علاقة الإبستمولوجيا بفروع المعرفة الأخري
1- نظرية المعرفة و الإبستومولوجيا:
"تبحث نظرية المعرفة في مبادئ المعرفة الإنسانية و طبيعتها ومصدرها وحدودها و في الصلة بين الذات المدركة و الموضوع المدرك"[1]، كما "تناقش الأفكار المتعلقة بأشكال و مناهج المعرفة و الحقيقة ووسائل بلوغها"[2].تهتم "نظرية المعرفة بجميع أنواع المعارف دون تخصيص أو بالأصح على قدرتنا العارفة مهما كان الموضوع المعروف"[3].فهي ذات طابع بحث شمولي، ورغم أن الدراسات مند اليونان اهتمت بنظرية المعرفة لكن الميلاد الرسمي لها كان مع المشروع الكانطي، في نقد العقل بحيث أراد كانط أن يتطرق و بالخصوص إلى مشكلة المعرفة و هو ما يقابل في تاريخ الفكر الفلسفي مشكلة الوجود و مشكلة القيم، والمعروف أن هذا المشكل يبحث في وسائل المعرفة و تحديد الموضوعات التي تنطبق عليها تلك الوسائل لتقويم صلاحية المعرفة وتأسيسها.
فنظرية المعرفة تبحث في إمكانية معرفة الذات للموضوع، وتهتم بجميع أنواع المعارف دون تخصيص،أو على الأصح بقدرتنا العارفة مهما كان الموضوع المعروف وإن هي أثبتت تلك الإمكانية تبحث في أدواتها ثم في حدودها و مدى صلاحياتها، إنها تبحث في طبيعة المعرفة ووسيلتها ثم في قيمتها. فهي تهتم بجميع أنواع المعارف دون تخصيص.بينما الإبستومولوجيا تتعرض لنوع خاص من المعارف هو المعرفة العلمية، وفي ظل هذا التمييز بين الإبستمولوجيا و نظرية المعرفة يمكن أن نميز بين موقفين مختلفين
الموقف الأول: وهو موقف المفكرين الفرنسيين وعلى رأسهم أندري لالاند الذي مييزبين نظرية المعرفة والإبستومولوجيا فالعلاقة بينهما هي علاقة بين النوع و الجنس فالإبستمولوجيا هي نوع من نظرية المعرفة تقف عند البحث في صورة خاصة من المعرفة، وهي المعرفة العلمية مجالها العلم وفلسفة العلم بينما تبحث نظرية المعرفة في المبادئ المعرفة بصفة عامة فهي تبحث في جميع أنواع المعارف دون تخصيص ومجالها البحث الفلسفي.
الموقف الثاني: يمثل هذا الموقف لوي روجيه l.Rougier)) ممثل الوضعية الجديدة في فرنسا. بحيث يعترف هؤلاء بمعرفة واحدة وهي المعرفة العلمية ويرفض كل ما عداه من معارف، فعند الحديث عن الإبستومولوجيا هو نفسه حديث عن نظرية المعرفة، لأن المعرفة ممكن فقط في المعرفة العلمية، ويرفض كل ما عداه من المعارف.وبالتالي لا يوجد هناك حركة انتقال من نظرية المعرفة إلى الإبستومولوجيا لآن المعرف السابقة ليست علمية، بل المعرفة الحق هي تلك التي تبحث في قضايا العلم.
2-الإبستومولوجيا و تاريخ العلم:
من المتعارف عليه أن التاريخ بصفة عامة يهتم بدراسة الحوادث الماضية البارزة في تاريخ البشرية فهو يهتم بقيام الدولة و الحضارات و كيفية أفولها كما يهتم بتمجيد الشخصيات البارزة التي غيرت مجري التاريخ، لكن عند الحديث عن تاريخ العلم يبقي الأمر محدودا وهذا راجع لاهتمام الدراسات العلمية بشؤون المستقبل و ليس الماضي. إذ يقول هيذجر " إن العلم لا يفكر في ذاته"بمعنى أنه لا يعني كثيرا بذاكرته و لا يلتفت إلى ماضيه بل هو يتجه دائما صوب المستقبل معتمدا على الخصائص المنطقية و التجريبية ليندفع إلى التقدم و الكشف، فلم تكن علاقة العلم بتاريخه مماثلة لعلاقة الكيانات الحضارية الأخرى بتاريخها"[4].
