مناهج البحث العلمي (تابع)
2.4. 3. المنهج الوصفي : يحظى المنهج الوصفي بمكانة خاصة في مجال العلوم الانسانية، حيث أن نسبة كبيرة من الدراسات والبحوث الانسانية المنشورة هي وصفية في طبيعتها، وان المنهج الوصفي يلائم العديد من المشكلات في العلوم الانسانية اكثر من غيرها.
فالدراسات التي تعنى بتقييم الاتجاهات، أو تسعى للوقوف على وجهات النظر، أو البيانات الديمغرافية عن الأفراد أو ترمي إلى التعرف على ظروف تهدف إلى جمع العمل ووسائله كلها أمور يحسن معالجتها من خلال المنهج الوصفي، وهو ليس سهلاً، كما قد يبدو، إذ يتطلب أكثر من مجرد عمليـة وصـف الوضع القائم للأشياء.
إنه ككل مناهج البحث العلمي الأخرى يتطلب اختيار أدوات البحث المناسبة والتأكد من صلاحيتها، وكذلك الحرص في اختيار العينة والدقة في تحليل البيانات والخروج منها بالاستنتاجات المناسبة. ومع ذلك فإن للمنهج الوصفي عدداً من المشكلات الخاصة به دون سواه فدراسات تقرير الحالة التي تلجأ إلى استخدام الاستبيانات أو المقابلات كوسائل لجمع البيانات تعاني من نقص في الاستجابة لها. فالكثير من الاستبيانات المرسلة للأفراد قد لا تعود لسبب أو لأخر. كما أن الأشخاص الذين يطلبون للمقابلة قد لا يفون بالتزاماتهم، وبذلك يفقد الباحث الكثير من البيانات التي يمكن أن تأتي منهم.
ويمكن تعريف المنهج الوصفي على أنه هو المنهج الذي يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع ويهتم بوصفها وصفاً دقيقاً ويعبّر عنها كيفياً أو كمياً. فالتعبير الكيفي يصف لنا الظاهرة ويوضح خصائصها ، أما التعبير الكمي فيعطيها وصفاً رقمياً يوضح مقدار هذه الظاهرة أو حجمها أو درجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى. وكما يخبرنا البحث التاريخي عما جرى في الماضي فان البحث الوصفي يخبرنا عما هو موجود حالياً، ولذلك يعني المنهج الوصفي بتحديد ووصف الحقائق المتعلقة بالموقف الراهن من اية ظاهرة أو مشكلة وذلك لتوضيح جوانب الامر الواقع بمسحها ووصفها تفسيرياً بدلالة الحقائق المتوفرة. وللمنهج الوصفي وظيفته في وصف الظاهرة التي يدرسها من خلال جمع المعلومات عنها ووصفها بدقة ويقدمها بتعابير كيفية أو كمية "
كما يعرف المنهج الوصفي بأنه : مجموعة الإجراءات البحثية التي تتكامل لوصف الظاهرة أو الموضوع اعتماداً على جمع الحقائق والبيانات وتصنيفها ومعالجتها وتحليلها تحليلاً كافياً ودقيقاً، وذلك لاستخلاص دلالتها والوصول إلى نتائج أو تعميمات عن الظاهرة أو الموضوع محل البحث.
وتكمن أهمية المنهج الوصفي في كونه يوفر بيانات عن واقع الظاهرة المراد دراستها، مع تفسير لهذه البيانات، وذلك في حدود الإجراءات المنهجية المتبعة وقدرة الباحث على التفسير. كذلك تكمن أهمية استخدام المنهج الوصفي في البحث العلمي من كون يعطي للباحث حرية في تحليل البيانات وتنظيمها بصورة كمية أو كيفية، واستخراج الاستنتاجات التي تساعد على فهم الظاهرة المطروحة للدراسة وتطويرها، فضلاً. عن عمل مقارنات، وذلك لتحديد العلاقات بين الظاهرة محل الدراسة والظواهر الأخرى ذات الصلة.
