تمهيد:

الاقتصاد الكي الكلاسيكي هو تمثيل نظري لطريقة عمل الاقتصاديات الحديثة، و المعتمدة على أعمال النظرية الكلاسيكية، مثل آدم سميث و جون باتيست ساي و دافيد ريكاردو،  بالإضافة إلى المدرسة النيوكلاسيكية ممثلة في  ألفرد مارشال و أرثور سيسيل بيغو.

النموذج الكلاسيكي لهذا الفصل لم يتم بناءه لا من طرف الكلاسيك و لا من طرف النيوكلاسيك، بل هو نتيجة أعمال الاقتصاديين المحدثين ليبينوا طريقة عمل الاقتصاد الكلي من وجهة نظر كلاسيكية و النتائج التي يمكن الوصول إليها من خلال وجهة النظر هذه.

              I.     أسس الاقتصاد الكلي الكلاسيكي:

الاقتصاد الكي الكلاسيكي يقوم على مفهوم عام للاقتصاد حيث يلعب السوق دور أساسي، و ذلك عن طري أداتين متلازمتين هما قانون ساي للمنافذ لصاحبه ساي و النظرية الكمية للنقود.

أ- دور السوق:

يدرس الكلاسيك الاقتصاديات الحديثة كاقتصاديات تبادل أين يتخذ الوكلاء الاقتصاديون قراراتهم في الاسواق، و هو المكان الذي يلتقي فيه العرض مع الطلب، و الأسواق تمكننا تساوي الكميات المعروضة مع المطلوبة بفضل مرونة الأسعار.

1- السوق يحقق التوازن بين العرض و الطلب:

في الأسواق تلتقي العروض و الطلبات حول: العمل، السلع و الخدمات، السندات و النقود، بصفة عامة العرض دالة موجبة في السعر بينما الطلب دالة سالبة في السعر.

الأسواق لا تحقق التوازن إلا إذا كانت الأسعار مرنة و شروط المنافسة الكاملة مضمونة:

-          ليس لأي وكيل اقتصادي الحجم الذي يؤثر به على السوق.

-          كل وكيل اقتصادي له المعلومات التامة حول السوق.

-          تجانس عناصر الانتاج و السلع.

-          يمكن لعناصر الانتاج الحركة من سوق لأخر.

2- السوق يمكننا من الوصول إلى الوضعية المثلى:

الأسواق لا تضمن فقط التوازن بل تمكننا من الوصول إلى الوضعية المثلى لجميع الوكلاء الاقتصاديين، و ذلك نظرا لقدرة السوق على التكيف الآني و التنسيق الأمثل لقرارات الوكلاء، و هذا الأمر يتبلور في فكرة آدم سميث حول "اليد الخفية" للسوق، حيث في إطار سعي كل طرف لخدمة مصلحته الخاصة يؤدي ذلك في الأخير لخدمة مصلحة الجميع. و فيما بعد برهن فيلفريدو باريتو أن السوق يمكننا من الوصول إلى الوضع "الأمثل لباريتو".

و الوكلاء يمارسون اختياراتهم تحت قيود فنية و موازناتية لغرض تحقيق أقصى ربح بالنسبة للمنتج و أقصى منفعة بالنسبة للمستهلك، ودون تعرضهم للخداع النقدي حيث يتخذون قراراتهم في ظل الأسعار الحقيقية، كالأجر الحقيق و سعر الفائدة الحقيقي و لا يتأثرون بالقيم النقدية كالأجر الاسمي و سعر الفائدة الاسمي، و عليه تكون قراراتهم مثلى.

يقوم الفكر الكلاسيكي للاقتصاد أن المنطلق يكون من تحليل مختلف الأسواق و كذا القرارات المتخذة من طرف الوكلاء على مستوى هذه الأسواق، حتى يمكن تحديد المتغيرات الاقتصادية الكلية، مثل الانتاج، الاستهلاك، الاستثمار و البطالة، و الاقتصاد الكلي ما هو إلا توسع للاقتصاد الجزئي أو نتيجة عملية التجميع لمختلف القرارات الخاصة بالوكلاء.

ب- قانون المنافذ و النظرية الكمية للنقود:

منطق الاقتصاد الكلي الكلاسيكي يقوم على دعامتين متلازمتين، هما:

1- قانون المنافذ لـ ساي:

بالنسبة لــ جون باتيست ساي فإن "العرض يخلق الطلب الخاص به"، و هو ما يعني أن أزمات الانتاج الفائض أو قلة الانتاج غير ممكنة الحدوث، و التساوي بين العرض الكلي و الطلب الكلي يفسر بتوجيه كل الادخار لتمويل الاستثمار و تحت فرضية مرونة الأسعار، فالعرض الكلي يعطينا دخل كلي يوزع بين الاستهلاك و الادخار.

أما الطلب الكلي فلا يمكنه أن يساوي العرض الكلي إذا لم يتساوي الادخار مع الاستثمار، حيث لا يجب أن يوجه الادخار نحو الاكتناز.

