2.4. مناهج البحث العلمي حسب أدوات البحث :تختلف وتتباين الخطوات الأساسية للبحث العلمي وذلك حسب طبيعة المنهج المعتمد في البحث والذي نختاره حسب طبيعة البحث، وسنقوم خلال هذا المبحث بعرض أهم المناهج العلمية المعتمدة في البحوث العلمية حتى يتمكن الطلبة من اختيار المنهج البحثي الملائم لطبيعة ومشكلة بحثهم.

2.4. 1. المنهج التاريخي : يراد بالمنهج التاريخي الوصول إلى نتائج وقوانين عامة من خلال البحث في الأحداث، وتحليل المعلومات المتعلقة بالمشكلات الإنسانية والاجتماعية التي شكلت الحاضر. وهذا يعني أن اتباع المنهج التاريخي يقصـد بـه البـحـث الظواهر الإنسانية المختلفة اعتمادا على معلومات ماضية، أي أن الباحث يدون الشواهد والأحداث التاريخية ويحللها، ويعقد بينها المقارنات لإيجاد العلاقات الوصول إلى التعميمات.

ويعد المنهج التاريخي تعاملاً منهجياً مع المادة التاريخية في ضوء القواعد والأساليب المستخدمة في البحث العلمي وما يقتضيه ذلك من تحديد للمفاهيم، ووصف وتحليل وتفسير وغير ذلك من خطوات منهجية، "فالمنهج التاريخي يدرس الماضي من أجل الاستفادة منه في فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل، والمادة التاريخية ليست هدف البحث العلمي، ولكنها وسيلة لإثبات الفرضيات والوصول الى النتائج، وهذه المادة لا تعني شيئاً إلا إذا وظفها الباحث في غايات فهم البيئة وفهم الدوافع الانسانية" 

ويقصد بالمنهج التاريخي هو : ذلك الطريق الذي يصف ويسجل مـا مـضـى مـن وقائع وأحداث الماضي ويدرسها ويفسرها ويحللها على أسس علمية منهجية ودقيقة فالتوصل إلى الحقائق يساعدنا في فهم الحاضر على ضوء الماضي والتنبؤ بالمستقبل. وبعبارة اخرى هو ذلك المنهج المعني بوصف الأحداث التي وقعت في الماضي وصفاً كيفياً، يتناول رصد عناصرها وتحليلها ومناقشتها وتفسيرها ، والاستناد على ذلك الوصف في استيعاب الواقع الحالي، وتوقع اتجاهاتها المستقبلية القريبة والبعيدة.

ويسمى المنهج التاريخي بالمنهج الإستردادي، لأنه عملية استرداد وعملية استرجاع للماضي، وهو منهج علمي مرتبط بمختلف العلوم الأخرى، إذ يساعد الباحث الاجتماعي خصوصاً عند دراسته للتغيرات التي تطرأ على البنى الاجتماعية وتطور النظم الاجتماعية في التعرف على ماضي الظاهرة وتحليلها وتفسيرها علميا، في ضوء الزمان والمكان الذي حدثت فيه، ومدى ارتباطها بظواهر أخرى ومدى تأثيرها في الظاهرة الحالية محل الدراسة ومن ثم الوصول إلى تعميمات والتنبؤ بالمستقبل.

وتمكن أهمية هذا المنهج في الدراسات الانسانية بما يأتي:

·     يمكن استخدام المنهج التاريخي في حل مشكلات معاصرة على ضوء خبرات الماضي.

·     يساعد على إلقاء الضوء على اتجاهات حاضرة ومستقبلية.

·     يؤكد الأهمية النسبية للتفاعلات المختلفة التي توجد في الأزمنة الماضية وتأثيرها.

·     يتيح الفرصة لإعادة تقييم البيانات بالنسبة لفروض معينة أو نظريات أو تعميمات ظهرت في الزمن الحاضر دون الماضي.

أما أدوات جمع المعلومات في المنهج التاريخي فتتمثل فيما يأتي:

·     الملاحظة التحليلية الناقدة للمصادر التاريخية.

·     تحليل للمادة التاريخية باستخدام الاجهزة والوسائل التكنولوجية للكشف عن صحة أو زيف المادة التاريخية.

·     المقابلات الشخصية لشهود العيان والقنوات الناقلة للحوادث والاخبار.

·     استطلاعات الرأي والاستبيانات.

