المحور الثالث : مناهج البحث العلمي

تمهيد :

مناهج البحث العلمي هي عنصر أساسي في بناء المعرفة العلمية وتطوير المجتمع، فهي تساهم في توجيه الجهود البحثية نحو أهداف واضحة وتحقيق الاستدامة في عملية البحث. فالتمكن من المفاهيم والأسس الأساسية لهذه المناهج سيجعل الطالب الجامعي منهجياً في تفكيره وطروحاته وبحوثه، متخلصاً من الجمود الفكري ومتوجهاً نحو الإبداع والتجديد والنقد والتحليل الممنهج والمنظم ، مما يساهم بشكل كبير في تعزيز البحث العلمي وتحسين نوعية النتائج العلمية.

1.مفهوم المنهج :

لغة : عرفت القواميس اللغوية العربية مثل: (لسان العرب، القاموس المحيط، المعجم الوسيط) كلمة المنهج على أنها مأخوذة من (نهج) وجمعها منهاج بمعنى: الطريق الواضح. ويقال : نهج فلان الأمر نهجًا ، أي: أبانه وأوضحه ونهج الطريق : سلكه، وقد وردت في القرآن الكريم في سورة المائدة الآية 48 "لكل جعلنا شرعة ومنهاجاً" بمعنى الطريق الواضحة التي لا لبس فيها ولا غموض. ومن هنا يعرف المنهج العلمي بانه : خُطة منظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية بُغية الوصول إلى كشف حقيقة أو البرهنة عليها.

اصطلاحا :  فالمنهج العلمي  هو الطريق المؤدّي إلى الكشف عن الحقائق في العلوم المختلفة بوساطة مجموعة من القواعد والتي تهيمن على العقل وتحدد عملياته من أجل الوصول عن طريقه الى نتائج معلومة  ،فهو فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إمـا من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون جاهلين بها، إمـا مـن أجـل البرهنة عليها للآخرين حين نكون عارفين بها.

2.النشأة والتطوربحث الإنسان منذ بداية الخليقة عن أسـاليب أو طـرق يحـل بهـا المعضلات التي يواجهها، خاصة عن طريق المعـارف والمـدركات العقلية، وبصفة أساسية العلم، وسجلت بعض الأفكار المتنـاثرة مـن الحضارات القديمة كملامح منهجية، خاصـة مـا خلفتـه الحـضارة اليونانية من فكر فلسفي في القرن الثالث ق م، ولكن لم تترسخ هـذه الأفكار وترتفع إلى مستوى منهج علمي متميز، حتى جاءت الحضارة العربية الإسلامية، فأرست دعائم مناهج راسخة ومحددة فـي شـتى المعارف الإنسانية، وبرزت المنـاهج العلميـة فـي مئـات الكتـب والمخطوطات العربية، والتي عرفت أوج نشاطها بداية من منتـصف القرن السابع الميلادي حتى منتصف القرن الخامس عشر.

وجاءت النهضة الأوربية الحديثة لتضيف إلى هذه الثروة الموجـودة الشيء الجديد، فكان أول من كتب عن المناهج العلميـة فـي أوربـا المعاصرة ( فرنسيس بيكون ) سـنة 1620، حيـث كتـب " قواعـد المنهج"، تبعه الفيلسوف الفرنسي ( ديكارت ) سـنة 1637، وركـز كلاهما على المنهج الاستدلالي، ثم كتب ( جون لـوك) كتابـه فـي المناهج سنة 1690، ثم توالت البحوث والكتب في هذا الميدان.

3.خطوات المنهج العلمي : تتمثل خطوات المنهج العلمي فيما يأتي:

·     الشعور بالمشكلة (الإحساس بالمشكلة ) فالتفكير في حل المشكلة لا يبدأ من فراغ، إذ لابد من وجود مشكلة تدفع إلى التفكير في حلها، وينشأ هذا الشعور نتيجة العجز عن الوصول إلى حلول ذاتية عن المشكلة التي يواجهها أو نتيجة العجز عن تفسير حدث غير متوقع أو نتيجة الفضول لمعرفة الأسباب وراء ظاهرة ما.