لكن مع التغيرات و التطورات التي عرفها العلم في القرن العشرين و التي أدت إلى إعادة تشكيل الكثير من مقولات العقل في النظر إلى الواقع،بحيث أصبح من الضروري تتبع التطورات العلمية و التنقيب على أبعادها التاريخية، وهذا البحث من مهام فلسفة العلم، حيث أصبحت "تتكفل بالتفكير في ذات العلم، ومنهجه و منطقه وخصائص المعرفة العلمية وشروطها، يعني بصورة عامة التفكير في الإبستومولوجيا، أي نظرية المعرفة العلمية ثم العلاقة بينها و بين المتغيرات المعرفية الأخرى و العوامل الحضارية المختلفة"[5] هنا بدأ الاهتمام بتاريخ العلم باعتباره التاريخ الحقيقي للإنسان وصلب قصة تطوره وتحضره فهو السجل الرسمي لإمكانيات العقل في الطبيعة و العالم، فهو تاريخ تقدم المدنية والأشكال الحضارية و الأساليب الفنية التي يصطنعها الإنسان للتعامل مع البيئة.
وعليه فإن كان العلم لا يهتم بماضيه فإن فلسفة العلم لا تتخلي عن الأبعاد التاريخية للظاهرة العلمية، فالدراسات في فلسفة العلم تستدعي بالضرورة حضور الوعي التاريخي لفهم التطورات التي عرفها العلم، من هنا بدا واضحا أن كلا الطرفين تاريخ العلم و فلسفة العلم في حاجة إلى التفاعل العميق بينهما إذ يقول جان دومريه" إن الإبستومولوجيا تقدم العون الأساسي في التعريف الحقيقي لنشاط تاريخ العلم، و تاريخ العلم بدوره ليس مجرد ذاكرة العلم بل هو مختبره الإبستمولوجي" و يقول إمري لا كاتوس " فلسفة العلم من دون تاريخه خواء، وتاريخ العلم من دون فلسفته عماء".
3-الإبستومولوجيا و الميثودولوجيا:
علم المناهج هو العلم الذي يبحث في مناهج البحث و الطرق العلمية التي يكتشفها و يستخدمها العلماء الباحثون من أجل الوصول إلى المعرفة ألحقه، و هو أحد فروع المنطق،فالمناهج التحليلية والتركيبية والاستقرائية و الإستنتاجية المستخدمة في العلوم بمختلف أنواعها هي موضوع دراسة لعلم المناهج. ومن هنا فالميتودولوجيا تقتصِّر على دراسة المناهج العِلمية دراسة وصفية تحليلية، لبيان مراحل عملية الكشف العلمي، و طبيعة العلاقة التي تقوم بين الفكر و الواقع خلال هذه العملية.فحين تتناول الإبستومولوجيا كما عرفها لالاند بالدراسة و النّقد مبادئ مُختلف العلوم وفروضها و نتائجها، لتحديد قيمتها و حصيلتها الموضوعية ـــ فالإبستومولوجيا هي نظرية في المعرفة العلمية بصفة عامة، وتعد الميتودولوجيا إحدى المواضيع ا أساسية التي تهتم بها الإبستومولوجيا سواء على مستوي التحليل أو على مستوي النقدي لأن من جملة ما تتناوله بالطرح النقدي يتعلق بالمناهج العلمية ذاتها. وفي هذا الصّدد يَرَى '' جون بياجي'' أنّ ــــ التّفكير الابستيمولوجي يولَدُ دائِماً بِسبب "أزمات" هذا العِلْم أو ذاك، أزمات تنشأ بِسَبب خطأ في المناهِج السابقة و تُعالَج باكتشاف مناهِج جديدة. ــــ هكذا يُمْكِن القول أنّ ــــ الأبستمولوجيا ميتودولوجيا من الدرجة الثانية.
[2] - الموسوعة الفلسفية المختصرة نقلها عن الإنجليزية فؤاد كمال –جلال العشري-عبد الرشيد صادق، دار القلم، بيروت دون تاريخ ص475-476
[3] - عبد السلام بنعبد العالي/سالم يفوت، درس الإبستمولوجيا، سلسلة المعرفة الفلسفية، الطبعة الأولى، 1985، ص8.
[4] - يمني طريف الخولي، فلسفة العلم في القرن العشرين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة 1، 2009م، ص19.
[5] - المرجع نفسه، ص20.