الإرهاصات الأولي لعلم الكيمياء
تحديد المصطلح
لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول أصل كلمة "كيمياء" فالبعض يري أن أصلها مشتق من الكلمة اليونانية "شيما" والتي تعني سبك أو صهر المعادن، في حين يذهب البعض الأخر إلى أن للكلمة أصل مصري قديم ويقصد بها الصنعة ذات الطابع السري وفيها معني الرخاء و الغني، والبعض الأخر أنها كلمة مأخوذة من كلمة "شم" ويقصد بها الأرض السوداء أو الحرق، وهي مشتقة من كلمة "كم"بمعني سواد لونه، وحورت الكلمة في عهد البطالمة فأصبحت chemis أو chymes .
وجاء في لسان العرب لأبن منظور أن الكلمة ترجع إلى فعل "كمي" يكمي" أي ستر و أخفى. واستخدم عند علماء العرب بكلمة "كيمياء" وانتقلت إلى أوروبا بالاسم نفسه، واستخدمها الفيزيائي الكيميائي "سير روبرت بويل" لكنه أراد التفرقة بين كلمة كيمياء و التي كان يعمل بها السحرة و الكيمياء ذات الطابع العلمي، فالأصل يقال alchemy وتعني السيمياء بالعربية، وأقترح كلمة chemistry للنوع الثاني وهي الكلمة المستخدمة إلي الإنجليزية إلى الآن[1].
2 -معني علم الكيمياء:
هو"العلم الذى يدرس المادة والتغيُّرات التى تطرأ عليها بدراسة خواصها وبنيتها وتركيبها وسلوكها وتفاعلاتها وما تحدثه من خلالها، ويدرس علم الكيمياء الذرات والروابط التي تحدث بينها مكونةً الجزيئات وكيف تترابط هذه الجزيئات فيما بينها لتُكوّن المادة، ويدرس التفاعلات التي تحدث بينها"[2].
إن الدراسة الفلسفية للظاهرة الكيميائية تستدعي تقسيم الدراسة إلى قسمين أول تحديد المفاهيم المستعملة في المادة الكيميائية، ثانياً البعد الإبستمولوجي للدراسة الكيميائية بمعني التطرق للجانب المعرفي واستخدام الأساليب الفلسفية من نقد وتأويل.
3 -المادة الكيمائية عناصرها ومكوناتها:
من المتعارف عليه أن كل المواد تتكون من ذرات تشكل عناصر الأساسية للمادة ومن بين هذه العناصر الهيدروجين والأكسجين، فالذرات هي بمثابة اللبنات البنائية للمركبات و من تم الوحدات الأساسية للتحليل الكميائي. بحيث يتم التعرف عن العناصر الأساسية لمكونات هذا البناء وما هي التفاعلات التي تحدث بداخله.
لكن السؤال المطروح، ما مميزات العنصر وكيف يمكن التعرف عليه؟
- العنصر هو مادة توجد في حالة منعزلة، ولا تقبل التحليل إلى ما هو ابسط وتشكل نهاية التحليل بحيث أن المكون المادي يمكن التعرف عليه من خلال الكشف على عناصره. وهذا التعريف للعنصر يتعلق بالجانب التجريبي يتم عن طريق إجراء خطوات معملية. فهذه العناصر لا يمكن فصلها إلى ما هو أبسط وهذا الاعتقاد ساد النظام الأرسطي والذي يعرف بنهاية التحليل.
اما التفسير الثاني فهو تفسير نظري القائل بأن العنصر مادة تتكون من مواد مركبة وهي تشكل المكونات الفعلية للأجسام المركبة.
ظل التصور الأرسطي الذي يعرف بفرضية نهاية التحليل هو السائد، حيث اعتقد أرسطو أن العناصر هي الوحدات البنائية للمواد الكيمائية وهذا ما سوف نوضحه.
4 -التصور اليوناني للكيمياء:
إن الإرهاصات الأولي للبحث في المادة ومكوناتها بدأت مع الفلاسفة الطبيعيين اليونان في بحثهم عن أصل الكون حيث أكد رائد المدرسة الأيونية "طاليس" أن أصل الكون الماء منه تبدأ الموجودات و إليه يكون مصيرها، فالماء هو العلة الأولى وراء خلق العالم له تغيرات مختلفة (سائل-غازي-صلب) في حين يذهب "أناكسيمنس" إلى التأكيد على أن أصل الكون يعود إلى الهواء فهو الجوهر التي تعود إليه جميع الأشياء، فهو عندما يتخلخل يصبح نارا و عندما يتكاثف يضير رياحاً وعندما يتلبد يصبح سحباً، وبالتالي هو قابل لتغيرات عدة. بينما "هراقليطس" يري أن أصل الكون النار فهي النموذج الأمثل للصراع بين جميع الموجودات، فهو سبب التغيير و مبدأ الحركة، فطبيعة النار الاحتراق والاحتراق تغير، فالماء يتحول إلى بخار بفضل الحرارة. ويري "أكزينوفانوس" أن أصل الكون هو التراب[3]. وفي ظل هذا الاختلاف وضع أمبذوقليس نظريته في العناصر الأربعة فرد الموجودات إلى الماء و الهواء و التراب و النار.