ومن مزايا المنهج التاريخي ما يأتي:

·     يعتمد المنهج التاريخي الأسلوب العلمي في البحث. فالباحث يتبع خطوات الأسلوب العلمي مرتبة، وهي: الشعور بالمشكلة، وتحديدها، وصياغة الفرضيات المناسبة ، ومراجعة الكتابات السابقة، وتحليل النتائج وتفسيرها وتعميمها.

 ·     اعتماد الباحث على المصادر الأولية والثانوية لجمع البيانات ذات الصلة بمشكلة البحث لا يمثل نقطة ضعف في البحث إذا ما تم القيام بالنقد الداخلي والنقد الخارجي لهذه المصادر.

اما عيوب المنهج التاريخي فتتمثل فيما يأتي:

·     أن المعرفة التاريخية ليست كاملة، بل تقدم صورة جزئية للماضي، نظراً لطبيعة هذه المعرفة المتعلقة بالماضي ولطبيعة المصادر التاريخية وتعرضها للعوامل التي تقلل من درجة الثقة بها من مثل التلف والتزوير والتحيز.

 ·     صعوبة تطبيق الأسلوب العلمي في البحث في الظاهرة التاريخية محل الدراسة، نظراً لأن دراستها بواسطة المنهج التاريخي يتطلب أسلوباً مختلفاً وتفسيراً مختلفاً.

 ·     صعوبة تكوين الفرضيات والتحقق من صحتها ، وذلك لأن البيانات التاريخية معقدة، إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجة على غرار ما يحدث في العلوم الطبيعية.

 ·     صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب، الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد بنوعية الداخلي والخارجي.

 ·     صعوبة التعميم والتنبؤ ، وذلك لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمنية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة، كما يصعب علـى المؤرخين توقع المستقبل.

    يرى بعض الكتاب أن المنهج التاريخي كأسلوب علمي يعاني من بعض الأمور التي يمكن تلخيصها بالشكل التالي:

·     تتعرض بعض الأحداث التاريخية للتلف والتزوير وبالتالي فإنه من الصعب القول أن التاريخ سيعطينا معرفة كاملة حول مختلف جوانب الحياة وظواهرها في الماضي.

 ·     صعوبة تطبيق المنهجية العلمية بمراحلها المختلفة لتغير الأحداث التاريخية وذلك لاسباب أهمها طبيعة الحدث التاريخي وخصائصه ومصادر الحصول على معلومات موثقة عنه من جهة بالإضافة إلى صعوبة إخضاعه للتجربة من جهة أخرى.

 ·     صعوبة وضع فرضيات واضحة مبنية على أسس نظرية قوية للأحداث التاريخية وذلك لاسباب أهمها أن علاقة السبب بالنتيجة في تحديد مسار الأحداث التاريخية نفسها ليست علاقة يمكن تصويرها بشكل دقيق أو واضح وذلك لتشابك أو تعارض أو تعدد الأسباب ومن ثم التفسيرات لهذا الحدث أو ذاك.

 ملاحظة 01إن البيانات التاريخية الوثائقية كالمخطوطات ينبغي إخضاعها لاختبارين للتأكد من صحتها على النحو التالي:

·     التحليل الداخلي للوثيقة: هو إخضاع محتويات الوثيقة للفحص والتحليل والتأكد من صحة البيانات الواردة فيها.

 ·     التحليل الخارجي للوثيقة: نقد الوثيقة للتحقق من عمرها الزمني وأن المخطوطة قد كتبها الشخص المعني، وما عرف عن كاتبها من صدق ودقة وأمانة وكذب...الخ.

ملاحظة 02يختلف المنهج التاريخي عن علم التاريخ في كون علم التاريخ يهتم بدراسة أفعال الإنسان وتجاربه فيما ما مضى وما نتج عن ذلك من آثار مادية ومعنوية، وذلك من خلال استرجاع الظواهر والأحداث الماضية والتحقق منها وتصور تتابعها، بينما المنهج التاريخي يهتم بالوصول إلى مجموعة من القواعد والمبادئ المرتبطة بالظواهر والأحداث الماضية والحاضرة ليستفيد منها في فهم اتجاهات الظواهر والأحداث في المستقبل.

