علم الفلك/ التفسير الإغريقي للكون
تعريف الكون
يعرف لالاند الكون في معجمه الفلسفي "بأنه مجموع كل ما يوجد في الزمان و المكان"[1]. هذا التعريف يبين الطابع المادي للكون بمعني ان الدراسة الكوسمولوجية تبحث في العالم المادي المتناهي في الكبر والذي لا يخضع للدراسة التجريبية المحض بقدر ما يقتصر بحثه على الافتراضات العقلية والحسابات الرياضية الفلكية.و هنالك تعريف أخر "لبول دايفس" مأخوذ من مقال لنضال قسوم يعرف فيه الكون"بأنه كل شيء فيزيائي موجود، وأقصد بذلك كل المادة الموزعة عبر المجرات و من بينها كل أنواع الطاقة، كل الأشياء االلامادية مثل الثقوب السوداء، وأمواج الجاذبية، وكل الفضاء أيضاً حينما امتد إلى مالانهاية و الملاحظة الهامة التي يؤكد عليها الفيزيائيون هيأن الكون لا يدخل في سوى ما هو قابل للإدراك و المعرفة"[2].
1-التفسير الإغريقي القديم للكون:
جل التفسيرات الإغريقية عن الكون قامت على مسلمة أساسية تتمثل في أن الأرض هي مركز الكون محاولين تقديم مبررات علمية على ذلك لكن هذه المبررات لم تخلو من الطابع الأسطوري الذي تسرب للفكر اليوناني من الحضارات القديمة، ويظهر ذلك جليا في التفسيرات التي قدمت من طرف الفلاسفة الطبيعيين فهذا "طاليس" كان يعتقد أن الفضاء كله ماء تطفو الأرض في وسطه، في حين اعتقد "أناكسيماندرس" أن العالم هو نتيجة لتضارب قوى متعاكسة، أما "كسينوفانس" يري أن الكون محتواه الجوهري محدود و كروي متجانس وأن الأرض منبسطة وبلا حدود وأن جذورها تمتد إلا ما لا نهاية و الهواء منتشر فوقها و فضاؤها ليس محدودا أيضاً، لكن الطرح الذي كان لهى بعدا علميا عند اليونان تجسد في أراء "بارمنيدس" الذي بين أن الأرض كروية الشكل لأن الشكل الكروي مكتمل و مثالي و مستمر الانقطاع لذلك باتت الأرض كروية الشكل، بينما "انكساغوراس" قال بفكرة العقل المسير لهذا الكون و يقصد بذلك عقلاً موجوداً خارج عالم الأفلاك ينظمه و يرتبه وتوجد فيه حركات الأجرام الدورانية. تم يأتي "هيراقليطس" مؤكدا على عدم وجود شيء مستقر وساكن في الكون، مبيناً أن النار هي العنصر الأساسي لكل الأشياء و منها يتولد الماء أولاً ومن ذلك تتكون الأرض تم يتبخر الماء و يرتفع نحو السماء وعند اشتعاله تتشكل الشمس. أما "فيتاغورس" طرح فكرة الأعداد مبيناً أن الكون تسيره الأعداد لذلك فهو منسجم فاعتبر الكواكب و النجوم بمثابة ألة تعزف مقطوعاتها في السنفونية الكونية الكبرى، ورأى أن الأرض كروية الشكل و هي قريبة من مركز الكون و الكواكب تدور حولها في مدارات منفصلة ومائلة على خط الإستواء الساموي. وفي الأخير يأتي "أمبيدوقليس" مشيرا إلى العناصر الأربعة المادية ألأساسية النار و الهواء و الماء و التراب في تشكيل الكون وهي عناصر خالدة و من خلال تفاعلها يقع التجاذب والتنافر في المادة الذي أحدث الكون.[3]
أ- تصور أرسطو:
قدم أرسطو تصورات هامة في مجال الكوسمولوجيا تختلف عن سابقيه بحيث وضع نظرية كاملة للأجسام السماوية و علاقتها بالأرض مؤكدا على أن الكون لا يمكنه أن يمتد إلا ما لانهاية وهو كروي و استدل في ذلك بحجة بارمنيدس على أن الكرة هي الشكل المثالي في الهندسة، ولذلك هي أساس كل حركة دوران الكون، الذي "قسمه إلى قسمين في حركة تناغمية عالم ما تحت فلك القمر و عالم ما فوق فلك القمر، فالعالم الفوقي يتكون من كائنات بسيطة وأزلية، أما الأرض هي قائمة في الوسط ضمن أفلاك سبعة و هي غير متحركة، وعليه فالأرض هي مركز الكون و ما يوجد تحت القمر يتكون من أربعة أجزاء (الهواء، الماء، التراب، النار) أما العنصر الخامس الذي يتكون منه الأجسام السماوية هو الأثير"[4].
