تنقسم الأديان إلى ':

1-أديان وحيانية: وهي الأديان التي تؤسس على الإيمانبوجود سبيل غير معتاد للتواصل بين اللهوالإنسان, أو بين الله وخلقهعموماء يدعى: الوحي.

2-أديان غير وحيانية: وهي الأديان التي لا تكترثلظاهرة الوحي في تأسيسهاء ولا تجد محورية للخطاب الإلهيالمباشر في رسم هويتها وتفاصيلها.

ومما يجدر التنبيه إليه: أن هنالك محاولات لجر القسمالأول وإدراجه تحت القسم الثاني» أي أنهامحاولات لتفسير الدينعموماً باعتباره ظاهرة لا ربط لها بالخطاب الإلهي المباشر معالإنسان» ويوجداتجاه' ينظر إلى ظاهرة الوحي بنفس نظرته إلى

المعتاد من الأفكار والرؤى.

وفي مقام التقد نقول: إن على هذا الاتجاه أن يكون واضحاًتماما في تبيان مقاصده من هذه العبارات وأمثالها؛ لأن مثل هذاالكلام يحتمل تفسيرين:

1- أن عملية تلقبي الوحي باعتباره خطاباً إلهياً مباشراً لاتتيسر إلا لإنسان قد يلغ منزلة رفيعة من العبقرية الخارقة وعلو الهمةوتسامي النفسء ممالا ينال إلا لمن تسامى إلى مقام النبوةوالقداسة. وهذا الكلام يوافق عليه أصحاب الديانات الوحيانية؛ إذهم كما نرى يعتبرون النبي أو القديس إنساناًاستثنائياً عن جدارة»ستحق أن يحبى بالخطاب الوحياني.

-١‏ إن عملية تلقي الوحي تحصل لهؤلاء العباقرة, لكن لاباعتبارها خطاباً إلهياً مباشراًء بل باعتبارها حالة من الإلهامالمخصوص.ء رقي ذهني متفوق يفتح أمام الإنسان النافذة لأنيتبصر ويستنتج ما لا يتبصر به ويستنتجه الآخرون. وعلى هذا لايختلف النبي في واقعه عن كل مبدع أبدع عن إلهام وتفاعل معكوامن نفسه وشعوره. لا يختلف إلا بشدة هذا الإلهام. وأيضابالنتائج والآثار التي تتولد عنه؛ وغير ذلك ممالا يصلح كمعيارللتمييز الجوهري بين هذين الشكلين من الإلهام. 

بالنتائج والآثار التي تتولد عنه؛ وغير ذلك ممالا يصلح كمعيارللتمييز الجوهري بين هذين الشكلين من الإلهام.

ومن الواضح أن هذا التفسير للوحي لا يُرتضى من قبلأصحاب الديانات الوحيانية؛ لأنه يفرغ مغزى الوحي من محتواهبنظرهم. فالوحي عندهم بالدرجة الأساس: نوع من العناية الإلهيةوالترفق من الرب بعبده أن يتوه في حيرة السبل المتشابكة» لذا هوينير له السبيل القويم والصراط المستقيم؛ ويدعوه لأن يسلكه إليههويحمله على ذلك بالوعد والوعيد؛ لأن الله قد قدر لعبده أن يبلغمراتب من الرفعة؛ من المحال أن تنال إلا بالاختيار (ويد القدرة لاتنال الممتنع بالذات؛ لا لعجز في الفاعل بل لضعف في القابل.

فأعظم الفنانين مثلا لا يملك أن يرسم دائرة مثلثة؛ ليس لنقصوقصور في موهبته؛ بل لأن الدائرة المثلشة أمر مستحيل وممتنعبالذات).

فالواقع أن هذا التفسير للوحي ما هو إلا دعوة للدياناتالوحيانية إلى أن تتنازل عن هويتها وتنخرط تحت الديانات غيرالوحيانية. وهذا تحريف جوهري في الديانة وقلب لماهيتها رأساًعلى عقب لا ترتضيه الديانات في العادة إلا إذا تنازلت عن كلالأسس التي أسست عليها. والأهم من ذلك: أن هذا التفسير لم يقمعلى استدلال منهجي محكم؛ لأنه ينطلق من ملاحظة البشر عموماًودراسة ظواهر النبوغ والتفاعل الباطني والإلهام الإبداعي عندهم»

دون أن تكون نتاج الخبرة المعاشة؛ في حين يظهر التحليل النفسيأن لدى أي شخص أفكار ومفاهيم يصعب تفسير أصلها تجريبياءومن الصعب البرهنة عليها إلا بالتأكيد على أنها طبيعية أو أصليةلدى الإنسان. أو أنها من جانبها عناصر إيمان. كتمثلات اللهوالروح والحرية الحاضرة في الوعي الإنساني في مختلف الخبراتالدينية. وبما أن هذه الأفكار هي نتاج إدراك ظرفي فإنه يصعبالبرهنة عليهاء وهذا المفهوم لهذه المثالية المتعالية لم ينفك عنقيادة أوتو في تحليلاته للظاهرة الدينية. فالعالم المحيط هو صورةلعالم آخر يتعذر على الإنسان إدراكه بصورة إيجابية: ولكنه معذلك يتواجد جراء طبيعته المتعالية: فهل ان تلك الإدراكاتالظرفية تحضر بصورة سلبية لأنها حادثة جراء نشاط ذهني وليدإدراك حسي؟ إن وعي الزمن المتسلسل وتواريه اللامعرّض هوالذي يمنح الإنسان وعي الخلود والأزلية لإله متعال؛ إنها نسبيةالأمور الإنسانية التي تفرض عليه الإيمان بالمطلق الإلهي. فياشيء مبهم يرسسم حد المعرفة العقلية في الفضاء الديني. «فالذينهو خبرة الخفي» يتحقق عندما ينفتح الإحساس على مؤثراتالحقيقة الأزلية التي تظهر عبر حجب الزمني. هنالك إذاً الحقيقةالتي في عمق أي معرفة وأي تخيل صوفي وهناك أسس التنصوففي الدين )520 من الجلي في المرحلة الأولى منتفكير أوتو أنالقبل ديني لا تتيّسر معرفته إلا بواسطة الإيمان ولا تتسنىالإحاطة به إلا من خلال المعرفة كإدراك متعال. ولأجل تكوينمعرفة بالمقدّس فإن الحدس الديني وشيء من التهيؤ لذلكضروريء لأجل الحضور التصوري المسبق للدين في وعيالإنسان.