. 2.4. 2.  المنهج التجريبي : يعد المنهج التجريبي مفتاح تطور العلم وكسر حالة الجمود التي أصابت الباحثين القدماء، ويعتمد المنهج التجريبي على التحكم في الظروف والشروط التي تسمح بإجراء تجربة من خلال الملاحظة المنظمة التي تنحصر في مشاهدة الظاهرة والتدقيق فيها على النحو الذي تبدو عليه في حالتها الطبيعية، بحيث يكون دور الباحث القائم بالملاحظة أن يكون دوراً محايداً.

      ويستهدف البحث التجريبي جمع المعلومات وتنظيمها بشكل يؤدي الى القاء الضوء على مدى صحة فرض أو مجموعة من الفرضيات. وبقدر ما تكون طريقة الباحث في جمع المعلومات وتنظيمها دقيقة لا تحتمل الطعن، تكون القيمة العلمية لهذا البحث. وبمعنى آخر إذا كانت النتائج التي تحصل عليها في تجربة ما يمكن تفسيرها بأكثر من تفسير بحيث تؤدي بعض هذه التفسيرات الى تأكيد صحة الفرض الذي نختبره بينما يؤدي بعضها الاخر الى التشكيك بصحته، فإن هذه التجربة تكون الى هذا الحد غير علمية، وبذلك يمكن الطعن فيها.

      ويضمن المنهج التجريبي. كلاً من المعالجة التجريبية والملاحظة، فالتجربة في أبسط صورها تقوم على معالجة الباحث وتحكمه في المتغير المستقل، ثم ملاحظة استجابة المبحوثين وهي ما تعرف بالمتغير التابع. ورغم وجود اختلافات بين التجارب، الا ان معظم الباحثين يتفقون على وجود ثماني خطوات يجب أن تتبع في اجراء أي تجربة وهي:

1. اختيار مكان التجرية : كثير من التجارب يفضل اجراؤها في المعمل أو في بيئة أخرى تحت تحكم وسيطرة الباحث، بينما توجد تجارب أخرى يفضل اجراؤها في بيئة طبيعية، حيث لا يكون للباحث سيطرة تذكر على الموقف التجريبي.

 2. اختيار التصميم التجريبي : يتوقف نوع التصميم التجريبي على طبيعة الفرضيات أو التساؤلات البحثية، وأنواع المتغيرات الخاضعة للمعالجة والقياس، ومدى توافر المبحوثين الذين يمكن إجراء التجربة عليهم وكم الموارد المتاحة.

3. وضع تعريفات اجرائية للمتغيرات في المنهج التجريبي يتم تعريف المتغيرات

المستقلة اجرائياً في ضوء المعالجة التجريبية التي تجري علـى هـذه المتغيرات، أمـا المتغيرات التابعة فتعرف إجرائياً من خلال بناء المقاييس أو تحديد الفئات التي يلاحظ في ضوئها سلوك المبحوثين.

4. تحديد كيفية معالجة المتغير المستقل : لمعالجة المتغير المستقل توضع مجموعة من التعليمات وتصمم مجموعة من الاحداث والمثيرات لتقدم للمبحوثين.

5. اختيار المبحوثين وتوزيعهم على المجموعات التجريبية والضابطة : لتحقيق الصدق الخارجي يجب اختيار المبحوثين المشاركين في التجربة اختياراً عشوائياً من مجتمع الدراسة.

6. إجراء دراسة استطلاعية : ان اجراء دراسة استطلاعية على عينة صغيرة من المبحوثين ستكشف المشكلات التي يمكن ان تواجه الباحثين أثناء التطبيق الفعلي، وتتيح لهم إمكانية التأكد من كفاءة المعالجة التجريبية وأنها تحدث التأثير المطلوب.

7. التطبيق الفعلي للتجربة : يجري الباحث تجريته على وفق التصميمات التجريبية الاتية:

·     القياس بعد التجربة فقط للمجموعتين التجريبية والضابطة.

·     قياس مجموعة واحدة قبل التجربة وبعدها.

·     القياس قبل التجربة للمجموعة الضابطة وبعد التجربة للمجموعة التجريبية. ث. القياس قبل التجربة وبعدها لكل من المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبية.

·     مجموعة تجريبية ومجموعتان ضابطتان.

·     مجموعة تجريبية وثلاث مجموعات ضابطة.

·     تجارب المقارنة أو المفاضلة بين متغيرين تجريبيين.

·     تجارب المفاضلة بين أكثر من متغيرين تجريبيين في وقت واحد.