ويقوم المنهج الوصفي على استقراء المواد العلمية التي تخدم إشكالاً ما أو قضية ما وعرضها عرضاً مرتباً ترتيباً منهجياً باستخدام أسلوب التحليل المرتكز على معلومات كافية ودقيقة عن الظاهرة أو الموضوع المحدد ومن خلال فترة أو فترات زمنية معلومة وذلك من أجل الحصول على نتائج عملية ثم تفسيرها بطريقة موضوعية، بما ينسجم مع المعطيات الفعلية للظاهرة، أو دراسة الحقائق الراهنة المتعلقة بطبيعة ظاهرة أو موقف أو مجموعة من الناس، أو مجموعة من الأحداث، أو مجموعة من الأوضاع وذلك بهدف الحصول على معلومات كافية ودقيقة عنها من دون الدخول في أسبابها أو التحكم فيها.
ويرتبط المنهج الوصفي بدراسة واقـع الأحداث والظواهر والمواقف والآراء وتحليلها وتفسيرها لغرض الوصول الى استنتاجات مفيدة، أما لتصحيح هذا الواقع، أو تحديثه، أو استكماله أو تطويره، وهذه الاستنتاجات تمثل فهماً للحاضر يستهدف توجيه المستقبل، إذ يمثل هذا المنهج أقصى حد ممكن من البعد عن التحيز في طرح الآراء، كما يوفر الثقة في أدوات البحث وصولاً الى نتائجه.
ويستخدم المنهج الوصفي التحليلي أسلوب تحليل المضمون كأداة مكملة لتفسير وفهم الظاهرة، لأن فهم أي نص يفترض قراءات ثلاث:
· الأولى لفهم ذلك الذي قاله الكاتب.
· الثانية لتخيل ذلك الذي لم يقله.
· الثالثة لاكتشاف الذي أراد أن يقوله ولم يعلن عنه.
ولهذا يكاد المنهج الوصفي يشمل كافة المناهج الأخرى باستثناء المنهجين التاريخي والتجريبي، ذلك لأن عملية الوصف والتحليل للظواهر تكاد تكون مسألة مشتركة وموجودة في كافة أنواع البحوث العلمية. والباحث حينما يستخدم المنهج الوصفي لا يقوم بحصر الظواهر ووصفها جميعها، وإنما يقوم بانتقاء الظواهر التي تخدم غرضه من الدراسة ثم يصفها ليتوصل بذلك إلى إثبات الحقيقة العلمية.
ويعد المنهج الوصفي ركناً أساسياً من أركان البحث العلمي فهو أول الخطوات التي يقوم بها الباحث عند ما يتناول دراسة ظاهرة ما من جهة، وهو الأسلوب الوحيد الممكن لدراسة بعض الموضوعات المتعلقة بالإنسان من جهة ثانية.
ولا يقف هذا المنهج عند وصف الظواهر أو الممارسات السائدة أو الواقع بل يتجاوز كل ذلك للوصول إلى استنتاجات وتعميمات تسهم في تفسير الظواهر بما يسمح بتغييرها وتوجيهها نحو أهداف مطلوبة. ويسمي بعض الباحثين هذا المنهج بالمنهج الوصفي الإحصائي وذلك لان الوصف يقترن دائما ببيانات إحصائية تجرى عليهـا المعالجات الإحصائية كحساب التكرارات والمتوسطات، والانحرافات، والارتباطات. أي باختصار تنظيم البيانات المتجمعة وتحليلها واشتقاق استنتاجات ذات دلالة بالنسبة للمشكلة التي يعالجها البحث فهذا المنهج يعتمد على دراسة الواقع والظاهرة المدروسة وتصويرها كمياً عن طريق جمع معلومات مقننـة عـن المشكلة وتصنيفها وتحليلها واخضاعها للدراسة الدقيقة ويتناول المنهج الوصفي الظاهرة النفسية (مثل القلق، الخوف، التسلط ، الانطوائية ، العدوانية أو الاجتماعية (دراسة العادات التقاليد والقيم... ويهدف إلى جمع أوصاف علمية كمية وكيفيـة عـن الظاهرة المدروسة كما تحدث في وضعها الطبيعي، من دون أن يتدخل فيها الباحث، من أجل توضيح العوامل المتسببة فيها، والنتائج المترتبة عليها، ويتم جمع البيانات المطلوبة من خلال عدة أدوات وأساليب.
