الأسس التي يقوم عليها الإرشاد النفسي
تعتبر أسس الإرشاد النفسي بمثابة مبادئ ومرتكزات العمل الإرشادي التي يجب أن يُلم بها
المرشدون و يتخذون منها منهجا وقاعدة ينطلقون من خلالها أثناء ممارستهم اليومية لعملهم الإرشادي،
حيث أن هذه الأسس تسهل على المرشد فهم عملية الإرشاد وتقديم خدماتها ضمن برامج وخطط عمل
واضحة تقوم على أسس واضحة،وخلافا لذلك يكون عمل المرشد النفسي عشوائيا ومتخبطا وبالتالي لا
تأتي العملية الإرشادية ثمارها.وتنطلق الأسس التي يقوم عليها الإرشاد النفسي من عدد من المسلمات
الخاصة بالسلوك الإنساني وطبيعته وخصائصه المتفردة.
1- الأسس والمبادئ العامة: هي مجموعة الأسس التي لابد أن يُلم بها المرشد النفسي وهذه
الأسس تكاد تكون مشتركة مع جميع التخصصات السيكولوجية التطبيقية،حيث تتمثل أهم الأسس التي
ذكرها علماء الصحة النفسية والإرشاد النفسي فيمايلي:
- السلوك الإنساني ثابت ويمكن التنبؤ به: السلوك الإنساني في جملته مكتسب متعلم من خلال
عملية التنشئة الاجتماعية والتربية والتعليم،وهو يكتسب صفة الثبات النسبي الذي يمكن التنبؤ به.
والمرشد النفسي يقوم بتعديل سلوك مسترشده بعد أن يكون درس أوضاعه واستنتج أسلوب حياته
ومشكلاته وأحاط بمعايير النمو في الشخصية العادية لديه.
- مرونة السلوك الإنساني:إن مبدأ الثبات النسبي للشخصية بكافة أبعادها لا يعني جمود الشخصية
والسلوك وعدم قابليتها للتعديل والتغيير.فبالرغم من خاصية الثبات النسبي للسلوك فإنه بمقدور المرشد
تعديل السلوك الإنساني سواء كان ظاهرا كتعديل الاستجابات التجنبية(الخوف الاجتماعي)أو كان
سلوكا داخليا خفيا كالأفكار والانفعالات ومفهوم الذات،فمثل هذه السلوكيات الداخلية والخارجية وإن
كانت ثابتة نسبيا إلا أنها تتصف بخاصية المرونة والقابلية للتعديل.
- السلوك الإنساني فردي-جماعي:السلوك الإنساني فردي اجتماعي مهما بدا فرديا بحتا أو
اجتماعيا خالصا فسلوك الإنسان وهو وحده يبدو فيه تأثير الجماعة،وسلوكه وهو مع الجماعة تبدو فيه
آثار شخصيته وفرديته.
- استعداد الفرد ورغبته في الإرشاد:الفرد العادي يكون لديه استبصار بحالته ويدرك حاجته إلى
الإرشاد ويسعى إليه برضا واختيار،وهذا يتضمن وجود الدافعية والإرادة والرغبة في التغيير،وهو ما
يعتبر أساسا هاما تقوم عليه عملية الإرشاد، فنحن لا نستطيع أن نقدم شيئا للإنسان ولا يتقبله أو ليس
مستعدا لأن يتقبله (زهران حامد،1998،ص 37).
- حق الفرد في التوجيه والإرشاد:لكل فرد في المجتمع الحق في الحصول على المساعدة
الإرشادية وأن تقدم له المعونة اللازمة للتغلب على مشكلاته، فهو حق لكل من يمر بمراحل حرجة
ولمن يتعرض لمشكلات شخصية أو تربوية أو مهنية أو زوجية أو أسرية (النعيم،2008،ص 18).