8. تحليل النتائج وتفسيرها : ويتم في هذه المرحلة جدولة النتائج، وهي الدرجات التي يحصل عليها المبحوثون في المتغير التابع ثم تخضع هذه البيانات للتحليل الاحصائي.

       والمنهج التجريبي عبارة عن اجراء بحثي فيه يقوم الباحث بخلق الموقف بما يتضمنه من شروط وظروف محددة، حيث يتحكم في بعض المتغيرات ويقوم بتحريك متغيرات أخرى، حتى يستطيع تبين تأثير هذه المتغيرات ويقوم بتحريك متغيرات أخرى، حتى يستطيع تبين تأثير هذه المتغيرات المستقلة على المتغيرات التابعة. أي ان المنهج التجريبي محاولة لتحديد العلاقة السببية بين متغيرات محددة .

       ومما تقدم نستطيع تعريف المنهج التجريبي :هو التغير المتعمد والمضبوط للشروط المحددة للواقعة أو الظاهرة التي تكون موضوع للدراسة، وملاحظة ما ينتج عن هذا التغير من آثار في هذا الواقع والظاهرة، أو هو ملاحظة تتم تحت ظروف مضبوطة لإثبات الفرضيات ومعرفة العلاقة السببية. ويقصد بالظروف المضبوطة إدخال المتغير التجريبي إلى الواقع وضبط تأثير المتغيرات الأخرى، أو بتعريف مختصر هو استخدام التجربة في إثبات الفرضيات، أو إثبات الفرضيات عن طريق التجريب.

       وللمنهج التجريبي أثر واضح في تقدم العلوم الطبيعية الذي يستطيع الباحث بواسطته أن يعرف أثر السبب المتغير (المستقل) على النتيجة (المتغير التابع). وعلى الرغم من النتائج الإيجابية التي أحرزها علماء السلوك من تطبيقهم للمنهج التجريبي إلا أن هنالك عقبات كثيرة لا تزال تقلل من أثره في تقدم العلوم السلوكية، ومن أهم هذه العقبات على الإطلاق تعقد الظاهرة الإنسانية وصعوبة ضبط المتغيرات ذات الأثر عليها مما يزيد بالتالي في صعوبة قياس اثر السبب على النتيجة، لذا لجأ علماء المنهجية للبحث عن منهج أكثر ملائمة للظاهرة الإنسانية فطبقوا المنهج الحقلي والذي يتطلب من الباحث معايشة الظاهرة المدروسة، لكن بالرغم من أن المنهج الحقلي يتميز بشمولية النظرة للمتغيرات ذات الأثر، إلا أنه لا يصلح ليكون بديلا عن المنهج التجريبي وذلك لعدم توافر ضبط المتغيرات من جانب، ولأنه يعني بالحاضر ودراسة الوقائع فقط دون محاولة لدراسة المستقبل وماذا يؤول إليه الأمر من جانب آخر.

 مميزات المنهج التجريبي :

·     يعتبر المنهج التجريبي بصفة عامة هو أكثر البحوث صلابة وصرامة.

·     القدرة على دعم العلاقات السببية.

·     التحكم في التأثيرات المتبادلة على المتغير التابع.

عيوب المنهج التجريبي :

·     يجرى التجريب في العادة على عينة محدودة من الأفراد وبذلك يصعب تعميم نتائج التجربة إلا إذا كانت العينة ممثلة للمجتمع الأصلي تمثيلاً دقيقاً.

 ·     التجربة لا تزود الباحث بمعلومات جديدة إنما يثبت بواسطتها معلومات معينة ويتأكد من علاقات معينة.

 ·          دقة النتائج تعتمد على الأدوات التي يستخدمها الباحث.

 ·     كذلك تتأثر دقة النتائج بمقدار دقة ضبط الباحث للعوامل المؤثرة علما بصعوبة ضبط العوامل المؤثرة خاصة في مجال الدراسات الإنسانية .

 ·     تتم التجارب في معظمها في ظروف صناعية بعيدة عن الظروف الطبيعية ولا شك أن الأفراد الذين يشعرون بأنهم يخضعون للتجربة قد يميلون إلى تعديل بعض استجاباتهم لهذه التجربة .

 ·          يواجه استخدام التجريب في دراسة الظواهر الإنسانية صعوبات أخلاقية وفنية وإدارية متعددة.


·           

 



آخر تعديل: الجمعة، 15 مارس 2024، 4:16 PM