مفهوم العملية الإرشادية والعناصر المكونة لها
تمثل العملية الإرشادية الجانب التطبيقي لعملية الإرشاد النفسي وبدونها يصبح الإرشاد مجرد نصائح
وتوجيهات لا طائل منها،فعند دخول المرشد مع مسترشده في علاقة إرشادية لابد أن تتم عملية الإرشاد
النفسي وفق خطوات ومراحل منظمة ومدروسة.
1- مفهوم العملية الإرشادية: يقصد بالعملية أن يكون هناك تتابع معروف من الأحداث التي تقع
عبر الزمن،وعادة ما تشتمل العملية على مراحل متتابعة.والعملية الإرشادية هي الخطوات المتتابعة
التي يعمل فيها المرشد مع المسترشد ابتداء من إحالة المسترشد إليه حتى إقفال الحالة والتحقق من
الوصول إلى أهداف الإرشاد.(الشناوي ،1996،ص 18).
2- خصائص العملية الإرشادية: تتميز العملية الإرشادية بمجموعة من الخصائص التي توضح
معالمها وتميزها عن غيرها من أساليب التدخل وهي:
- إن الإرشاد عملية تتميز بالتفاعل بين المرشد والمسترشد يتحمل فيها كل منهما لدوره ومسؤوليته في
إنجاز الأهداف وإحداث التغيير المنشود.
- إن أساس نجاح العملية الإرشادية يعتمد بدرجة كبيرة على العلاقة الإرشادية التي أساسها التقبل
والاحترام وحق المسترشد في التعبير عن أفكاره ومشاعره ومراعاة ظروفه وقدراته وإمكاناته
الشخصية والبيئية.
- إن الهدف من العملية الإرشادية هو اكتشاف جوانب القوة في شخصية المسترشد وبيئته والاستفادة
منها في إنجاز أهداف العملية الإرشادية وإحداث التغيير المطلوب.
- إن العملية الإرشادية عملية مهنية تتطلب شخصا مؤهلا يمتلك المعرفة بالسلوك الإنساني وأساليب
التغيير والخبرة والمهارة التي تساعده في أداء عمله بصورة صحيحة.
- إن العملية الإرشادية تتم من خلال علاقة الوجه لوجه نظرا لما تتيحه هذه العلاقة من فرص لكل من
المرشد والمسترشد لفهم بعضهما بعضا ودراسة المشكلة بدقة والوقوف على السلوك اللفظي وغير
اللفظي لكل منهما والاتفاق على جميع عمليات الإرشاد ورسم الأهداف ومن ثم تحقيقها.
- إن التدخل الإرشادي يعطي أهمية بالغة لقيم ومبادئ وعادات ومعتقدات المجتمع الذي يتم فيه،كما
يراعي الثقافة الفرعية للمسترشد (أبو عباة ونيازي،2000،ص 20).
3- عناصر العملية الإرشادية: قبل البدء في عملية التكفل بموضوع المسترشد،يجب الاهتمام
بالتعرف على ظروفه،ومشاكله،والضغوطات التي يعاني منها،كما لا ننسى ظروفه المدرسية،وطبيعة
قدراته الفكرية.بعد التخطيط والاهتمام بهذه العناصر،يجدر بالمرشد التقيد بجمع المعلومات الضرورية
للعملية الإرشادية على النحو الآتي:
أ- معلومات أولية:الاسم،السن،العنوان الشخصي،المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمسترشد.
ب- المشكلة التي يعاني منها المسترشد: تشخيص مسبق،والتطلع إذا ما كان قد عالج هذه
المشكلة من قبل،
ج- البيانات الأسرية: معلومات حول الأسرة والصراعات أو التوترات التي تعرفها الأسرة،ونوع
المعاملة الوالدية المتواجدة فيها،والإهمال والتسلط الوالدي،
د- التاريخ التطوري والشخصي للمسترشد: يمثل العوامل التي أثرت في العميل منذ طفولته،
وإذا ما قد عانى من مشاكل عضوية أثناء ولادته،وإذا سبق له أن تعرض لأمراض في كل من مرحلة
الطفولة والمراهقة،وكذلك الاحباطات والخبرات السيئة التي كان قد تأثر بها.
ه- المسار التعليمي: ويشمل نظرته للمدرسة،والمشاكل التي يعاني منها في محيطه المدرسي،ومدى
تكيفه بالمدرسة،ونوع تحصيله،وطبيعة علاقاته بالمدرسة.