يعتبر أرسطو أن المكان هو الحيز الذي يوجد فيه الجسم فلا وجود لمكان بدون جسم و المكان أنما هو الملاء التام فلا وجود لخلاء فالطبيعة تخشي الفراغ كما يقول، معتقدا أن الطبيعة هي علة الحركة و السكون في الموجودات الطبيعية، "فالحركة عنده هي كل تغيير يطرأ على المادة بالزيادة أو النقصان و التغير و الحدوث، فهناك حركة الجوهر من حالة العدم إلى حالة الوجود وهو الحدوث المطلق. وحركة الكيف أو التغير أو التحول، وحركة الكم في الزيادة و النقصان، وحركة الفعل و الانفعال. و الحركة تقتضي موضوعا تقوم فيه و هو الجوهر، و الحركة تعني عند أرسطو بلوغ الكمال وهي تقتض فاعلاً أو محركاً يستمد حركته من محرك أخر...و تنتهي سلسلة المحركات عند المحرك الأول لا يتحرك وهو علة الحركة الأصلية في الكون"[5].
نموذج أرسطو "الأرض هي مركز الكون"[6]
خلال القرون الوسطى اعتُبرت بعض تعاليم أرسطو في أوروبا المسيحية، حقائق مقبولة وصحيحة.، فاللاهوتيون الكاثوليك وأبرزهم توما الأكويني دمجوا أفكار أرسطو بتعاليمهم اللاهوتية، وهكذا فإن نظريته القائلة أن الكون يدور حول الأرض الثابتة صارت عقيدة كاثوليكية، وتبنَّى هذه النظرية أيضا رجال دين بروتستانت مدَّعين أنها مؤسسة على الكتاب المقدس، وباعتبار أن الأرض مسكن المسيح لذا فهي مركز الكون
إن النموذج الذي قدمه أرسطو يحمل خلل بحيث يجعل الكواكب على مسافات متساوية وثابتة من الأرض، الأمر الذي تكذبه نظرة متفحصة بالعين المجردة، فكوكب الزهرة والمريخ يظهران أكثر لمعانا في بعض الأحيان، وهو ما يفسر كونهما قريبان من الأرض، بل حتى القمر نفسه لا يوجد على مسافات واحدة من الأرض. وهو ما أربك الفلكيين، وتبين أن الكواكب ليست على مسافة واحدة من الأرض، هذا ما دفع بطليموس إلى محاولة تصحيح المسار.
[1] - Andrè lalande ; vocabulaire technique et critique de la philosophie ; presse universitaires de France distance édition ; paris ;France ;1968 ;p1166.
[2] -نضال قسوم، مكانة الإنسان في الكون، مجلة عالم الأفكار، المجلس الوطني للثقافة و الفنون و الأداب، المجلد 27، العدد1، سبتمبر 1999م،ص 261.
[3] - انظر كتاب، قصة الكون من التصورات البدائية إلى الانفجار الأعظم، لجمال ميموني و نضال قسوم،ص 34-35-36-37.
[4] - عبد الفتاح مصطفي غنيمة، العلوم الطبيعية (النظريات الذرية و الكوانتم و النسبية) ص 29.
[5] - زيغريد هونكه، العقيدة والمعرفة، تر عمر لطفي العالم، دار قتيبة للطباعة و النشرو التوزيع، بيروت، الطبعة الأولي، 1978م،ص 40.
[6] - ويكيدبيا الموسوعة الحرة، تصور أرسطو و بطليموس لمنظومة الكون.