يتفق المشتغلون بالتوجيه والإرشاد النفسي على أن المرشد بحاجة كبيرة للتعرف على النظريات التي

يقوم عليها الإرشاد وذلك يعود لأهميتها في الممارسة المهنية لعملية الإرشاد،حيث تعد كل نظرية من

نظريات الإرشاد بمثابة أداة ودليل يستخدمه المرشد وفقا لطبيعة حال المسترشد ونوع مشكلته،

والنظرية من خلال تعريف Lendzey and Hall "هي خلاصة من الاصطلاحات وجدت من قبل

الباحثين،وهي مجموعة من الافتراضات المنظمة بطريقة مترابطة،والنظرية للمرشد بمثابة خارطة أو

بوصلة يميز عن طريقها بين السلوك السوي وغير السوي".

وتتبلور أهمية النظرية في الإرشاد  في الآتي:

- توجيه سلوك المرشد ومساعدته على فهم المسترشد.

- تقدم مقترحات تحكم العلاقة الإرشادية القائمة بين المرشد والمسترشد.

- تزود الباحث بإطار نظري يفيد في تحديد الأبعاد والعلاقات التي يجب أن يدرسها.

- تدريب المرشدين وتوعيتهم بالإجراءات التي من الممكن اللجوء إليها في معالجة كل حالة.

- تساعد المرشد في التعرف على استراتيجيات العلاج التي يتبناها.(الحريري والإمامي،2010،ص

67).وعليه

يمكن عرض أهم نظريات الإرشاد النفسي فيمايلي:

أولا: نظرية التحليل النفسي:(S.Freud (1872-1933:

يعتبر سيجموند فرويد أول مؤسس لهذه النظرية التي تعد من أهم النظريات وأبرزها في مجال

الدراسات النفسية،حيث رأى فرويد أن التحليل النفسي عبارة عن عملية يتم من خلالها استكشاف

ماضي وخبرات اللاشعور من أحداث مؤلمة وذكريات غير سارة فضلا عن الصراعات والانفعالات

الشديدة التي تؤدي في النهاية إلى الاضطراب النفسي وأن التحليل هو استدراج هذه الخبرات المؤلمة

من منطقة اللاشعور إلى ساحة الشعور عن طريق التعبير الحر التلقائي والتنفيس الانفعالي ومساعدة

المريض على حل مشكلاته(العبادية،2018،ص 65).ترى هذه النظرية بأن الوعي الإنساني

يصنف إلى ثلاث مستويات هي:

الشعور،ما قبل الشعور واللاشعور،وتركز النظرية على تحويل الأفكار والعواطف اللاشعورية

إلى شعورية حتى يعيدها المسترشد ويعدلها،وينطلق مؤسس النظرية من الجنس والعدوان كعاملين

وحيدين عن جميع المشكلات النفسية كالعصاب مثلا أن الإنسان عدواني وشهواني،كما ركز على

أثر الغرائز في السلوك الإنساني خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الإنسان،والتي سماها

خبرات الطفولة،واعتبرتها النظرية المقرر الأكبر في تطور حياة الطفل المستقبلية(بن نجمة،2016،

ص40).

1- المفاهيم الأساسية في نظرية التحليل النفسي: يشمل التحليل النفسي المرتبط بإسهامات

فرويد على العديد من المفاهيم،و فيمايلي عرض وتوضيح لبعض هذه المفاهيم:

1.1- الشعور: منطقة الوعي الكامل والاتصال بالعالم الخارجي.

2.1- اللاشعور: يُكون معظم الجهاز النفسي،يحوي ماهو كامن وليس متاحا ومن الصعب استدعاؤه

أي ماهو مكبوت،يقول فرويد أن المكبوتات تسعى إلى الخروج من اللاشعور إلى الشعور في الأحلام

وفي أعراض الأمراض النفسية.

3.1- ما قبل الشعور: يحتوي على ماهو كامن وليس في الشعور ولكنه متاح ويسهل استدعاؤه إلى

الشعور مثل الذكريات (زهران،1998،ص 67).

4.1- الغريزة (Instinct):هي قوة تفترض وجودها وراء التوترات المتأصلة في حاجات الكائن

الحي وتمثل مطالب الجسم في الحياة النفسية،هدفها القضاء على التوتر،والموضوع الذي تتناوله يعتبر

الأداة التي بواسطتها تحقق الإشباع.توجد عدة أنواع من الغرائز وهي غريزة الحياة وغريزة الموت

وهناك صراع دائم بين الغريزتين والسلوك يكون مزيجا إما بالتوفيق أو التعارض من الغريزتين وإذا

حصل أي فساد في المزيج بين الغريزتين يؤدي إلى اضطراب السلوك.(المعروف،2012،ص 50).