و- قدراته العقلية: يقصد بها مستواه الفكري ونسبة ذكائه،و استعداداته الفكرية،
ز- السمات الشخصية: منها ميله للعنف،والسيطرة وكذلك طريقته في الاستجابة للمنبهات،
ك- الصفات الجسدية:وهي مشاكله الصحية،وصورته عن جسده وكذلك نوع الإعاقة إذا وجدت
لديه.
فالإرشاد يتطرق بقدر المستطاع للعديد من العوامل التي يرى أنها ذات صلة بمشكلة المسترشد،ولا
يستطيع المرشد الإجابة على تساؤلاته المرتبطة بموضوع الحالة التي تقصده بهدف الإرشاد إلا إذا
توفرت لديه المعطيات الكافية عن المسترشد(فرشان،2010،ص 58).ولا يتم هذا إلا في حالة حصوله
على هذه المعلومات من العديد من المصادر والمتمثلة في
* العميل: يحصل المرشد على المعلومات من المسترشد في كل ما له علاقة بمشاعره،و الصراعات
التي يتعرض لها،والكشف عن استجاباته المختلفة.
* الأسرة: يتحصل المرشد على معلومات تخص طبيعة العلاقات المتواجدة بالأسرة،و المشاكل التي
يتعرض لها الابن وكل الأشياء التي يرى المرشد أنها ستفيده في الإرشاد،
* الأصدقاء: يجمع المرشد بعض المعلومات التي يجدها لدى الأصدقاء،وخاصة تلك التي لها علاقة
بالجانب الوجداني،أو الصراعات داخل المدرسة كالتي تحدث بينه وبين زملائه،أو بينه وبين مدرسيه.
*المحيط المدرسي: يتمثل ذلك في طلب المساعدة من طرف المدرسين أو المدير لتزويد المرشد
بمعلومات خاصة بحياته داخل المحيط المدرسي.أما فيما يخص الأدوات التي يستعين بها المرشد لجمع
هذه المعلومات،فهي تتراوح بين التقارير المدرسية،أو استجواب الوالدين، والملاحظة، كما يلجأ لتقنية
دراسة الحالة،والسجل الشخصي،والاختبارات،دون أن ننسى المقابلة الإرشادية،وأسلوب اللعب
(فرشان لويزة، 2010،ص 59).
4- مراحل العملية الإرشادية: يذكرأبو عباة ونيازي(2000،ص 70)أن العملية الإرشادية تمر
بمجموعة من المراحل التي ينبغي على المرشد أن يتعامل معها بطريقة فنية مهنية سليمة. ويختلف
الباحثون في عدد ومسميات هذه المراحل وذلك باختلاف توجهاتهم النظرية،ومجال ممارساتهم.سنعرض
هذه المراحل ونوضح أهم العمليات والمهام والأعمال المرتبطة بكل مرحلة فيمايلي:
1.4- مرحلة التأسيس والإعداد:وهي المرحلة الأولى من مراحل العمل الإرشادي التي نعتقد أن
نجاح العملية الإرشادية يعتمد بدرجة كبيرة على قدرة ومهارة المرشد في القيام بعملياتها بشكل سليم،
حيث تبدأ هذه المرحلة باستعداد المرشد نفسيا ومعلوماتيا وفيزيقيا للدخول في العملية الإرشادية،ونقصد
بالاستعداد النفسي خلو المرشد من العوامل النفسية التي قد تشتت انتباهه وتحول بينه وبين تقبل
المسترشد،أما الاستعداد المعلوماتي فيتطلب تزود المرشد ببعض المعلومات الأولية عن المسترشد
وحالته والتي قد تفيده في عملية الإعداد،وأخيرا فإن الاستعداد الفيزيقي يستلزم إعداد مكان المقابلة
وتهيئته والتخلص من كل ما يعيق أو يشتت انتباه المرشد والمسترشد.وتتضمن هذه المرحلة العمليات
التالية:
- الترحيب بالمسترشد والسماح له بالجلوس.
- قيام المرشد بالتعريف بنفسه ودوره وما يمكن أن يقدمه للمسترشد من خدمات.
- إتاحة الفرصة للمسترشد للتعريف بنفسه وبيان سبب زيارته للمرشد.
