفه الصبوة محمود بأنه: "الدراسة العلمية ذات الطبيعة النظرية والتطبيقية للخبرات الإيجابية، وللخصال أو السمات الشخصية الفردية الإيجابية والمؤسسات النفسية والاجتماعية الّتي تعمل على تسيير، وتنمية هذه الخبرات والخصال والارتقاء بها لخلق إنسان ذي شخصية فعالة ومؤثرة، تهتمّ بالإضافة إلى ما هو كائن، بما ينبغى أن يكون".(الصبوة، 20،2008).

و تعرّفه نوال بوضياف نقلا عن ميهالي و هديت بأنّه:" الدراسة العلمية الموضوعية للظروف والعمليات الّتي تسهم في ازدهار ورفاهية الفرد والجماعات والمؤسسات، والّتي تمكنهم من الأداء الوظيفي الفعال أو المثالي".

كما أنه فرع من فروع علم النفس الحديث، يبحث في الجوانب الإيجابية الإنسانية وتفعيل دور السواء من أجل رقي الفرد وتقدّم المجتمع حتى يصل إلى الوجود الإنساني الأفضل.

يقول محمّد تيسير (2023) علم النفس الإيجابي هو: "دراسة الظروف والعمليات الّتي تساهم في الإزدهار أو الأداء الأمثل للأفراد و الجماعات و المؤسسات، يستخدم الفهم العلمي والتدخل الفعّال للمساعدة في تحقيق حياة مرضية، بدلاً من مجرّد علاج الأمراض العقلية".

وفي نفس السياق يقول محمّد تيسير (2023):" علم النفس الإيجابي يدرس ما يجعل الحياة تستحق العيش، وهو الدراسة العلمية لإزدهار الإنسان وهو نهج تطبيقي للأداء الأمثل. كما تمّ تعريفه على أنّه دراسة نقاط القوّة والفضائل الّتي تمكّن الأفراد والمجتمعات والمنظمات من الازدهار ".

و يعرّف شيلى وجوناثان (في: عبد المنعم، 92:2011) علم النفس الإيجابي بأنّه:" الدراسة العلمية الموضوعية للظروف والعمليات الّتي تسهم في ازدهار ورفاهية وتمكين الأفراد، ولجماعات والمؤسسات، من الأداء الوظيفي الفعال أو المثالي".

و يعرّف عطا الله و عبد الصمد (6:2013) علم النفس الإيجابي بأنّه: "الدراسة العلمية ذات الطبيعة التطبيقية للخبرات المثمرة والخصال الشخصية الإيجابية في الفرد والمؤسسات النفسية والاجتماعية الّتي تعمل على تنمية وتسيير هذه الخبرات والخصال والارتقاء بها لتكوين إنسان ذي شخصية إيجابية ومؤثرة لا تنظر إلى ما هو كائن بالفعل بل تسعى وتنظر إلى ما يعني أن يكون عليه الفرد مستقبلا، وهذه الدراسة العلمية معنية على المستوى الانفعالي والمعرفي بالخبرات الإيجابية في الماضي والحاضر والمستقبل مثل الرضا والسعادة والتفاؤل، وعلى المستوى الفردى هو معنى بالسمات الشخصية الإيجابية مثل الشجاعة والوفاء والحكمة، وعلى المستوى الجمعي هو معنى بالفضائل المدنية و المؤسسات الّتي تزيد من فعالية مشاركة الفرد كمواطن وعضو في المجتمع مثل الإيثار والمسؤولية".

كما يعرّفان علم النفس الإيجابي بأنّه: "الدراسة الموضوعية للخصال الإيجابية في الإنسان، وللمؤسسات النفسية والاجتماعية الّتي تعمل على ترقية هذه الخصال وتنميتها لإعداد شخصيات إيجابية".

إذن ومن خلال عرض مختلف التعريفات، نستخلص بأنّ الأب الروحي لعلم النفس الإيجابي هو العالم الأمريكي"مارتن سليغمان" وقد أتفق كّل رواد هذا العلم بأنّه استثمار لمختلف الخصال والسمات والخبرات الشخصية الإيجابية للقيام بالفرد ودعمه للتقدّم والعطاء والازدهار سواء من الجانب الشخصي أو الجانب الاجتماعي، كالمؤسسات النفسية والاجتماعية. كما تمّ الإشارة إلى أنّه دراسة للقوى والفضائل الإنسانية، فما هي هذه القوى و الفضائل؟

2.   تعريف القوى والفضائل:

تمثل سيكولوجيّة القوى و الفضائل الإنسانية و علم النفس الإيجابي إتحادًا جديدًا من مفاهيم و كلمات مفتاحية جديدة، أو مصطلحات حديثة نسبيًا. حيث أنّه و طوال تاريخ علم النفس التطبيقي، ومن خلال نماذج عديدة، كانت جوانب القوى تؤخذ في الإعتبار بوصفها قدرات أو كفاءات فمثلا في العلاج النفسي و علم النفس السلوكي و علم النفس الإنساني، تؤخذ القدرات و فعالية الذات و تحقيق الذات، على أنّها من القوى الإنسانية. فإذا كانت الإضطرابات النفسية كالقلق و الإكتئاب و الحزن و التشاؤم و غيرها، تمثل جوانب الضعف و العجز في السلوك الإنساني، فإنّ نقائصها وهي السعادة و التفاؤل و الأمل و التسامح و الرضا و حب الحياة و الثقة بالنفس و الإيمان و تقدير الذات و الصلابة النفسية و التحمّل و المثابرة و المهارات الإجتماعية و الموهبة و الإبداع و الذكاء الوجداني، وغيرها من الخصائص الإنسانية الإيجابية تمثل القوى و الفضائل الإنسانية.