يمكن استنتاج الخصائص أو السمات التي يتمتع بها المنهج الوصفي من خلال الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه ومن خلال المعلومات التي يحصل عليها ويمكن إيجازها بالاتي:
· اعتماد الوصف العلمي على التحليل والعقل والموضوعية.
· يرتبط بالواقع قدر الإمكان ولذلك فهو يهتم بالدراسات ذات الصلة بواقع الأفراد والجهات والجماعات والمؤسسات والدول ووصف الماضي والأنشطة وآثار ذلك ويكون شاملاً.
· يستخدم الأسلوب الكمي أو الكيفي أو الاثنين معاً.
· الأكثر انتشاراً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.
· يساعد على التنبؤ بمستقبل الظاهرة وذلك عبر متابعة معدلات التغير وواقع الظاهرة.
· يهتم بجمع كم كبير من المعلومات عن الظاهرة.
· جيد في تفسير واقع الظاهرة أكثر من إيضاح أسبابها والمؤثرات عليها.
· يرتبط التعميم فيها بحدود ضيقة ولكن لتبدل المتغيرات مثل تنوع المكان والجمهور والمؤثرات والخصائص أضافه لعامل الوقت وتأثيره.
ويمكن اجمال اهداف الاسلوب الوصفي في النقاط الاتية :
1 جمع بيانات حقيقية ومفصلة لظاهرة أو مشكلة موجودة فعلا لدى مجتمع معين. 2. تحديد المشكلات الموجودة وتوضيحها.
3. اجراء مقارنات لبعض الظواهر أو المشكلات وتقويمها وايجاد العلاقات بين تلك الظواهر أو المشكلات.
4. تحديد ما يفعله الافراد في مشكلة أو ظاهرة ما والاستفادة من آرائهم وخبراتهم في وضع تصور وخطط مستقبلية واتخاذ القرارات المناسبة لمواقف متشابهة مستقبلا.
أما عن مميزات المنهج الوصفي فتتمثل في :
· إعطاء حقائق ومعلومات دقيقة تساعدنا في تفسير الظاهرة.
· اتساع نطاق استخدام هذا الاسلوب بسبب تعدد اصنافه من مسح ودراسة حالة وغيرها.
· يوضح العلاقة بين الظواهر.
· يتناول الظواهر كما هي في الواقع.
سلبيات المنهج الوصفي تتمثل في :
· قد يستند الباحث الى معلومات مشوهة وهو ما ينقص من قيمة النتائج المتوصل إلها.
· صعوبة اثبات الفروض في البحوث الوصفية لأنها تتم عن طرق الملاحظة.
· صعوبة التنبؤ في الدراسات الوصفية.
أساليب المنهج الوصفي: يقوم المنهج الوصفي على تفسير الوضع القائم للظاهرة أو المشكلة من خلال تحديد ظروفها وأـبعادها وتوصيف العلاقات بينها بهدف الوصول إلى وصف عملي دقيق متكامل للظاهرة أو المشكلة المراد حلها. يعتمد المنهج الوصفي على مجموعة من من أساليب البحث العلمي سنتطرق لها بشيء من التوضيح وأهم هذه الأساليب:
أولا - أسلوب المسح: وهو الأسلوب الذي يقوم على تجميع منظم للمعلومات من الأشخاص المبحوثين بهدف فهم أو التنبؤ بسلوك المجتمع محل الدراسة. ويستخدم عادة لمعرفة اتجاهات الرأي العام ،الوقوف على الجوانب المختلفة لظروف المعيشة والحياة في مجتمع ما، أو لدراسة السلوك الماضي والحالي والمستقبلي للأفراد. ويمن أن يكون المسح شاملا أو بالعينة.