- توضيح أهداف العملية الإرشادية وأساليبها بطريقة موجزة ومفهومة.
- توضيح القواعد المنظمة للعمل الإرشادي حيث يركز المرشد الحديث على(السرية،الالتزام بحضور
الجلسات في مواعيدها،الجدية وتحمل المسؤولية من الطرفان).
2.4- المرحلة الثانية: بناء العلاقة: تعتبر العلاقة المهنية المحور الأساس الذي ترتكز عليه العملية
الإرشادية حيث يرى(الشناوي،1996) أنه ما لم تنشأ علاقة إرشادية صحيحة،فإنه لن ينجح المرشد
في جهوده الإرشادية،وأن العلاقة إذا استوفت شروطا معينة كالتقبل والمشاركة والأصالة من جانب
المرشد،وإذا أدرك المسترشد هذه الشروط إدراكا صحيحا فإن العمل الإرشادي سيسير على خير
وجه.ولعل أهم العوامل التي تسهم في تكوين العلاقة المهنية مايلي:
- الفردية: معاملة المسترشد كشخص له خصوصيته وسماته الخاصة وظروفه المميزة له عن
الآخرين.
- التقبل: وإشعار المسترشد بالقبول بكل ما فيه من حسنات وعيوب وقبول مشكلته.
- التوجيه الذاتي: إتاحة الفرصة للمسترشد لممارسة حريته كإنسان يملك حقه في الاختيار و تقرير
المصير.
- التعبير الهادف عن المشاعر: إتاحة الفرصة للمسترشد للتعبير الحر عن مشاعره الحبيسة
وخاصة السلبية منها والمشاعر العدوانية والمؤلمة حتى يتحرر منها.
- التعامل الوجداني المتزن:الاستجابة الصادقة لمشاعر المسترشد وتعاطف المرشد معها.
- تجنب الإدانة: عدم إدانة المسترشد على أفعاله وسلوكياته غير المرغوبة.
- السرية: حفظ أسراره الخاصة ما لم يكن هناك خطر على المسترشد أو المجتمع.
3.4- مرحلة تحديد المشكلة: تعتبر هذه المرحلة من العمليات الأساسية في عملية المساعدة حيث
يقوم المرشد بسؤال المسترشد عن مشكلته التي تتطلب وصفا دقيقا وشرحا مفصلا لجوانب مختلفة في
حياة المسترشد،كما تتطلب الحصول على معلومات دقيقة عن الأوضاع الصحية والاقتصادية
والاجتماعية والعلاقات الشخصية والحالة النفسية أو العاطفية للمسترشد ومشاعره(الخوف،الغضب،
الحزن) ومعلومات قد لا يرغب المسترشد في الإدلاء بها(كالإدمان والصراعات الأسرية).
(أبو عباة ونيازي،2000،ص 79).
ويرى(Wolberg,1954) ضرورة قيام المرشد باستخدام أسلوب الملاحظة للتعرف على شخصية
المسترشد من خلال مظهره وطريقة مشيته وتعبيرات وجهه وحماسه؛أي ملاحظة المرشد للتعبيرات
اللفظية وغير اللفظية الصادرة عن المسترشد ومدلولاتها.
ويرى(Blackham,1977) أن عملية تحديد المشكلة تتطلب من المرشد القيام بتحديد الأمور
الرئيسية التي تشغل ذهن المسترشد(المشكلة)، ثم تحديد أهم نقطة تشغل باله إلى جانب تحديد طبيعة
المشكلة التي تواجهه(جسمية،دراسية،مشكلة عدم القدرة على الاختيار..)
- البدء في تحديد العوامل والمتغيرات التي يمكن أن تسهم في التأثير وتحديد الصعوبات التي تواجه
المسترشد.
4.4- مرحلة تحديد الأهداف: يقوم المسترشد بتحديد أهداف عملية التدخل بمساعدة المرشد،وينبغي
أن تعكس هذه الأهداف حاجات المسترشد وما يريد أن يحققه من عملية التدخل،وتحديد الخطوات
العملية التي ينبغي القيام بها لتحقيق الأهداف المقترحة مع تحديد المدة الزمنية اللازمة لإنجاز كل
خطوة،حيث يرى (Blackham,1977) أن أهداف العملية الإرشادية لا يقوم بوضعها المرشد
بمفرده،ولكن ينبغي أن يقوم بعملية توجيه وتحديد الأهداف والعمل مع المسترشد على ذلك.كما أن
عملية تحديد الأهداف تتضمن مجموعة من الأنشطة المترابطة نلخصها فيمايلي:
- قيام المسترشد بتحديد أهدافه،والمرشد باقتراح أهدافه واختيار المناسب منها.
