الفرق بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي
دارت مناقشات ومجادلات كثيرة وما زالت في بعض الأروقة الأكاديمية،أو أروقة الممارسة العملية حول قضية وجود فروق جوهرية بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي.والبعض يؤمن بوجود فروق جوهرية بين العمليتين تجعل كل منهما مختلفة عن الأخرى،بينما لا يرى البعض الآخر فروقا جوهرية بين العمليتين(الكفافي،1999،ص 16)،حيث تشغل قضية العلاقة بين الإرشاد والعلاج النفسي أذهان المرشدين ذلك أنها تتصل بهوية الإرشاد،كعلم وكمهنة.ويبدو أن العلاج كان من أكثر المهن التي ارتبطت بالإرشاد في سنوات تكوينه، فالعلاج النفسي كان أقدم من الإرشاد كما أنه يعتبر أحد الدعائم التي قام الإرشاد على أكتافها.و بالرغم من أن المتخصصين في الإرشاد حاولوا في وقت مبكر تحديد هوية الإرشاد في الاهتمام بالأسوياء،إلا أن محاولات المزج بين علم النفس الإرشادي والعلاجي لازالت قائمة (سليمان علي،2010،ص 67).
1- تاريخ العلاقة بين الإرشاد والعلاج النفسي:
حلل لويس (Lewis,E) تاريخ العلاقة بين الإرشاد والعلاج النفسي،وكشف عن الأسباب التي أدت
إلى الخلط بين هذين المجالين،و يوضح لويس أنه في نهاية الثلاثينيات كان مجال عمل المرشدين هو
مساعدة الأفراد في تخطيط مستقبلهم التعليمي أو المهني،وفي التغلب على الصعوبات التي يمكن أن
تنشأ في مجال العلاقات الزواجية،وكان دائما يركز على المشكلة التي تحتاج إلى حل ولم يكن يتوقع أن
يقوم المرشد بالعلاج النفسي إلى أن تطور عمل المرشدين جعلهم يتحققون أن مشكلات الأفراد التي
كانت تبدو للوهلة الأولى بسيطة لم يكن يجدي في التعامل معها أساليب الإرشاد المألوفة.فالشاب الذي
كان يعاني من صعوبة في إختيار مهنة قد لا تكون من الممكن مساعدته بواسطة الكشف عن قدراته
وميوله،إذ يتضح أن لمشكلته جذورا عميقة كضعف الثقة بالنفس(سليمان،2010،ص 67)،أو عدم
القدرة على التخلص من التبعية.ومن ثم كان المرشد يقع في حيرة ما الذي يستطيع أن يفعله وهل يحوّل
عميله إلى معالج نفسي؟ ولكن عدد المعالجين النفسيين لم يكن كافيا لمعالجة مثل هذه المشكلات و
خاصة في القرى و المدن الصغيرة،كذلك فإن المحللين النفسيين لم يكونوا يهتمون بمثل هذه
المشكلات.لذلك فإن المرشد كان يجد نفسه في موقف محير،فلكي يساعد عميله كان عليه أن يتخطى
حدود مهنته وأن يقوم بنشاط مهني لم يكن قد درب عليه جيدا،كما لم يكن يشعر بالراحة في القيام به.
وقد كانت حيرة المرشدين تأتي من الهالة التي رسمها المعالجون النفسيون حول أنفسهم والتي قبلها
المجتمع.فقد كان العلاج النفسي يصور على أنه مهنة صعبة لا يقدر عليها إلا أفراد يتمتعون بدرجة
عالية من الذكاء ويحصلون على تدريب عال في العلاج النفسي(سليمان،2010،ص 68).وقد جعل هذا
التصور المرشدون يعتقدون أن أي أسلوب يتخطى الحدود التقليدية للإرشاد إنما هو اقتحام لمجال
العلاج النفسي الذي لم يكونوا مؤهلين له،وكان يبدو للمرشد أن الفجوة بين مهاراته الإرشادية
والمهارات اللازمة لممارسة العلاج النفسي لا يمكن تجاوزها،كما أن المرشد لم يستطع أن يجد له
مكانا مع المعالجين المدربين طبيا،أو تحليليا أو سلوكيا،ومع ذلك فقد كان يلح على المرشد الشعور بأنه
يجب أن يفعل لعملائه شيئا أكثر من إجراء وتفسير الاختبارات وتقديم المعلومات،فقد كان العملاء
يحتاجون إلى أنواع أخرى من المساعدات،ولم يكن هناك العدد الكافي من المعالجين الذين يجب أن
يحول المرشد إليهم عملاءه.في ذلك الوقت ظهر كارل روجرزC.Rogers على الساحة بنشر كتابه
الإرشاد والعلاج النفسي عام 1942،كان روجرز معالجا نفسيا،ولكنه لم يكن ذا أصل طبي،وقد قدم
روجرز نظرية بديلة لنظرية فرويد في العلاج بدت سهلة جذابة،المرشدين المحبطين.ولقد حطم
الفجوة بين الإرشاد والعلاج حينما أنكر وجود أية فروق بينهما،بالإضافة إلى ذلك فإن روجرز قدم
نظرية وأسلوبا في الإرشاد أو العلاج بدا من السهل على المرشد أن يتعلمه،وقد قلل من أهمية الرأي
السائد في ذلك الوقت والقائل بأن العلاج النفسي يحتاج إلى سنين طويلة من التدريب،ومن ثم كان
المرشد في إطار نظرية روجرز يستطيع أن يمارس العلاج النفسي دون أن يوجه إليه أي نقد.
