V.أركان البحث العلمي للبحث العلمي ثلاثة أركان لا يقوم إلا عليها، وكل واحد منها يمثل أمراً مهماً في ظهوره بالمظهر الذي ينبغي أن يكون عليه. وهذه الأركان هي الموضوع، والمنهج، والشكل:

·         الموضوع : هو المقصود بالبحث ومحور الدراسة. وكلما كان الموضوع جديداً أو فيه جوانب جديدة وكان يسهم في معالجة موضوعات علمية في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية، كان إقبال الدارسين عليه أكبر، وكان أكثر جاذبية لأنظار العلماء، ولا تعني الجدة والابتكار والإضافة في الموضوع الاقتصار على كشف الجديد وحسب، ولا أن يكون الموضوع غير مطروق من قبل، بل إنها تتناول ذلك وتتناول غيره.

·         المنهج : هو مجموعة من القواعد والإجراءات المقرّة من قبل المتخصصين في منهجية البحوث التي يتبعها الباحث للوصول أو الكشف عن الحقيقة، أو التي تقود إلى التوصل إلى نتائج بحثية سليمة.

 ·            الشكل: شكل البحث هو طريقة تنظيم البحث، وتنسيق عناصره شكلاً وكتابة (تقرير البحث)، بما يضفي عليه الصبغة التنظيمية، ويوفر له قدراً من الجاذبية، التي تَوَافَقَ العُرف العلمي العام على السير عليها.

      كلما تميز البحث في أركانه الثلاثة كلما زادت قيمته، وتنامى حظه من التقدير لدى القارئ. فالموضوع يكتسب تميزه من أهميته، وبمقدار إسهامه في سد فراغات الأدبيات الحية، أو ترشيد القرارات التطبيقية في شؤون التنمية الحساسة والمنهج تزداد صلاحيته حينما تعلو درجة مصداقيته في تحقيق هدف البحث، وهذا يتطلب تصميماً واعيا للبحث، بحيث يتم اختيار الطريقة الأنسب لجمع البيانات (أو حتى المشاركة بين عدة طرق)، ثم اتباع طرق ناضجة لتحليل البيانات وتفسيرها. أما شكل البحث فيعني الصيغة التي كتب فيها البحث والإخراج الرديء للبحث كفيل بإضعاف البحث حتى لو تميز في موضوعه ومنهجيته، وعلى الباحث أن يحرص على اتباع أسلوب وترتيب للكتابة، يضمن بهما للبحث الجاذبية، (يخلو من الإسهاب الممل والاقتضاب المخل) علاوة على الجدية العلمية.

    VIخصائص البحث العلمي : يتصف البحث العلمي بمجموعة مترابطة من الخصائص البنائية التي لابد من توافرها حتى تتحقق الأهداف المرجوة منه . ويمكن بيان هذه الخصائص على النحو التالي :

‌أ. الموضوعية (The Objectivity) : وتعني خاصية الموضوعية أن تكون خطوات البحث العلمي كافة قد تم تنفيذها بشكل موضوعي وليس شخصي متحيز، ويحتم هذا الأمر على الباحثين أن لا يتركوا مشاعرهم وآراءهم الشخصية تؤثر على النتائج التي يمكن التوصل إليها بعد تنفيذ مختلف المراحل أو الخطوات المقررة للبحث العلمي.

      على سبيل المثال، يجب أن تبدأ خطوات البحث العلمي بتحديد واضح المعلومات لمشكلة البحث تليها وضع الفرضيات، ثم تحديد أسلوب وطريقة جمـ وإدارتها ومراجعتها وتحليل المعلومات التي تم تجميعها ووضعها في تقرير نهائي يوضح ما تم تنفيذه وما تم التوصل اليه. وهذا يعني عدم اللجوء إلى التحريف أو التشويه للنتائج التي تم التوصل إليها لخدمة أغراض شخصية للإدارة أو الباحث وبأي شكل من الأشكال.

      يضاف إلى ذلك أن الباحثين يجب أن يتصفوا بالسلوك العلمي باستمرار لمعرفة الحقيقة بعيدا عن التزمت أو التشدد وراء آرائهم ومشاعرهم الشخصية بغض النظر عن النتائج التي يتم الوصول إليها لوصف الظاهرة أو القضية موضوع البحث ومعالجتها.كما تُعدُّ هذه الخاصية من أهم الخصائص التي يتميز بها أي بحث علمي ذلك أن الكثير من الدراسات الميدانية أو النظرية التي تجري أو تنفذ في الدول النامية تفتقر إلى وجود هدف محدد وواضح المعالم تم استنتاجه من مشكلة تم تعريفها وتحديدها بطريقة علمية.