- تحديد الأهداف بدقة،وتحديد درجة أو حجم التغيير المرغوب من جانب المسترشد.
- تحديد مدى واقعية الأهداف وإمكانية إنجازها،ومناقشة الايجابيات والسلبيات المرتبطة بهذه الأهداف.
- مساعدة المسترشد لاختيار أهداف معينة والالتزام والتعهد بالعمل على إنجازها.
- ترتيب الأهداف حسب أولوياتها بالنسبة للمسترشد.(أبو عباة ونيازي،2000،ص 90).
5.4- مرحلة اختيار أساليب التدخل: يقوم المرشد باختيار أساليب التدخل المناسبة،حيث يستخدم
المرشدون أساليب مختلفة لتحقيق أهداف العملية الإرشادية كالإرشاد الفردي أو الجماعي،لعب الأدوار
والتدريب على الاسترخاء.ومن بين الأساليب التدخلية التي يستخدمها المرشد في العملية الإرشادية
مايلي:
أ-الأساليب المعرفية العقلية: التي تستلزم المعرفة كالمساعدة في تحديد الصعوبات التي تواجه
المسترشد،وتفسير وتوضيح السلوكيات الصادرة عنه ونتائجها،وتوضيح المشاعر والانفعالات.
ب- الأساليب العملية أو الفعلية: التي تستلزم الفعل وهذا النوع من الأساليب يرتبط مباشرة بعملية
مساعدة المسترشد في حل مشكلته ومنها:
- حث المسترشد على التحدث والتعبير عن آرائه وأفكاره ومشاعره إلى الحد الذي يسمح
بفهمها(المسترشد:نعم،ولكن....يقف عن الحديث،المرشد:ولكن ماذا؟أكمل).
- المشاركة الوجدانية (المرشد:لقد مررت بنفس تجربتك وشعرت بنفس الشعور عندما....).
- استخراج المشاعر وإتاحة الفرصة للتعبير عنها مثل:كيف كان شعورك بعدما...
6.4- مرحلة التطبيق: يتم فيها تعليم المسترشد سلوكيات جديدة،واتخاذ القرارات،وتحويل الخطط
إلى أفعال،مساعدته للتعبير عن مشاعره الايجابية والسلبية كما يعلمها،توضيح وتأكيد حاجات
المسترشد وحقوقه ومطالبه،مناقشته في الصعوبات التي تواجهه ومحاولة العمل معه للتغلب عليها.
7.4- مرحلة إنهاء العمل الإرشادي: حيث يصل المرشد إلى قرار بشأن إنهاء العمل مع
المسترشد في الحالات التالية:
- تحقيق وإنجاز أهداف العملية الإرشادية.
- طلب المسترشد إنهاء العمل الإرشادي أو رفضه الاستمرار في العمل الإرشادي(المقاومة)
- وصول المرشد لحدود علمه وقدرته مع المسترشد ورغبته في إحالته إلى جهة أخرى متخصصة
حيث تقتضي ظروف المسترشد وحالته ذلك(أبو عباة ونيازي،2000،ص 107).
8.4- مرحلة المتابعة:هي المرحلة الأخيرة من العمل الإرشادي تتضمن تتبع مدى تحسن حالة
المسترشد وما تم إنجازه من حلول وقرارات.تهدف هذه المرحلة إلى معرفة مدى استفادة المسترشد من
خبرة الإرشاد.وتعتبر المتابعة ضرورية حيث أن المسترشد يحتاج إلى المزيد من المساعدة والتشجيع
بين الحين والآخر،وذلك لمنع احتمال الانتكاس بسبب البيئة الاجتماعية.وهناك مجموعة من الوسائل
يستخدمها المرشد في متابعة المسترشد مثل: الاتصال هاتفيا أو بالبريد الالكتروني أو المقابلة الشخصية
وقد يتم استخدام التقارير الذاتية التي يكتبها المسترشد عن تطور حالته.وقد تتم عملية المتابعة عن
طريق الأهل أو المؤسسة التي يلتحق بها المسترشد وذلك بعد أخذ موافقته (صالح،2013،ص 94).