لقد كان ظهور روجرز ونظريته إسهاما ذا قيمة كبيرة للإرشاد.فلقد أسهمت هذه النظرية،كما يرى
لويس في تحرير المرشدين من أسر أساليبهم المحدودة،مما أدى بهم إلى مساعدة كثير من الأفراد
الذين لم يكونوا يستطيعون مساعدتهم قبل ظهور روجرز،ومع ذلك فقد أدى هذا الإسهام من جانب
آخر إلى خلق موقف مربك،فقد أدى تأكيد روجرز على أن الإرشاد والعلاج مترادفين إلى موقف
مضطرب وإلى حالة من الخلط مازالت سائدة حتى الآن،فإن كان الإرشاد والعلاج مترادفان فلماذا
يستمر كل منهما مستقلا ومنفصلا عن الآخر،ولماذا تعترف رابطة علم النفس الأمريكية ببرامج مستقلة
لإعداد العاملين في كل منهما وتُخصص لكل منهما قسما مستقلا(القسم 17 والقسم 12)،ويصدر لكل
منهما دورياته العلمية الخاصة به،ولماذا تكون العلاقة بينهما موضع نقاش حاد حتى اليوم ؟ وذلك يعني
أنه لابد أن هناك فروقا بين الإرشاد والعلاج النفسي،فما هو الفرق إذا بين الإرشاد والعلاج النفسي؟
(سليمان،2010،ص 69). هذا ما سنحاول توضيحه فيمايلي:
2- نواحي الاختلاف بين الإرشاد والعلاج النفسي:
يرى هذا الفريق الذي يتبنى انفصال العمليتين واختلافهما أن كل عملية منهما تمارس تقليديا في مكان
يختلف عن المكان الذي تمارس فيه العملية الأخرى فالإرشاد النفسي يمارس في مكتب للإرشاد
Counseling Office أو مركز للإرشاد Counseling Center،بينما العلاج يمارس في عيادة
Clinic أو في مستشفى Hospital،كما يرون أيضا أن العمليتين تختلفان من حيث نوعية المشكلات
التي تتعرضان لها، فالإرشاد يتعلق بالمشكلات العادية أو مشكلات الحياة اليومية أو المشكلات التي
ليس لها صبغة انفعالية حادة جدا،بينما يتعلق العلاج النفسي بالمشكلات الحادة أو العنيفة من الناحية
الانفعالية.وثالث الحجج التي يحتج بها فريق الانفصال بين العمليتين هو نوعية الفرد الذي يطلب
الخدمة،فالذي يتعامل مع الإرشاد النفسي هو شخص "عادي" أي أقرب إلى السواء بينما الشخص
الذي يتعامل مع العلاج النفسي هو شخص "مريض"،أي أقرب إلى اللاسواء.