- حق الفرد في تقرير مصيره: للفرد الحق في حرية الاختيار،وحرية اتخاذ القرارات،وحق تقرير
المصير،دون إجبار أو إكراه من أحد.فالإرشاد ليس إصدار أوامر أو مواعظ،وليس تقديم حلولا أو
خطط جاهزة،ولكنه عملية مساعدة تتيح الفرصة للفرد أن يتعلم كيف يحل مشكلاته بالطريقة التي يراها
مناسبة.وهناك قاعدة أساسية وهي أنه " ليس هناك من هو أعرف بالفرد من نفسه ".
- تقبل المسترشد: يقوم الإرشاد النفسي على أساس تقبل المرشد للمسترشد كما هو بدون شرط وبلا
حدود،وهذا أمر ضروري لتحقيق العلاقة الإرشادية الطيبة المطلوبة؛والأساس هنا هو تقبل المسترشد
ككل مهما كان سلوكه،وليس تقبل كل سلوكه أيا كان مليحه بقبيحه،فتقبل المسترشد شيء،وتقبل سلوكه
شيء آخر،على المرشد أن لا يقبل سلوك المسترشد الشاذ،ولكنه يساعده على تغييره،فتقبل السلوك
السوي مقبول،أما تقبل السلوك غير السوي قد يفسره المسترشد على أنه تشجيع لمثل هذا السلوك وهذا
مرفوض في عملية الإرشاد.
- استمرار عملية الإرشاد:عملية الإرشاد عملية مستمرة متتابعة من الطفولة إلى الكهولة،ففي
الطفولة يقوم بها الوالدان،وفي المدرسة يقوم بها المرشد أو المعلم المرشد.وهكذا في الحياة حين تطرأ
المشكلات،يسعى الفرد للإرشاد لدى مرشد متخصص.
- الدين ركن أساسي في عملية الإرشاد: الدين عنصر أساسي في عملية الإرشاد،حيث أن
المعتقدات الدينية لكل من المرشد والمسترشد هامة وأساسية لأنها تعتبر ضوابط للسلوك ومعايير
مقدسة محددة له وتؤثر في العلاقة الإرشادية (زهران،1998،ص39)
2 - الأسس الأخلاقية: الإرشاد مهنة لها دستورها الأخلاقي فقد حددت جمعية علم النفس الأمريكية
(APA) مجموعة من المبادئ الأخلاقية التي تلزم المرشد النفسي التقيد بها أثناء ممارسته لعملية
الإرشاد ومن أهمها مايلي:
* الإعداد العلمي والفني للمرشد: لابد أن يقدم الخدمات الإرشادية مرشدا متخصصا في الإرشاد
النفسي و مؤهلا بالمعرفة النفسية المتخصصة و مزودا بالخبرات والمهارات اللازمة في العمل
الإرشادي.(صالح،2013،ص 19).
* الترخيص: شرط أساسي لممارسة الإرشاد النفسي وتحمل مسؤولياته،أي أنه لابد أن يكون من
يقوم بعملية الإرشاد مؤهلا علميا وعمليا ومرخصا له بهذا العمل من قبل الجهات العلمية والرسمية.
* سرية المعلومات: السرية مطلوبة من المرشد وحق للمسترشد،فالمرشد مسؤول مسؤولية تامة عن
المحافظة على أسرار مسترشده،وليس له الحق في تسجيلها أو البوح بها لأي جهة كانت إلا بعد
استئذان المسترشد وموافقته،لأن سرية المعلومات من أخلاقيات العمل الإرشادي.
* العلاقة المهنية: لابد أن تكون العلاقة بين المرشد والمسترشد علاقة مهنية في إطار محدد من
المعايير الاجتماعية،الدينية،الأخلاقية والقانونية المعروفة حتى يجد المسترشد فيها خبرة حقيقية لعلاقة
أخلاقية نظيفة مع إنسان آخر،وينبغي ألا تتطور العلاقة المهنية إلى أي نوع آخر من العلاقات.
* العمل كفريق: يقوم بعملية الإرشاد فريق متكامل متعاون من الأخصائيين مثل المرشد النفسي
والطبيب النفسي والأخصائي الاجتماعي وغيرهم،بحيث يتيح ذلك تقديم الخدمات المتخصصة من كافة
النواحي حتى يحقق الهدف المرجو من الإرشاد.