التساوي بين العرض الكلي و الطلب الكلي لا يعني غياب عدم التوازن على مستوى القطاعات الاقتصادية، حيث يمكن أن يكون إنتاج بعض السلع فيه فائض أو عجز بالمقارنة بالطلب، لكن عدم التوازن يتم امتصاصه بفضل مرونة الأسعار النسبية لسلع بالمقارنة بسلع أخرى.

و عليه فارتفاع (انخفاض) الانتاج بالمقارنة بالطلب يتم امتصاصه بانخفاض (ارتفاع) الأسعار فيعود التوازن، و عليه فالمنتجون يثقون في السوق لتصريف منتجاتهم، و بالتالي ليس هناك عدم تأكد من المستقبل.

2- النظرية الكمية للنقود:

توضح هذه النظرية العلاقة السببية بين عرض النقود و المستوى العام للأسعار، و تعود جذور النظرية للاقتصادي الفرنسي جون بودن في أواخر القرن السادس عشر، و تم استعمالها من طرف الكلاسيك و النيوكلاسيك، و مفادها أن كمية النقود المتداولة جداء سرعة تداول النقود (عدد مرات استعمال عملة واحدة لإتمام المعاملات خلال فترة زمنية) تساوي المستوى العام للأسعار جداء حجم الصفقات أو الانتاج.

و إذا كان عرض النقود ثابت (يتحدد من طرف السلطات النقدية) و سرعة تداول النقود ثابتة (مرتبطة بعادات الوكلاء) و حجم الانتاج عند مستوى التشغيل الكامل، فهذا يعني أن المستوى العام للأسعار يتحدد بالعرض النقدي، و عليه تصبح النقود وسيلة تبادل و لا يمكن الطلب عليها لذاتها، و بالتالي لا تأثر على المجال الحقيقي (الانتاج).

النتيجة الأخيرة و المتمثلة في حيادية النقود مهمة لتحقق قانون المنافذ، فإذا طلب الوكلاء النقود لتسوية معاملاتهم فقط، فإنهم لا يرغبون في الاحتفاظ بالنقود لغايات أخرى، و عليه سيوجه الادخار ككل لتمويل الاستثمار.

                       II.            التوازن الاقتصادي الكلي الكلاسيكي:

أ- مكونات النموذج الكلاسيكي:

يمثل النموذج الكلاسيكي نموذج قصير الأجل (المتغير الوحيد لدالة الانتاج هو العمل) في اقتصاد مغلق.

1- ثلاثة وكلاء، أربعة أسواق و أربعة توازنات:

-           ثلاثة وكلاء: المؤسسات التي تنتج، توظف و تمول استثماراتها بإصدار سندات، العائلات التي تعمل، تستهلك و توجه ادخارها لشراء السندات التي أصدرتها المؤسسات و الدولة، الدولة التي تجبي الضرائب، تقوم بالإنفاق العام  و تصدر السندات و النقود.

-          أربعة أسواق: سوق العمل الذي يحدد الأجر الحقيقي، سوق رأس المال الذي يحدد معدل الفائدة الحقيقي، سوق النقود الذي يحدد المستوى العام للأسعار و سوق السلع و الخدمات و الذي يحدد أسعار الأخيرة.

-          أربعة توازنات كلية: التوازن ما بين العرض و الطلب على السلع و الخدمات: حيث يجب تساوي الانتاج مع: الاستهلاك، الاستثمار و الإنفاق الحكومي، التوازن ما بين العرض و الطلب على العمل: حيث يقوم بعرض العمل العائلات و الطلب على العمل من طرف المؤسسات، التوازن ما بين العرض و الطلب على السندات: تعرض السندات من طرف المؤسسات و الدولة (طلب على رأس المال) و يطلب (تشترى) عليها من طرف العائلات، التوازن ما بين العرض و الطلب على النقود: عرض النقود يحدد من طرف الدولة و يطلب عليه من طرف الوكلاء لإتمام صفقاتهم.

2- حل النموذج:

-          المتغيرات الداخلية في النموذج هي: الأجر الحقيقي، مستوى التشغيل، حجم الانتاج، الادخار و الاستثمار، معدل الفائدة الحقيقي و الاستهلاك.

-          المتغيرات الخارجية: الضرائب، الإنفاق الحكومي و العرض النقدي.

-          معلمات النموذج: تمثل العلاقات الفنية كالموجودة في دالة الإنتاج، أو معلمات السلوك مثل التي تربط الادخار بمعدل الفائدة.

يتم حل النموذج حسب المنطق التالي:

-          في سوق العمل يتحدد الأجر الحقيقي التوازني و مستوى التشغيل.

-          بتحديد مستوى التشغيل يتحدد مستوى الانتاج، لأنه حسب قانون المنافذ ليس هناك مشكل في بيع كل الانتاج.

-          في سوق رأس المال مرونة معدل الفائدة الحقيقي يضمن التوازن بين الادخار و الاستثمار (يمكن أحيانا إضافة عجز الميزانية كما سنرى لاحقا) و من ثم يتحقق التوازن بين العرض الكلي و الطلب الكلي.

-          في السوق النقدي يتحدد المستوى العام للأسعار و بالتالي يمكن التعبير نقديا عن المتغيرات الحقيقية.


آخر تعديل: الثلاثاء، 7 نوفمبر 2023، 10:10 PM