الآليات التنظيمية الحديثة للاقتصاد البنكي في الجزائر .
تمهيد :
شهد القانون البنكي في الجزائر سلسلة من الإصلاحات، كان من أهمها إصدار نظامين من قبل مجلس النقد والقرض، بصفته السلطة النقدية، في مجال الصيرفة الإسلامية. هما النظام 18-02 والنظام 20-02. تبع ذلك إصلاحات أخرى مست القطاع البنكي الجزائري. ويعتبر هذان النظامان من أوائل القوانين المنظمة للعمل المصرفي الإسلامي في الجزائر، على الرغم من وجود بنوك إسلامية تعمل في البيئة المصرفية الجزائرية قبل إصدارهما. كان أولها بنك البركة الجزائري برأس مال مختلط (عام وخاص) تم إنشاؤه في 20 مايو 1991، ومصرف السلام الجزائر الذي تم اعتماده في سبتمبر 2008.
أولا :الآليات التنظيمية المتعلقة بالمصرفية الإسلامية :
1) النظام رقم 18- 02 :
مفهومه : هو نظام يتعلق بقواعد ممارسة العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية من طرف المصارف والمؤسسات المالية صدر في 4 نوفمبر 2018 ، ويعتبر أول محاولة لوضع إطار قانوني ينظم عمليات الصيرفة الإسلامية في الجزائر ، وقد تضمن 12 مادة فقط
أهدافه : سطر له هدفين حسب ماجاء في مادته الأولى :
ü تحديد القواعد المطبقة على المنتجات المسماة التشاركية التي لا يترتب عنها تحصيل أو تسديد فوائد .
ü تحديد شروط الترخيص المسبق من طرف بنك الجزائر للمصارف والمؤسسات المالية لممارسة العمليات المصرفية التشاركية
قراءة تحليلية لمضمون هذا النظام : تضمن هذا النظام مجموعة من النقاط يمكن حصرها في مايلي :
أولا : مفهوم العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية : في المادة الثانية عرفها بانها هي كل العمليات التي تقوم بها البنوك والمؤسسات المتمثلة في عمليات تلقي الأموال (الودائع ) وعمليات توظيف الأموال والتمويل والاستثمار التي لا يترتب عنها تحصيل أو تسديد فوائد، وتخص هذه العمليات على الخصوص فئات المنتجات التالية: المرابحة، المشاركة ،المضاربة، الإجارة، الاستصناع، السلم، وكذا الودائع في حساب الاستثمار.
ثانيا : لتقديم هذه العمليات المصرفية المتعلقة بالصيرفة التشاركية اشترط بنك الجزائر حسب المادة الرابعة الحصول على ترخيص مع تقديم بطاقة وصفية للمنتوج ورأي المسؤول رقابة المطابقة للمصرف او المؤسسة المالية ، إجراءات الواجب تطبيقها لضمان فصل الشبابيك التشاركية عن باقي العمليات الأخرى ، وبعد الحصول على الترخيص يتعين على البنوك والمؤسسات المالية المعتمدة الحصول على شهادة مطابقة منتجاتها لأحكام الشريعة الإسلامية من طرف هيئة وطنية مؤهلة قانونا لذلك، ورغم أن هذا التنظيم لم يعيّن هذه الهيئة ولم يوضح طبيعتها (وقد تكون المجلس الإسلامي الأعلى، إلا أن هذا الإجراء من شأنه أن يوحد من عمليات البنوك العاملة في الجزائر بخصوص تقديم ذلك المنتج أو الخدمة، سواء تعلق الأمر ببنك إسلامي قائم بذاته أو بشباك إسلامي داخل بنك تقليدي.
ثالثا : تضمن هذا النظام تعريفا للشبابيك التشاركية باعتبارها دائرة ضمن المصرف تمنح حصريا خدمات ومنتجات الصيرفة التشاركية (طبقا للمادة الخامسة من هذا النظام ) مع ضمان الاستقلاليتها من خلال الفصل المحاسبي بينها وبين الأنشطة الأخرى للبنك أو المؤسسة المالية الى جانب استقلالية حسابات الزبائن ضمن شباك المالية التشاركية عن باقي حسابات زبائنهم ، مع تخصيص مستخدمين (عاملين ) لها حصرا لتقديم هذه المنتجات لزبائنهم .
رابعا : شدد التنظيم على ضرورة الفصل المالي والمحاسبي لأنشطة الشباك الإسلامي عن باقي البنك، بما في ذلك إعداد ميزانية تبرز أصول وخصوم الشباك، وكذا مداخيله ونفقاته ذات الصلة
خامسا : أوجب التنظيم على المصارف والمؤسسات المالية التي تحصلت على الترخيص المسبق بتقديم منتجات مالية إسلامية أن تعلم زبائنها بجداول التسعيرات والشروط الدنيا والقصوى التي تطبق عليهم، كما يجب عليهم أيضاً إعلام المودعين خاصة أصحاب حسابات الاستثمار بطبيعة حساباتهم وذلك ضمانا للششافية والوضوح وإزالة أي لبس لدى العملاء حول الهوامش والعوائد والأجور التي تتلقاها المؤسسات المالية التي تقدم لهذا النوع من المنتجات .