5.1- الكبت (Répression): هو حيلة دفاعية تستخدمها الأنا لمنع الأفكار المثيرة للقلق من

الوصول إلى الشعور وقد تكون هذه الأفكار جزءا فطريا من الهو،وقد تكون ذكريات لخبرات مؤلمة

حدثت خلال حياة الفرد(أبو أسعد،دت،ص 130).

6.1- التثبيت :(Fixation): يحدث عندما يثبت ويستقر النضج النفسي- الجنسي- في مستوى

معين،ويظهر التثبيت على شكل قلق لدى الفرد(في مرحلة لاحقة من مراحل النمو) بشخص أو موضوع

يثبت فيه تعلقه السابق المتكون لديه في مرحلة الطفولة بشكل خاص (أبو زعيزع،2011،ص 17).

2- بنية الشخصية: يفترض فرويد أن الشخصية تتكون من ثلاثة أنظمة لكل مكون خصائصه

ومميزاته إلا أنها في النهاية تُكون وحدة واحدة تمثل شخصية الفرد وذلك من خلال تفاعل هذه الأنظمة

مع بعضها البعض وهي:                                       

الهو (ID)يعتبر منبع الطاقة الحيوية والنفسية ومستودع الغرائز والدوافع الفطرية التي تسعى إلى

الإشباع في أي صورة وبأي ثمن وهو الصورة البدائية للشخصية قبل أن يتناولها المجتمع بالتهذيب.

الأنا(Ego):مركز الشعور والإدراك الحسي الداخلي والخارجي والعمليات العقلية والمتكفل بالدفاع

عن الشخصية وتوافقها وحل

الصراع بين مطالب الهو وبين مطالب الأنا الأعلى وبين الواقع،ولذلك فهو محرك منفذ للشخصية

ويعمل في ضوء مبدأ الواقع من أجل حفظ وتحقيق الذات والتوافق الاجتماعي.

 الأنا الأعلى(Super Ego): مستودع المثاليات والأخلاقيات والضمير والمعايير والقيم الاجتماعية

والقيم الدينية،ويعتبر بمثابة سلطة داخلية أو رقيب نفسي(زهران،1998،ص 66).  

3- النظرة إلى السلوك المضطرب: هناك مجموعة من العوامل تؤدي إلى ظهور السلوك

العصابي(المضطرب) وهذه العوامل هي:                                                

أ- العوامل البيولوجية: حيث أن الفرد يعاني من (العجز والاعتمادية)،ونتيجة لذلك يتولد القلق لدى

الفرد من فقدان المصدر الذي يعتمد عليه،وينتج عن ذلك حاجة الفرد لأن يكون محبوبا،وهذه الحاجة لا

تختفي.  

ب- العامل النشوئي النوعي: المقصود به النوع الإنساني،خلال مراحل النمو الجنسي توجد فترة

انقطاع(أو اضطراب) وهي مرحلة الكمون،فالفرد في المراحل التي تسبق مرحلة الكمون ينظر

للرغبات الجنسية على أنها محرمة،ويميل إلى كبتها،لذا يكون الخوف من أن يتبع الفرد نفس الأسلوب

في مرحلة المراهقة،وأن يكبت رغباته الجنسية.                             

ج- العامل النفسي: ينمو السلوك العصابي عندما يكون هناك صراعات داخلية نفسية بين الدوافع

(عادة الجنسية) وبين الخوف من متطلبات الواقع والمجتمع،وكنتيجة لذلك لا يتم إشباع هذه الدوافع،

وعندما لا يتم إطلاق الطاقة الجنسية للدافع،الدافع نفسه يجب أن يكبت،ومع ذلك عملية الكبت تستخرج

الدافع لاشعوريا،حيث أنها تبدد طاقتها وكنتيجة لذلك،تظهر الطاقة المحبوسة للدافع المكبوت وتثور

كعرض عصابي.                                  