علم الاجتماع الوضعي

يعرّف كونت الدين في الجزء الرابع من كتابه: «دروس فيالفلسفة الوضعية» 1839 كموقف عقليء. كشكل من التواجد».ك نحالة لاهوتية» متجانسة مع إحدى المراحل الإنسانية؛ والتيليست سوى مواصلة للتمظهرات العقلية والمؤسساتية لخطابالإنسان حول الله: للوغوس حول التيوسء منطقياً فإن أي دين لايزيد على كونه تجميعاً لتصورات إنسانية مختلفة عن المقدّسء فهويشكل أحد أنماط وعي التاريخ الإنساني. إذ يبين كونت أن هذاالإله ليس مدركاً إلا باعتباره العلة الأولى. وعبر تمعن فيه هو ليسسوى إسقاط لأحاسيس الإنسان على وجوده الخاصء وإذا مااستطعنا علمياً تبيان أن فكرة العلة الأولى ليست سوى خداع: فإنالله وأي نوع من الدين سيعرف الانقراض بسبب زيف المعنى وعدمالصحة. فالفلسفة الوضعية التي تحلل علمياً سلوكات الإنسانسوف تحرره من تلك «الحالة اللاهوتية» التي لا تنتج إلا تفسيراتخاطثة للوقائع المرثية التي تبقى متعذرة التفسير. إننا نعرف أنه بعيدعشر سنوات تقريباً انتهى هذا المشروع المهم لتأسيس ديانة جديدةشعارها «الحب مبدأ والنظام قاعدة والتقدم هدف». حتى للفلاسفةيظهر القدر أحياناً بعض وجوه الدعابة» منذ تلك اللحظة غيَّر كونتنظريته الدينية» مقترحاً على المجتمع مية» ليس الدين فيهاتلك «الحالة الذاتية واللاعقلية' التي شهّر بها في 1839م: ولكنهحالة سوية تتوافق مع الوجود الجماعي للبشرية.

ولانه موضوعياً ليس بالإمكان تواجد الأفراد إلا ضمنالمجتمع؛ حدّد كونت الواقعة الاجتماعية داخل سياقها التاريخيتحت رؤيتين أساسيتين: انسجامها مع الظواهر المتتاكفةوتسلسلهما مع المراحل السابقة واللاحقة للتطور الإنساني».فنستطيع اعتبار بدئه في تطبيق هذا المبدأ التحليلي في دراسةالظواهر الدينية التي اكتشف أهميتها بداية من سنة 1848م. ومعذلك لم يضع كونت قواعد علم اجتماع ديني حقيقي؛ رغم رغبتهفي تكييف ملاحظاته مع تقنيات العلوم الصحيحة. وكما أوضحجليّاً ب. أربوسباستيد”*” »لم يوفق كونت إلا في تشكيل تفسيرديني للمجتمع؛ باعتبار أن علم الاجتماع لديه أولاً وتحديداء علمللفهم يسمح بإرساء ترابط أو نوع من الوحدة بين الأفرادوالمؤسسات والشعائر. إنه من الجلي بشكل آخرء أن دعوتهكمؤسس لديانة وضعية كونية قد حجبت عنه بعض الأشكال

اللأمعقول ف المقذس

لم تجار المرحلة الأخيرة المتولّدة عن تيار الفلسفة الألمانيةالمضادة للعقلانية المقصدّ المتحمّسٌ للمسعى السوسيولوجي فيالتعامل مع الوقائع الدينية. كان التخطي بفضل رودولف أوتو(1937-1860م). فقد أستقبل عمله خاصة في الأوساطالبروتستانتية والجامعية الألمانية» كتحرير لتاريخ الأديان منالروابط التي تمنعه من الانبناء كعلم مستقل. لقد كان تأثير فكرهعميقا وواسعاء ويبدو من المهم التحليل المدقق لمسيرته الفكريةوتوضيح حدود مساهمته في مبحثنا .

لقد اعتبر أوتو دائماً بمثابة تلميذ شلايرماخرء فهو كسلفه يرىأن الدين لصيق بكل تجذر بالذهنية الإنسانية. ومن اللازم خوضعملية تحليلية ذات طابع نفسي حتى يتم العثور على النقطة الخفيةالتي يتم بمقتضاها معانقة الإلهي. وفي هذه العملية التحليليةللمقدّس يرتكز أوتو على منهج المعرفة القبلية لفريس وأبلت»وهما فيلسوفان ولاهوتيان من أتباع الكانطية المحدثة كان لهمابالغ الأثر عليه. فمع هذه المدرسة التي كوّنت العديد مناللاهوتيين البروتستانت التحرريين تعتبر المعرفة الموضوعية تجريبيةومستقلة عن الخبرة. فالمعرفة الذاتية هي وليدة الخبرة الداخلية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


Last modified: Saturday, 10 December 2022, 2:43 PM