·     تحديد وحصر المشكلة  : ويتم ذلك عن طريق . جمع البيانات والملاحظات المرتبطة بالمشكلة ثم يقوم بفحص هذه المعلومات لمعرفة درجة ملاءمتها لموقف المشكلة أو عدم ملاءمتها ، مستبعداً ما هو غير ملائم، ويبقى ما هو ملائم، ويؤدي هذا الإجراء إلى توضيح وتحديد المشكلة بشكل أكثر دقة مما يمهد الطريق إلى وضع فروض لحلها.

·     فرض الفرضيات (اقتراح حلول للمشكلة) : وهي خطوة يقوم فيها الباحث بتخمينات ذكية حول الحلول الممكنة للمشكلة، وتسمى هذه التخمينات الذكية بالفرضيات

·     اختبار صحة الفرضيات : وفي هذه الخطوة يختبر الباحث كل فرض، بأن يقوم من خلال إجراءات محددة بالبحث عن أدلة تثبت أن النتائج المترتبة على الفرض قد حدثت فعلاً أو ينفي حدوثها ، وبهذه العملية يعرف الباحث أي الفرضيات يتفق مع الحقائق الملاحظة ومن ثم يقدم أصدق إجابة للمشكلة، بعد استبعاد الفرضيات التي لا تتفق مع الحقائق الملاحظة.

·     الوصول إلى نتائج ( حلول للمشكلة) : وفي هذه الخطوة يتوصل الباحث الى نتائج البحث بعد اختبار صحة الفرضيات، حيث يرفض الباحث فرضاً ويقبل فرضاً آخر، أو قد يقبل جميع فروض بحثه، وبذلك يتوصل إلى حلول معينة حول مشكلة بحثه.

خصائص المنهج العلمي:

حتى تتضح الصورة في أذهاننا ونفهم حقيقة الأشياء، إذن الغاية من المنهج العلمي هي الفهم والكشف عن الحقيقة العلمية. وتختلف مناهج البحث وطرق البحث عن الحقيقة باختلاف المواضيع إلا أنها جميعا تتميز بكونها:

·     تمكن من احترام الموضوعية في انجاز البحوث.

·     تفترض أن العالم كون منظم لا توجد فيه نتيجة بدون سبب.

·     لا تعترف بالنتائج ما لم تكن مدعومة بالأدلة والبراهين.

·     تنطلق من الاعتقاد  بأن هناك تفسيرا طبيعيا لكل الظواهر الملاحظة.

·     تسمح بالتأكد من مناهج البحث، بمراقبة مدى سلامة احترام الخطوات والإجراء المعتمد من قبل الباحث.

4.تصنيفات مناهج: لقد اختلف الباحثون على تصنيف موحد لمناهج وأساليب البحث العلمي، وان كان هناك شبه اجماع على كثير من هذه الأنواع ، فقد صنف ماركيز (Marguis) مناهج البحث إلى ستة أنواع مختلفة هي: المنهج الأنثروبولوجي، ثم المنهج الفلسفي، ثم المنهج التاريخي، ثم المنهج التجريبي. بعد ذلك منهج دراسة الحالة، ثم منهج الدراسات المسحية.أما تصنيف جود وسكاتس: (Good and Scates) فإنه يقسم مناهج البحث إلي خمسة أنواع هي: المنهج الوصفي، ثم المنهج التاريخي، والمنهج التجريبي، ثم منهج دراسة الحالة، وأخيراً منهج دراسة النمو والتطور. وسنعتمد على التصنيف التالي :

