التصور الحديث للكون
التفسير الحديث للكون
أ- تصور كوبرنيكوس:
إن من أهم انجازات العلم الحديث التصور الكوسمولوجي الذي قدمه كوبرنيكوس، بحيث احدث ثورة علمية أدت إلى ظهور مفاهيم جديدة مفادها أن الأرض ليست هي المركز الكون وأن الكواكب تدور في فلكها كما اعتقد العلماء من قبله،و هذا الاعتقاد في نظر كوبرنيكوس قائم على المعطيات الحسية الشكلية بحث نحس أم الشمس هي التي تدور حول الأرض من خلال ظاهرة الشروق و الغروب. لكن الأمر يحتلف، بحيث أن مركز هذا الكون هي الشمس، فلقد بين في كتابه "دوران الأجرام السماوية"أن الشمس يجب أنم تكون لكل شيء حتى تتمكن من أن تمد سائر الكواكب السيارة بالضوء، إذ يقول:" تدور الأرض حول نفسها بحيث يواجه كل من كان على سطحها الشمس و يبعد عنها على التوالي و يرجع السر في تعاقب الليل و النهار إلى هذه الحركة الدائرية للأرض و ليس إلى تحرك الشمس و النجوم"[1].
و يمكن تلخيص نظرية كوبرنيكوس كالأتي:
-في نقطة الوسط من العالم تستقر الشمس بلا حركة.
-تدور الأرض يومياً حول محورها وسنوياً في مدار حول الشمس مع باقي الكواكب.
-تحد السماء بواسطة الأجرام الكروية الثابتة التي يخيل للناظر أنها تتحرك بسبب دوران الأرض.
-يتحرك القمر على مسار دائري حول الأرض.[2]
لقد تمكن كوبرنيكوس من تقديم تفسير بارع حول تغير الكواكب التي تظهر على القبة السماوية، كما قام بشرح الحركة التراجعية للكواكب، "لكن عندما شرع في البحث عن التوفيق بين نظامه الثوري وعملية الأرصاد المتعلقة باختلاف سرعة الكواكب على مدارها، لم يتمكن من ذلك بسبب الاعتقاد بدائرية مدارات حركة الكواكب، فتجنب اللجوء إلى مركز الدوران لأن ذلك يخل بنظامية الحركة الدائرية، لكنه وجد أنه لا مفر من استعمال أفلاك التدوير و كذلك الأفلاك الحاملة غير المتمركزة تماما مثلما كان الحال بالنسبة لنظام بطليموس"[3]
ب-تصور تايخو براهي:
لقد أدت أعمال تايخو براهي في مجال الفلك دوراً حيوياً في اثبات نظرية كوبرنيكوس وذلك بعد أن كان قد شهد حدثاً نادراً حول نجم "سوبرنوفا" فقام براهي بتصميم أجهزة فلكية دقيقة لقياس مواضع النجوم و الكواكب في السماء مكنه من إعطاء تفسير ثالث أطلق عليه بنظام "التايخوي" وهو يختلف عن نظامي بطليموس و كوبرنيكوس مفاده أن الكواكب تدور حول الشمس و كل هذه المجموعة من الكواكب بما فيها الشمس تدور حول الأرض و بذلك يكون تايخو براهي قد قدم نظام يوفق به بين نظام بطليموس و نظام كوبرنيكوس.
ج-تصور جوهانس كبلر:
بناء على المشاهدات التي قام بها تايخو براهي عن حركة الكواكب والأجرام السماوية إلا أنه لم يتمكن من معرفة حقيقة شكل المدار وهذا بسبب فقدانه للعقلية الرياضية، بحيث "أكد "كبلر" على أن تدوين الملاحظات على نطاق علم الفلك لا يتطلب إعمال الخيال لكن إخضاعها لعمليات رياضية، وبناءا على حساب رياضي تمكن كبلر من إثبات أن مدارات الكواكب السيارة ليست دائرية بشكل تام كما كانت تقضي القواعد التي وضعها كوبرنيكوس بل هي على شكل إهليليجي تقع الشمس في احدي بؤرتيها، هذا الاكتشاف أدي إلى اثباث صحة دعوى تايخوبراهي"[4].