  الصراع بين دوافع الهو ومتطلبات الأنا الأعلى ودفاعات الأنا،يطور حالة من القلق وعندما لا يستطيع

الأنا التحكم بالقلق عن طريق وسائل عقلانية مباشرة،يلجأ إلى استخدام الوسائل الدفاعية،وفي حالة

سوء استخدام هذه الوسائل أو المغالاة في استخدامها،فقد تؤدي إلى الإضرار بالفرد بسبب استحواذها

على معظم الطاقة النفسية لديه،مما يعيقه على تأدية وظائفه الأخرى(بن نجمة،2016،ص 40).وبالتالي

فإن ظهور السلوك العصابي يكون بسبب عدم التوازن بين الدوافع التي تتطلب إطلاق،وبين القوى

الديناميكية(المتغيرة) والتي وظيفتها ضبط تلك الدوافع،فعندما يكون من غير المستطاع تحمل هذه

الدوافع على المستوى الشعوري،ومن غير الممكن الدفاع عنها،فليس أمام الأنا سوى تشكيل الأعراض

العصابية،والهدف الأولي للسلوك العصابي هو تقليل التوتر أو التناقض(أبو زعيزع،2011،ص 34).

4- تطبيقات عملية للتحليل النفسي في الإرشاد: من بين خطوات التحليل النفسي التي تدخل

ضمن الخطوات العامة في عملية الإرشاد النفسي مايلي:                           

- العلاقة الإرشادية بين المرشد والمسترشد يسودها التقبل والتفاعل الاجتماعي السليم. 

- التفريغ الانفعالي(التطهير): للمواد المكبوتة سواء كانت حوادث أو خبرات أو دوافع أو

صراعات بمصاحباتها الانفعالية بما يؤدي إلى اختفاء أعراض العصاب.        

- التداعي الحر: للكشف عن المواد المكبوتة في اللاشعور عن طريق إطلاق العنان بحرية للأفكار

والخواطر والاتجاهات والصراعات والرغبات والإحساسات مع الاستفادة من فلتات اللسان و زلات

القلم (زهران،1998،ص67).  

- التفسير: يقوم المرشد بتفسير المحتويات النفسية(الشعورية واللاشعورية) التي ترد خلال العلاقة

الإرشادية عن طريق التداعي الحر فقد تكون أفكار أو أخيلة،ذكريات،هفوات،انفعالات أحاسيس أو

عواطف،فالتفسير يتضمن توضيح ما لم يكن مفهوما للمسترشد بأسلوب جديد ولغة يفهمها المسترشد

(كامل سهير،2000،ص 94).   

- يقوم المرشد بتعليم المريض بناء العادات المطلوبة تدريجيا و إعادة تعليمه وتوجيهه.    

- إعادة بناء التوازن بين أركان الشخصية وحل الصراعات وإعادة غرس الإيمان ومعرفة هدف الحياة

للمريض وأسلوب حياته وتنمية مفهوم موجب عن الذات.                     

- تقليل حدة القلق وتكوين الإرادة الإيجابية.                                              

- علاج البيئة والوسط الاجتماعي (الفرخ وتيم،1999،ص 69).                              

5- تقييم نظرية التحليل النفسي: التحليل النفسي كنظرية وكطريقة علاج له مزايا أهمها: 

- قدم فرويد أول نظرية شاملة في الشخصية،بين أهمية الانفعالات في حياة الإنسان وكيفية التنفيس في

العلاج،كذلك تطويره لطريقة التداعي الحر،واكتشافه لظاهرة التحويل تعتبران من الانجازات الهامة

لفرويد(أبو زعيزع،2011،ص51).   

- اهتمامه بعلاج أسباب المشكلات والاضطرابات.

- تناول الجوانب الشعورية واللاشعورية في الحياة النفسية للمريض.

- اهتمامه بالسنوات الأولى من حياة العميل.

و مع ذلك فقد لاقى هذا الاتجاه معارضة ونقدا شديدين خاصة في ميدان الإرشاد النفسي، على أساس:

- هناك اختلافات نظرية ومنهجية بين طريقة التحليل النفسي الكلاسيكي وبين طرق التحليل النفسي

الحديث.                                                                        

- أن التحليل النفسي يهتم بالمرضى والمضطربين أكثر من اهتمامه بالأسوياء والعاديين.  

- أنه عملية طويلة وشاقة ومكلفة في الوقت والجهد والمال ويحتاج إلى خبرة واسعة وتدريب (زهران

حامد،1998،ص 70).

- بالغ فرويد في تأكيده على مبدأ الحتمية ودور العوامل الوراثية والبيولوجية في النمو الإنساني.

Modifié le: samedi 14 janvier 2023, 20:59