1.4. مناهج البحث العلمي حسب معيار العقل

1.4. 1.المنهج الاستنباطي: هو ذلك المنهج الذي ينتقل الباحث بموجبه من قضية أو عدة قضايا مسلم بها إلى قضية أخرى، وذلك بالاعتماد على قواعد منطق من دون اللجوء إلى التجربة، كما يعرف بانتقال الباحث فيه من قضايا كلية إلى قضايا جزئية (من العام إلى الخاص)،كما يمكن أن يعرف على أنه ذلك المنهج الاستدلالي التنازلي الذي يعتمد على قاعدة تحليل كل-جزء من أجل الوصول إلى معرفة يقينية بشأن الظاهرة محل الدراسة و التحليل، ويتميز المنهج الاستنباطي بخصائص متفردة أبرزها:

·     أنه يقوم على قاعدة تحليل كل-جزء، حيث يتم دراسة الظاهرة انطلاقا من كلياتها وصولا إلى جزئياتها ومن عمومياتها إلى خصوصياتها

·     المنهج الاستنباطي منهج فلسفي مثالي إذ يقوم بدراسة الظاهرة كما يجب وليس كما هي في الواقع المعيش.

 ويستخدم المنهج الاستنباطي مجموعة من الأدوات منها:

 ·     البديهية: هي عبارة عن قضية أو قضايا واضحة بنفسها لا تحتاج إلى برهان، إذن هي واضحة في الذهن دون دليل أو برهان.

·     المسلمة: هي مجموعة من القضايا يضعها الباحث ويطلب منا التسليم بصحتها، وقد تكون المسلمة واضحة بالنسبة للعقل وقد تكون غير ذلك، وممكن أن تكون صحيحة أو غير ذلك، لأن الباحث لا يحاكم على صحتها وإنما عليه أن يبقى منسجما معها.

·     التعريفة: هي الحدود الجامعة لصفة المعرف المانعة لغيرها من الدخول في التعريف ،فمثلا: نعرف القران بأنه كلام الله )هنا هو تعريف جامع( وليس مانع من دخول عناصر أخرى مثل الكتب السماوية الأخرى: كالتوترات والإنجيل، ولكن لما نقول بأن القران الكريم هو كلام الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون هنا تعريف مانعا لدخول عناصر أخرى في التعريف.

·     القياس: هو عملية عقلية تنطلق من وجود الإشراك بين مقدمتين للوصول إلى نتيجة ما.

 مثال: القضية أ تستلزم القضية" ب "  و القضية ب تستلزم القضية" ج"

إذن نستنج أن القضية أ تستلزم القضية ج.

1.4. 2 .المنهج الاستقرائي: هو الحكم عن الكل بما يوجد في جزئيته جميعا أو بعض أجزائه أي الانتقال من الخاص إلى العام، إذ يتمثل في  تلك الطريقة العلمية الاستدلالية التصاعدية التي تعتمد على قاعدة تحليل جزء–كل والتي يقوم بها الباحث من أجل الوصول إلى المعرفة اليقينية بشأن الظاهرة موضوع الدراسة والتحليل.ونميز بين نوعين من الاستقراء:

·     الاستقراء التام أو الكامل: هو الذي يقوم على الحصر الكامل لجميع أفراد الظاهرة موضوع البحث ( دراسة خاصة لكل فرد من أفراد المجموعة).

·     الاستقراء الناقص: وهو يقوم على الانتقال من دراسة عينة من أفراد الظاهرة إلى إطلاق الحكم العام على جميع أفراد الظاهرة ( قد يكون لاعتبارات تتعلق بالوقت أو التكلفة).

خطوات المنهج الاستقرائي :

·     تحديد الظاهرة موضوع الدراسة والتحليل.

·     وضع احتمالات بشأنها.

·     التحقيق وجمع المعلومات حول الظاهرة مع ترتيبها وتنظيمها.

·     الكشف عن النتائج المتوصل إليها.



Modifié le: vendredi 15 mars 2024, 16:18