وضع "كبلر" ثلاثة قوانين أساسية تخضع لها الأجرام السماوية، بحيث وضع الشمس و سطا الكون، واعتبر الشمس هي مصدر حركة الكواكب الأخرى.
-تدور الكواكب حول الشمس بحركة ليست دائرية و لكن في قطع ناقص تحتل الشمس إحدى بؤرتيه و القطع الناقص هو الشكل الذي نحصل عليه إذا قطعنا جسما أسطوانياً بمنشار مائل.
-تختلف سرعة الكواكب في دوراته حول الشمس تبعا لبعده عنها فإذا كان قريباً فإنه يدور بسرعة اكبر وكلما زاد بعده كلما قلت السرعة في الدوران.
-النسبة بين مربعي فترتي دوران أي كوكبين هي نفسها النسبة بين القيمة التكعيبية للبعد المتوسط لكل منهما عن الشمس.
د-موقف غاليلو:
إن الدراسات التي قام بها غاليلو أكدت له مصداقية نظام كوبرنيكوس الفلكي الذي ينص على أن الشمس هي مركز مجموعتنا الشمسية و ليست الأرض، كما رأى غاليلو أربعة أقمار حتى عرفت هذه الأقمار بالغاليلية نسبة إلى غليلو، وهي أربعة تدور حول كوكب المشتري كما استطاعة أن يراقب كوكب الزهرة فرأى أنه يظهر وجهاً مضيئاً عندما يكون قريباً من الشمس، وهذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها على أساس نظام بطليموس بل بالإمكان تعليلها وفقاً لنظام كوبرنيكوس الذي أكد أن الأرض ليست سوى كوكب ككل الكواكب و له جرم تابع له هو القمر"[5].
ن-تصور نيوتن:
إن الدراسات التي قام بها نيوتن في ميدان الفيزياء والتي سبق التطرق إليها في درس الفيزياء الكلاسيكية، فإنها تمس كذلك أبحاثه في ميدان علم الفلك، فقانون الجاذبية يشمل كل الأجسام في النظام الشمسي وحركة الكواكب كلها خاضعة لهذا القانون فالجاذبية قوة كونية، بحيث كلما كانت الأجسام أكبر كانت قوة الجذب أكبر.
كما أكد على أن الأرض كروية تتحرك كما لو كانت كل الكتل قد جمعت في نقطة واحدة في المركز، فأطلق عليها اسم مركز الجاذبية وبعد ذلك تمكن من ربط قوي الجاذبية على سطح الأرض بقوة الجذب القائمة بين الأرض و القمر ومن ثم بين باقي الأجسام الفضائية الأخرى.، "فقوة الجدب التي تجدب الأجسام الساقطة نحو الأرض هي نفسها القوة التي تجدب الكواكب في مدارها حول الشمس، ومن تم اتجه إلى علم الفلك مستعيناً بالتصورات التي حددها في للحركة وتغير الحركة والسرعة و تغير السرعة والكتلة و القوة، بدأ بحثه في حركات الكواكب باتخاذ قوانين الحركة الثلاثة(قوانين الحركة عند نيوتن) كمقدمات ثم أثبت ببراهين رياضية بحتة أن قوانين كبلر الثلاثة في حركات الأفلاك ورسم مداراتها يمكن اعتبارها نتائج نظريته العامة في الميكانيكا وقانونه في الجاذبية"[6]
[1] - سالم يفوت، الفلسفة و العلم في العصر الكلاسيكي، المركز الثقافي العربي، ط1، (د ط)، 1989م، ص9.
[2] - زيغريد هونكه، العقيدة والمعرفة، تر عمر لطفي العالم، مرجع سابق، ص212.
[3] - جمال ميموني، ونضال قسوم، قصة الكون من التصورات البدائية إلى الانفجار العظيم، مرجع سابق، ص 98.
[4]- أيوب أبوذية، العلم و الفلسفة الأوروبية الحديثة من كوبرنيكوس إلى هيوم، دار الفارابي، ط1 2009م، ص113.
[5] - جمال ميموني، ونضال قسوم، قصة الكون من التصورات البدائية إلى الانفجار العظيم، مرجع سابق، ص 114.
[6] - محمود فهمي زيدان، الاستقراء والمنهج العلمي، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، ط 1، 2002م، ص226-227.