3- نواحي الاتفاق بين الإرشاد والعلاج النفسي:
أما هذا الفريق الذي لا يرى فروقا جوهرية بين الإرشاد النفسي والعلاج النفسي فيفند حجج الفريق
المعارض بأنها ليست جوهرية،و أن المكان الذي يمارس فيه العمل ليس أمرا حاسما، كما أن الشخص
الذي يلجأ إلى الخدمة النفسية سواء كانت إرشادا أو علاجا فإنه يعبر بذلك عن عجزه عن مواجهة
مشكلته بنفسه و أنه يحتاج إلى العون الخارجي،وإن لم يحصل عليه فقد تسوء حاليه وتتطور إلى
درجات أبعد في اتجاه اللاسوية.ولا يهمنا هنا كثيرا طبيعة الفرد الذي يطلب الخدمة هل هو سوي؟
أم غير سوي،فالمهم أنه شخص يقف عاجزا عن مواجهة مشكلة هامة وحيوية لديه سواء كانت في
حياته الشخصية أو المهنية أو في مجال العلاقات مع الآخرين،فإنها مشكلة تؤثر على مجمل نشاطه
وتوافقه العام وعلاقاته واستقراره (الكفافي،1999،ص 17). و يدعو هذا الفريق أنه بدلا من التركيز
على الفروق بين العمليتين علينا أن ننتبه إلى الخصائص المشتركة بين العمليتين.فمن حيث جوهر
العمليات والتفاعلات التي يتم من خلالها كل من الإرشاد والعلاج تكاد تكون واحدة،وأساسها العلاقة
بين طرفين أحدهما تقابله مشكلة ولا يستطيع بمفرده أن يواجهها ويحتاج إلى مساعدة الآخرين،
والطرف الآخر قادر بحكم تعليمه وتدريبه(وراغب بحكم التزامه المهني) في تقديم هذه المساعدة.كما
أن الهدف من الإرشاد النفسي والعلاج النفسي يكاد يكون واحدا أيضا من حيث إن كلا منهما يهدف إلى
مساعدة العميل في التخلص من مشكلته الحالية أيا كانت،وعلى أن يكتسب قدرا من الاستبصار
بنفسه،وأن يتعلم بعض المهارات،أو يكتسب من الاتجاهات العقلية والاجتماعية مما يجعله أقدر على
مواجهة مشكلاته فيما بعد وعلى أن يحقق قدرا أكبر من الرضا والشعور بالكفاية والاستقرار.كذلك فإن
النظريات التي يعتمد عليها كل من المرشد النفسي والمعالج النفسي واحدة؛ لأنها نظريات قامت على
أساس الطبيعة الإنسانية والسلوك الإنساني،وكيف ينمو وكيف يتغير،والتفاعلات التي تحدث
داخل الكائن في سبيل تحقيق مطالبه في الإطار الاجتماعي،إذن فالممارسات العملية في الإرشاد
والعلاج لهما أساس نظري واحد.علاوة على أن الممارس في كل من الإرشاد والعلاج مهني متخصص
تدرب تدريبا تحت إشراف علمي ومهني في الجامعة.
وينتصر لوجهة النظر الثانية التي لا ترى فروقا جوهرية بين الإرشاد والعلاج النفسي عدد كبير من
العلماء والباحثين والمنظرين والممارسين على السواء وعلى رأسهم روجرز نفسه الذي لا يرى فرقا
بين العمليتين وكان يستخدم المصطلحين بالتبادل وإن كان يفضل استخدام مصطلح الإرشاد النفسي
(الكفافي،1999،ص 18).و من ذلك الوقت نجد أن بعض الباحثين يعتبر الإرشاد والعلاج النفسي
نظاما واحدا.و لا زلنا ونحن في مطلع القرن الحادي والعشرين نشهد كتبا تحمل في عناوينها مصطلحي
" الإرشاد" و" العلاج"،مما يوحي باعتبارهما مهنة واحدة.
وعلى سبيل المثال صدر كتاب برامر و شوستروم(Brammer and Shostrom) بعنوان
علم النفس العلاجي،أسس الإرشاد والعلاج النفسي في طبعته الأولى عام 1960،ولا يزال يحمل نفس
العنوان في الطبعات المتكررة التي صدرت بعد ذلك بعدة عقود ومازالت السنوات الأخيرة تشهد كتبا
جديدة تصدر وتحمل عناوينها" الإرشاد" و" العلاج" معا،كذلك لا يجب أن ننسى كتاب باترسون
(Patterson,1986)هو من الكتب الشهيرة ما زال يحمل عنوان نظريات الإرشاد والعلاج النفسي
والذي مازالت طبعاته تصدر تباعا،وهي تحمل نفس العنوان(سليمان،2010،ص 67).ومن أفضل ما
كُتب في هذا الصدد ما قاله باترسون بأن :" تعاريف الإرشاد في كثير من الحالات يمكن قبولها على
أنها تعاريف للعلاج والعكس صحيح.و يبدو أن هناك اتفاقا على أن الإرشاد والعلاج كلاهما يتضمن
إقامة علاقة من نوع خاص بين شخص يطلب المساعدة في مشكلة نفسية وهذا هو العميل أو الحالة
وشخص مدرب على تقديم هذه المساعدة وهو المرشد أو المعالج.وطبيعة العلاقة واحدة في الاثنين إن
لم تكن متطابقة،والعملية التي تحدث لا يبدو أنها تختلف من أحدهما إلى الآخر،ولا يبدو أن هناك طريقة
واحدة أو مجموعة من الطرق الفنية التي تميز الإرشاد من العلاج النفسي(الكفافي،1999،ص 18).