سادسا : أكد النظام على أن ودائع المالية التشاركية تخضع لأحكام الودائع الأخرى التي ينظمها الأمر رقم 11-03 المتعلق بالنقد والائتمان أي شأنها شأن بقية أنواع الودائع في البنوك التقليدية، باستثناء ودائع الاستثمار والتي أشار بوضوح إلى أنها تتحصل على جزء من الأرباح المحققة أو تتحمل جزءاً من الخسائر المحتملة)و هذا ما أورده في مادته التاسعة .
كما أشار وبوضوح إلى أن الودائع والمبالغ الأخرى المماثلة للودائع والقابلة للاسترداد تخضع لنظام ضمان الودائع، باستثناء الودائع الممثلة بحسابات الاستثمار ، فمادته العاشرة .
إن النظام 18-02 لم يجد طريقه للتطبيق لعدة اعتبارات أهمها التغييرات السياسية التي حصلت وأدت إلى إجراء انتخابات رئاسية نهاية عام2019، قبل أن يدخل الإقتصاد العالمي في صراع مع وباء كورونا المستجد والذي ارفقه انخفاض كبير في أسعار النفط وما صاحبه من آثار في الجانب الاقتصادي للبلاد ،غير أن ذلك كله لم يمنع من إصدار النظام 20-02 المحدد للعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية
2) النظام 20-02 :
مفهومه : نظام صدر بتاريخ 24 مارس 2020، تضمن 24 مادة نظمت الأحكام المتعلقة بالعمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، كما الغيت جميع أحكام النظام 18-02 السالف الذكر(طبقا المادة 23)
أهدافه : طبقا للمادة الأولى منه ،فقد تضمن هدفين تمثلا في :
ü تحديد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية، القواعد المطبقة عليها، شروط ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية.
ü شروط الترخيص المسبق لها من طرف بنك الجزائر .
قراءة تحليلية لمضمون هذا النظام : تضمن مجموعة من الاحكام المتعلقة بالعمليات المصرفية الإسلامية أهمها :
أولا : حسب المادة الثانية منه فقد عرف عملية بنكية متعلقة بالصيرفة الإسلامية كل عملية بنكية لا يترتب عنها تحصيل أو تسديد للفوائد، يجب على هذه العمليات أن تكون مطابقة للأحكام المشار إليها في المواد من 66 إلى69 من الأمر03-11 المتعلق بالنقد والقرض المعدل والمتمم"
ثانيا : حصرت العمليات المصرفية الإسلامية في المادة الرابعة منه في :
- المرابحة.
- المشاركة.
- المضاربة.
- الإجارة.
- السلم.
- الإستصناع.
- حسابات الودائع.
- الودائع في حسابات الاستثمار.
وقدمت وصفا تعريفيا لكل منتجا خلال من المادة 5 الى المادة 12 .
ثالثا : البنوك الراغبة في ممارسة الصيرفة الإسلامية في الجزائر، يجب عليها الحصول على شهادة المطابقة لأحكام الشريعة من الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية (حسب المادة 14) ، قبل تقديم طلب الترخيص لدى بنك الجزائر.
رابعا : ضرورة انشاء إنشاء هيئة الرقابة الشرعية على مستوى البنوك ، تتكوّن هذه الهيئة من ثلاثة أعضاء على الأقل، يتم تعيينهم من طرف الجمعية العامة ضمانا لاستقلاليتها (المادة 15) .
خامسا : عرف شباك الصيرفة الإسلامية على أنه هيكل ضمن البنك أو المؤسسة مالية مُكلف حصريا بخدمات ومنتجات الصيرفة الإسلامية ، مع ضمان استقلاليته ماليا ومحاسبيا ومن حسب الهيكل التنظيمي والمستخدمين مع الإشارة الى ضرورة ان تكون حسابات زبائن شباك الصيرفة الإسلامية مستقلة عن باقي الحسابات الأخرى للزبائن (المادة 17 و 18)
سادسا : أشار هذا النظام على ضرورة اعلام البنوك زبائنها بجداول التسعيرات والشروط الدنيا والقصوى التي تطُبّق عليهم (المادة 19) كما اكدت على ضرورة اعلامهم حول خصوصية ودائع الاستثمار، وأكدت على ضرورة حصول البنك على موافقة كتابية من أصحاب حسابات الاستثمارات (مادة 20) ، كما أشار النظام الى طبيعة هذا النوع من الحسابات في حقها في الحصول على الأرباح و تحملها للخسائر في حالة وقوعها .
ملاحظة :
أستطاع النظام 20-02 إزالة بعض الغموض الذي كان يكتنف النظام السابق، حيث استبدل مصطلح "الصيرفة التشاركية" بـ "الصيرفة الإسلامية" دون إحداث أي تغيير في المفهوم، فقد ذكر في النظامين، أن العمليات التي تقوم بها البنوك أو المؤسسات المالية الاسلامية التي تندرج ضمن العمليات المذكورة في المواد من 66 إلى 69 من الأمر 03-11 والتي لا يترتب عنها تحصيل أو تسديد للفوائد.
أما فيما يتعلق بشروط ممارسة هذا النوع من الصيرفة فقد كانت نفسها مع تعديل بسيط يتعلق بتحديد الهيئة المؤهلة قانونا لتقديم شهادة مطابقة المنتجات لأحكام الشريعة الإسلامية وهي كما أشار إليها النظام 20-02 في المادة 16 منه الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية، كما عوض مصطلح الشبابيك التشاركية بالشبابيك الإسلامية لكن دائما المفهوم بقي نفسه لم يتغير، عدا عن ذلك يمكن القول أن بقية أحكام النظامين كانت متطابقة .