* الإحالة: على المرشد إحالة المسترشد إلى أخصائي آخر إذا تطلب الأمر بمجرد إدراك الحاجة إلى
ذلك،كأن تكون الحالة ليست من اختصاصه أو ليست في حدود إمكاناته أو تحتاج إلى الاستعانة
بأخصائي آخر،وذلك حفاظا على مصلحة كل من المرشد والمسترشد.(زهران حامد،1998،ص 42).
3- الأسس النفسية: ترتكز عملية الإرشاد على مجموعة من الأسس النفسية والتربوية من أبرزها
مراعاة مطالب النمو وإشباع حاجات الأفراد في كل مرحلة من مراحل نموهم،فمطالب النمو في
الطفولة تختلف عن مطالب النمو في المراهقة،هذا إلى جانب مراعاة الفروق الفردية بين الأفراد التي
لها أهميتها في هذا المجال،ذلك أن كل شخص يدرك ذاته بطريقة تختلف عن إدراك الآخرين لها،كما أن
عملية الإرشاد ليست واحدة لكلا الجنسين،نظرا لوجود فروق واضحة بينهم في الجوانب الجسمية
والفسيولوجية والنفسية والاجتماعية،والتي تعود أصلا إلى عوامل بيولوجية وعوامل التنشئة الاجتماعية
التي تبرز هذه الفروق أو تقلل من شأنها،فالفروق لها أهميتها ولا سيما في ميدان الإرشاد التربوي
والمهني والاجتماعي.
4- الأسس التربوية: الإرشاد هو عملية مساندة لعملية التعليم والتعلم،حيث أن عملية الإرشاد
تعطي العملية التربوية دفعا لتجعلها أكثر فاعلية، كما أن عملية الإرشاد يمكن أن يستفاد منها في تطوير
المناهج وطرق التدريس عن طريق التأكيد على تحقيق التكيف الفردي والاجتماعي للتلاميذ (الحريري
والإمامي،2010،ص 31).
5- الأسس الاجتماعية: كل فرد لابد أن يعيش في واقع اجتماعي له معايير وقيم وكيان اجتماعي
يؤثر فيه ويتأثر به،علاوة على تأثر سلوكه وشخصيته وميوله واتجاهاته فهو يتأثر بالجماعات التي
ينتمي إليها ويرجع إليها في تقييم سلوكه الاجتماعي،فالجماعة المرجعية تؤثر على سلوك الفرد والتي
يلعب فيها أحب الأدوار الاجتماعية إلى نفسه وهو يشارك أعضاءها واقعهم وميولهم واهتماماتهم
وقيمهم ومن هنا لابد للمرشد أن يأخذ في اعتباره ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها المسترشد وما تتسم
به من سمات ومالها من عادات وتقاليد حتى يتسنى له فهم دوافع سلوكه(حمري،2012،ص 78).
6- الأسس العصبية والفسيولوجية: من أساسيات العملية الإرشادية إلمام المرشد بقدر مناسب
من الثقافة الطبية عن تكوين الجسم ووظائفه وعلاقة هذه الوظائف بالسلوك،فالإنسان جسم ونفس وكل
منهما يؤثر في الآخر،فالخوف يؤدي إلى تسارع دقات القلب،والأمراض العضوية تؤدي إلى الحزن
والقلق،ولدى انفعال الفرد يتأثر الجهاز اللاإرادي فتظهر الاضطرابات السيكوسوماتية كاحتجاج
لاشعوري،وإذا زادت درجة الانفعال تتحول عن طريق الجهاز العصبي المركزي إلى اضطرابات
وأعراض جسمية واضحة نتيجة خلل في أعصاب الحس فيحدث ما يسمى بالهستيريا العضوية مثل
فقدان الذاكرة الهستيري،الشلل والتشنج،ولذلك ينبغي على المرشد أن ينتبه إلى دوافع ومسببات غضب
المسترشد،ومحاولة مساعدته في التخلص منه قبل أن يستفحل ويتحول إلى حالة مستعصية(الحريري،
2010،ص 33).