اعتمد أرسطو على هذه العناصر في تفسيراته لمكونات المادة، فالنار يابسة وحارة، والماء رطب و بارد والهواء حار ورطب، والتراب بارد ويابس، فافترض أرسطو أن الأجسام التي من خصائصها السيولة و البرودة يكون عنصرها الماء، والأجسام التي م خصائصها اليبوسة والحرارة يكون عنصرها النار، وهذه العناصر كلها يمكن أن تتفاعل وتنشأ الجسام ويتحول بعضها إلى بعض.
ومع أن أرسطو لم يهتم بالتجريب إلا أن استدلالاته القائمة على الملاحظة كانت تمثل تطبيقا للمنطق الاستقرائي، وكانت لها جاذبيتها الحدسية التي تفوق جاذبية الاستدلال الاستنباطي، لا سيما حين تنطبق هذه الاستدلالات على الظواهر الطبيعية، وبذلك فإن شرح أرسطو لعناصر المادة وإن كانت ذات طابع نظري يغلب عليه الإبهام فإنها تمثل مرحلة الطفولة لعلم الكيمياء[4].
5 -كيف صنف أرسطو العناصر البنائية للمواد:
صنفها إلى قسمين عناصر ذات الدرجات العالية وعناصر ذات درجات متوسطة، فالعناصر ذات الدرجات العالية تتحدد بالرطوبة و الحرارة بينما المواد غير العنصرية التي تحتوي على عناصر تركيبية تتحدد بدرجات متوسطة بين الحرارة و الرطوبة.
وبناءا على هذا التميز استخلص أرسطو نظرية العناصرية لحساب تعدد خواص المواد فمثلاً عند التمييز بين السوائل و المواد الصلبة يكون عن طريق ملاحظة الخواص المختلفة لخاصيتين مميزتين و هما الجفاف و الرطوبة، فالرطوبة قابلة للتكيف من حيث الشكل و لا يمكن تحديدها بأي شكل من تلقاء نفسها بينما الجفاف قابل للتحديد من تلقاء نفسه من حيث الشكل فالأجسام الصلبة لديها شكل و حجم بينما السوائل لديها حجم فقط.
كما ميز أرسطو بين السوائل و الغازات التي ليس لها حجم وعلل أرسطو ذلك من خلال خاصية الماء و الهواء فالبرودة تجعل الماء سائلاً و السخونة تجعل الهواء غازا.
يري أرسطو أن العمل الكيميائي يقتصر بالدرجة الأولى على مجموعة من التحولات، فالخليط الصحيح ينتج عندما يتم إحضار مواد ذات كميات قابلة للمقارنة لإنتاج مواد أخرى تسمى مركبات وعليه فإن المواد التي نراها ونصادفها هي عبارة عن مركبات، وتلك المواد لها خاصية تحضيرها من مكونات أخرى.
وهذه العملية قام بها علماء الكيمياء الحديثة، افترض أرسطو انه يمكن الحصول على مكونات الأصلية بمزيد من التحولات، فيمكن الحصول على الماء و الملح من البحر.
من هنا يوضح أرسطو أن العنصر يلعب دور في الأجسام المركبة، فهو يؤكد على أن الأجسام المركبة تتركب من أجسام أقل بساطة (العناصر)، لكن تلك الأجسام أو الكتل البسيطة موجودة في كل المركبات. ويري أرسطو أن وجود العناصر في المركبات افتراضي وليس فعلي وهذا راجع لسببين.
السبب الأول: راجع للحساسية بين المواد بحيث أن المادة الأصلية تغيرت بسبب المركب الجديد الذي تكون، وهذه المركبات تكونت عند معادلة المتضادات أو المواد المختلفة وإنتاج) مرحلة أو حالة وسيطة فعلي مثل البرودة والحرارة.
السبب الثاني:التجانس بحيث أن حالة حدوث التكوين يجب أن يكون المركب موحدا ما يعني أن كل جزء من هذا المركب متشابه فأي جزء من الماء هو الماء.
يري أرسطو أن كل المواد النقية هي متجانسة وتتكون من أربعة عناصر (النار الماء التراب الهواء)هذه المكونات الأربعة ليست موجودة فعليا في المواد ولكن من المحتمل وجودها، هذا الوجود المحتمل من الممكن أن يظهر عن طريق مزيد من التحليل والتحولات[5].
[1] - صالح عثمان، "الصلة بين الفلسفة والكيمياء" من كتاب نحو فلسفة الكيمياء، منشأة المعرف ، الإسكندرية (ب ط) 2003،ص 3-4.
[2] -نقلاً عن مصطفي إبرهيم، فلسفة الكيمياء الجزء الأول المواد العناصر و التركيب الكيميائي، موقع العلوم الحقيقية.
[3] - بيتر كونزمان و أخرون، أطلس الفلسفة، المكتبة الشرقية، تر د جورج كتورة، ط 1، 2001م، ص .31
[4] - صالح عثمان، "الصلة بين الفلسفة والكيمياء" مرجع سابق، ص 12.
-[5] نقلاً عن مصطفي إبرهيم، فلسفة الكيمياء الجزء الأول المواد العناصر و التركيب الكيميائي، موقع العلوم الحقيقية.