وقد عرّفت القوى الإنسانية على أنّها حكمة حيث تعتبر هذه الأخيرة قدرة القدرات و أمّ الفضائل كلّها. كما عرفت أنّها ترتبط بخصائص الشخصية، ولذا تركز الإهتمام على سمات الشخصية الّتي ترتبط بطيب الحياة كالذكاء، و التفاؤل و السعادة. وهذا المدخل الخاص بدراسة السيمات له أهمية في تطوير القياس بما يسمح بدراسة السمات و إنتشارها و معدّلاتها و مدى تغيرها عبر الحياة نتيجة لعوامل النمو. إلاّ أنّ منحى دراسة السمات يكشف لنا عن وجه واحد فقط من القوى الإنسانية، ولا يأخذ في الإعتبار العمليات و الديناميات الكامنة وراء تلك القوى، ولا يركز على التفاعل بين السمة أو الإستعداد الشخصي و مواقف معينة.

ولتعريف القوى الإنسانية و تحديدها ينبغى إعتمادها على الموقف الذي تحدث فيه، فالمعروف سيكولوجيًا أنّ تعرّض الفرد لخبرة صعبة أو مهددة و تغلبه عليها، يدعم نموه الشخصيعلى المدى البعيد. وبينت نتائج البحوث في مجال النمو النفسي، وفي مجال تناذر ما بعد الصدمة أهمية الموقف، فهناك خصائص معينة في الموقف الواحد تساعد على نمو القوى الإنسانية، وخصائص أخرى في الموقف نفسه تعوّق نمو هذه القوى.(بشير معمرية، 2010).

ولمزيد من فهم القوى الإنسانية، ينبغى أن نعرف أنّ الخبرات الإيجابية و السلبية كلّ منها تعتمد على الأخرى، وتعمل كلّ منها مع الأخرى أو من خلال الأخرى، لذلك يدعو علم النفس الإيجابي إلى دراسة علمية للحالات الإيجابية كالبهجة و اللعب و الأمل و الحب، وكلّ ما هو إيجابي كالنجاح و التواؤم في الخبرات الإجتماعية. كما يدعو إلى دراسة الجوانب السلبية من الخبرات الإنسانية، بمعنى أنّ سيكولوجيّة القوى الإنسانية يجب أن لا يدرس فقط كيف يمكن تجنب أو تجاهل أو إستبعاد الخبرات السلبية، وإنّما كيف تترابط و تتداخل الخبرات الإيجابية و السلبية.

وقد بيّنت الدراسات الإرتقائية عبر الحياة عن نظام للعلاقة بين الإيجابي و السلبي في ديناميات النمو، فهناك دلائل تشير إلى أنّ النمو لا يحدث إلاّ من ضعف أو تدهور، وللتدهور لا يحدث إلاّ من نمو ما.

إنّ للقوى الإنسانية مفهوم متعدد المجالات، فقد يرى معظم النّاس أنّ مفهومه يشير إلى أساليب الإنسان للتغلب على العقبات، أو الإنتصار على المعوّقات الّتي تنبط الهمم، أو الخروج بنجاح من المحن الضاغطة. إنّ القوى الإنسانية هي الصمود في مواجهة الضغوط و الصعوبات و مفاجآت الحياة، إنّ القوى الإنسانية هي المرونة الّتي تسمح للإنسان بالإنحناء دون أن ينكسر أمام رياح الحياة العاتية، وهي كذلك القدرة على الإحتفاظ بالتوازن و البقاء على سطح رمال الصحراء المتحركة، أو أمواج البحر المدمرة.

إنّ القوى الإنسانية، تتضمن القدرة على المتابرة و التغلب بصورة حاسمة، ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالقوّة ليست فقط في الإنتصار، ولكنها جزئيا فيما يحدث حين تغلب أو ننهزم، وما يترتب على الإنهزام، فالقوة جزئيا في القدرة على المثابرة و جزئيا في القدرة على الإنسحاب أو الإستسلام، حين يكون هدف ما فعلا غير قابل للتحقيق، أولا يستحق الجهد الذي يبذل من أجله. القوّة أيضًا تكمن في التغيرات الّتي تحدث بداخلنا، إنّ القوّة تكمن في عمليات النمو النفسي. وتظهر القوى الإنسانية في قدرة الإنسان على إستعادة قوّته عند مواجهة الضغوط و الصعاب، أو في قدرته على وضع خطة و إعلانها في عالم يتصف بالمعارضة أو اللامبالاة. هي القدرة على إعادة تنظيم المقوّمات الخارجية لتشكل نظامًا جديدًا يتفق مع رغبات الفرد، إنّ القوى الإنسانية تتجلى في السيطرة و النجاح.(بشير معمرية، 2010).


Last modified: Monday, 30 October 2023, 8:53 PM