· المسح الشامل: وهي التي تغطي كل مجتمع الدراسة أي تقوم بدراسة جميع مفردات المجتمع عن طريق الحصر الشامل، ويمكن استخدامها لما يكون حجم المجتمع صغيرا، أما في حالة المجتمع الكبير فهي تحتاج إلى نفقات كبيرة وجهد ووقت أكبر.
· المسح بالعينة: وهي التي تغطي عينة تمثل مجتمع الدراسة، وتجدر الإشارة إلى أن معظم البحوث والدراسات تتم بهذا الأسلوب تقليلا للتكلفة والجهد واختصارا للوقت.
ثانيا : أسلوب دراسة الحالة: وهو أسلوب يعتمد لدراسة وحدة معينة مثل: مجتمع محلي أو أسرة أو قبيلة أو مؤسسة صناعية أو خدمية، دراسة تفصيلية عميقة بغية استجلاء ومعرفة جميع جوانبها والخروج بتعميمات تنطبق على الحالات المماثلة لها. وقد أطلق عليه الفرنسيون مصطلح المنهجالمنوجرافي، ويقصد به وصف موضوع مفرد باستفاضة.
يهدف إلى الاهتمام بالموقف الكلي ومعاملة الجزئيات من حيث علاقتها البنائية والوظيفية بالكل الذي يتضمنها.
خطوات أسلوب دراسة الحالة: عند استعمال هذا الأسلوب على الباحث إتباع ومراعاة الخطوات التالية:
· تحديد المشكلة تحديدا دقيقا.
· تحديد التساؤلات والفرضيات.
· تحديد عينة الدراسة تحديدا دقيقا، أي تحديد وحدة العينة فقد تكون أفراد أو أسرة أو مؤسسة وغيرها، كما يجب تحديد حجم العينة وطريقة اختبارها.
· تحديد طرق جمع البيانات )سنتطرق إليها في المحاور اللاحقة(.
· تحليل البيانات واستخلاص النتائج.
· كتابة التقرير.
مزايا أسلوب دراسة الحالة:
· يمكن الباحث من دراسة الحالة أو الوحدة الاجتماعية دراسة شمولية كلية مستفيضة وعدم الاكتفاء بالوصف الخارجي أو الظاهري للحالة.
· مهم لدراسة الحالات المتفردة والتي تعاني من مشاكل اجتماعية أو نفسية مستعصية أو كلاهما.
· يساعد على تفسير التحليلات الإحصائية وإعطاء حيوية للنتائج الكمية الجامدة.
· يفيد في تفسير النتائج في الأبحاث الوصفية التي تعتمد على اختبار الفرضيات.
عيوب أسلوب دراسة الحالة:
· تحيز البيانات وعدم صدقها وثباتها.
· عدم صلاحية بيانات دراسة الحالة للتعميم ويعود السبب في ذلك إلى احتمالات التحيز سواء من المبحوث أو من جامع البيانات.
· صعوبة التعبير الكمي عن المعلومات المستقاة من دراسة الحالة.
· كثرة البيانات وصعوبة تصنيفها وتحليلها.
ثالثا : أسلوب المقارنة: يقوم هذا الأسلوب على المقارنة بين الظواهر أو الوضعيات المختلفة، لمعرفة أسباب الحدوث أو العوامل التي تصاحب حدثا معينا ويتم اللجوء إلى هذا الأسلوب عند صعوبة اللجوء إلى المنهج التجريبي في دراسة بعض الظواهر الإنسانية، وعندما لا يكون الباحث مضطرا إلى إجراء تغيير في واقع الظاهرة، وهذا ما يعطي للنتائج دقة أكبر. ويتميز هذا الأسلوب بكونه لا يتطلب جهدا ونفقات كبيرة، ولا يتطلب تصميم تجارب.