     وعليه فإن وجود هدف محدد المعالم يساعد الباحثين في تبني المنهجية العلمية السليمة والمناسبة لهذا الموضوع أو ذاك وصولا إلى الأسباب والنتائج والمضامين المعقولة للمشكلة موضع الاهتمام.

‌ب. المنهجية: أي أن البحث ليس تكديسا للمعلومات والبيانات والشواهد، أو صرفا للجهد والوقت والمال دون ناظم ينظمها ، بل البحث الذي يتصف بصفة العلمية هو ذلك الذي يسير فيه الباحث من مرحلة إلى أخرى مستخدما المنهج العلمي وتقنياته، وخاصة المنهجية تتيح لباحث أخر التحقق من النتائج المتوصل إليها والحكم على دقتها وعلميتها باستخدام نفس القواعد والاجراءات التي اتبعها باحث أخر في دراسته لنفس الموضوع.

‌ج.  الدقة وقابلية الإختبار (The Testability & Accuracy) : وتعني هذه الخاصية بأن تكون الظاهرة او المشكلة موضع البحث قابلة للاختبار او الفحص فهناك بعض الظواهر التي يصعب اخضاعها للبحث او الاختبار نظراً لصعوبة ذلك او لسرية المعلومات المتعلقة بها كما تعني هذه الخاصية ضرورة جمع ذلك الكم والنوعية من المعلومات الدقيقة التي يمكن أن يوثق بها والتي تساعد الباحثين من اختبارها إحصائيا وتحليل نتائجها مضامينها بطرقة علمية منطقية وذلك للتأكد من مدى صحة أو عدم صحة الفرضيات أو الأبعاد التي وضعها للاختبار بهدف تعرف مختلف أبعاد أو أسباب مشكلة البحث الذي يجري تنفيذه وصولا لبعض الاقتراحات أو التوصيات التي تساعد في حل المشكلة موضوع الاهتمام.

      وتجدر الإشارة هنا إلى أن المعلومات الدقيقة التي يتم تجميعها وتحليل نتائجها بحسب المنهجية العلمية الصحيحة تزيد من درجة الثقة عند تطبيقها من قبل الإدارة على شكل قرارات يجب أن تكون درجة الدقة فيها داعماً لمبدأ الأخذ بالمنهجية العلمية في المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

‌د.  إمكانية تكرارية النتائج (Replicability) : وتعني هذه الخاصية انه يمكن الحصول على النتائج تقريبا نفسها بأتباع المنهجية العلمية نفسها وخطوات البحث مرة أخرى وتحت الشروط والظروف الموضوعية والشكلية المشابهة. ذلك أن حدوث أو حصول النتائج نفسها يعمق الثقة في دقة الإجراءات التي تم اتخاذها لتحديد مشكلة البحث وأهدافه من جهة، والمنهجية - الأسس المراحل المطبقة من جهة أخرى. كما تثبت هذه الخاصية أيضا صحة البناء النظري والتطبيقي للبحث موضوع الاهتمام ومشروعيته.

‌ه.  التبسيط والاختصار (Parsimony) : يقال في الأدب المنشور حول أساليب البحث العلمي أن ذروة الابتكار والتجديد في مجال العلم هو التبسيط المنطقي في المعالجة والتناول المتسلسل للأهم ثم للأقل أهمية بالنسبة للظواهر موضوع الاهتمام، ذلك أنه من المعروف أن إجراء البحوث أيا كان نوعها يتطلب الكثير من الجهد والوقت والتكلفة، الأمر الذي يحتم على الخبراء في مجال البحث العلمي السعي الحثيث إلى التبسيط، والاختصار في الإجراءات والمراحل بحيث لا يؤثر هذا على دقة نتائج البحث وإمكانية تعميمها وتكرارها.

      وهذا يتطلب من الباحث التركيز في بحثه على متغيرات محدودة لان اشتمال البحث على متغيرات عِدة قد تضعف من درجة التعمق والتغطية للظاهرة او المشكلة موضوع البحث، ولهذا يلجأ الباحثون إلى تحديد اكثر العوامل تأثيرا وارتباطا بالمشكلة موضوع الدراسة وبما يحقق الأهداف الموضوعة، فعلى سبيل المثال لو لاحظت احدى المنشأت المنتجة لمنظف الغسيل "س" ان هناك تراجعاً في مبيعاتها من هذا الصنف، ولاحظت المنشأة شكوى من الزبائن حول نوعية المنظف أو جودته، مع ارتفاع شدة المنافسة، فيمكن ان تكون هذه الأسباب الأكثر تأثيرا في تراجع المبيعات وبالتالي فإننا سنقوم بالتركيز على هذه العوامل فقط في البحث العلمي حول تلك الماركة واستبعاد العوامل الأخرى الأقل تأثيراً في انخفاض المبيعات لها.

       ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن توافر الموضوعية والدقة في كيفية تحديد العوامل الأكثر تأثيرا مع التزام كامل بأصول البحث العلمي من قبل الباحث يجعل النتائج المتوقعة للبحث اكثر واقعية ، كما أن القرارات التي سيتم اتخاذها من قبل الإدارة ستكون الضمانة الكبيرة لنجاح مبدأ البحث العلمي وشيوعه.بناء عليه تتم عملية التبسيط والاختصار للعوامل المؤثرة في حدوث المشكلة أو الظاهرة موضوع البحث ويحسب مساهمة كل عامل ومن خلال استخدام أساليب إحصائية متقدمة مثل تحليل العوامل (Factor Analysis) وغيرهـــــــــــا، على سبيل المثال يتم تصنيف العوامل في مجموعات باتباع معايير واضحة حيث تكون العوامل في كل مجموعة شديدة العلاقة أو الارتباط بعضها ببعض وضعيفة مع العوامل الموجودة في مجموعات أخرى.

‌و. أن يتناول البحث العلمي تحقيق غاية أو هدف : أن يكون للبحث العلمي غاية او هدف من وراء اجرائه، وتحديد هدف البحث بشكل واضح ودقيق هو عامل اساسي يساعد في تسهيل خطوات البحث العلمي واجراءاته كما انه يساعد في سرعة الانجاز والحصول على البيانات الملائمة، ويعزز من النتائج التي يمكن الحصول عليها بحيث تكون ملبية للمطلوب

‌ز.   التعميم والتنبؤ : استخدام نتائج البحث لاحقاً في التنبؤ بحالات ومواقف مشابهة ، فنتائج البحث العلمي قد لا تقتصر مجالات الاستفادة منها واستخدامها على معالجة مشكلة انية بل قد تمتد الى التنبؤ بالعديد من الظواهر والحالات قبل وقوعها .

  VII.   معايير وموصفات الباحث الجيد :

 يتميز الباحث بعدد من الصفات والخصائص الأساسية وقد صنفها البعض إلى نوعين قدرات أولية ومهارات مكتسبة أما القدرات الأولية فهى الإستعداد الشخصي والقدرة على البحث وأما المهارات المكتسبة فهي التمسك بأخلاق الباحثين وإتباع الموجهين، ومن أهم الصفات التي يجب أن يتصف بها الباحث والتي يجب أن يتحلي بها :

·     أن يكون الباحث محبا للعلم وحب الإستطلاع لا يقف عند حد معين واسع الإطلاع، عميق التفكير .

·     أن يتمتع الباحث بالدقة في جمع الأدلة والملاحظات وعدم التسرع في الوصول إلى قرارات مالم تدعمها الأدلة الدقيقة الكافية.

·     أن يكون الباحث ميالا إلى التأمل والتحليل متمتعا بملكة التخيل حتى يستطيع أن يتصور كيفية سير العمل وينطلق من خلال تصوراته الخيالية إلى واقع فيجسده في عمل علمي منظم .

·     الإعتداد بآراء الآخرين وإحترام هذه الآراء وعدم فرض رأيه الشخصي وعليه أن يعزز آراءه بآراء غيره ويورد أدلتهم

·     تقبل النقد الموجه إلى آرائه من الآخرين .

·     الأمانة في نقل أراء الغير وأدلتهم فلا يحذف منها شيئا أو يحجبها لكونها لا تتفق ورأيه .

·     أن يتميز بنزعة الخلق والإبتكار يتمتع بقدر من الذكاء .

·     أن تكون لديه العزيمة صبورا ودؤوبا على إستعداد لمواجهة الصعاب والتغلب عليها والصمود بإصرار وشجاعة في وجه الفشل .

·     أن يكون مؤمنا بدور العلم والبحث العلمي في حل المشكلات في المجالات المختلفة وأن يكون مؤمنا بأنه عن طريق البحث العلمى يمكن تحقيق سعادة ورفاهية البشرية .

ومتي توفرت للباحث قدراته الأولية وإستعداده الفطري للبحث وتحلى بأخلاق الباحثين بقى عليه أن يتعلم فن البحث ويتبع توجيه المرشدين والمشرفين. ومن الطبيعي أن المعرفة النظرية لاتثمر بدون تطبيق ، وحفظ قواعد مناهج البحث وأصوله لا تصنع باحثا ولكن القدرة على تطبيقها في مجال معين من مجالات الدراسة هي التي تصنع باحثا وتصقل الباحثين المقتدرين .

 


Last modified: Friday, 15 March 2024, 4:20 PM