الأخلاق و الهندسة الوراثية
الأخلاق و الهندسة الوراثية:
مع اكتشاف هذا الحمض النووي ومعرفة الجينات أصبحت الهندسة الوراثية تهتم بالتركيب الوراثي للخلية الحية و يهدف إلى معرفة القوانين التي تتحكم في الصفات الوراثية من أجل التدخل و إصلاح العيوب بحيث أصبح علماء الوراثة يحرصون على معرفة تفاصيل الطاقم الوراثي للإنسان من أجل التمكن من إعادة تغيير مخزونه إن اقتضي الأمر و الكشف المبكر عن الأمراض الخطيرة التي يمكن التنبؤ بها مسبقاً وذلك عن طريق ما يسمي بالعلاج الجيني. والذي يتناول علاج الأمراض عن طريق الجينات حيث يتم استبدال الجين المعطوب بأخر سليم أو إمداد خلايا المريض بعدد كاف من الجينات السليمة أو حتي استئصال بعض الجينات المسؤولة عن أحداث مرض معين أو تشوه ما،"و بغض النظر عن هده الخدمات الجليلة التي تقدمها الهندسة الوراثية فإن لها وجه سلبي قاتم فمن شان التقدم التقني في الهندسة الوراثية و تطبيقاتها في الطب الوراثي أن يؤدي إلى خلق حضارة بدون روح ومدنية بلا قلب و لا ضمير و لا قيم إنسانية وقد يؤدي ذلك إلى فقدان معني الوجود"[1].
أدي ذلك إلى نوع من الاغتراب عن الوجود الحقيقي للإنسان "فتم فصل حقيقة الزواج بالإنجاب عن طريق ما يسمي الإنجاب الاصطناعي و هذا يؤثر عن مفهوم الأمومة و الوالدية، فمن الممكن لسيدة في المستقبل أن تتوجه إلى معرض خاص بالأجنة لاختيار ما يناسبها من مواصفات للولد تتماشي مع دوقها من خلال البيانات الموضوعة و المسجلة على العلبة كذكر الجنس و لون العينين و لون الشعر و الطول و الذكاء و الحالة الصحية التي تفضلها السيدة، ولا يستلزم الأمر بعد ذلك سوى التوجه لأحد المختبرات المتخصصة في تثبيت الأجنة ليكون لها بعد أشهر معدودات ما تريد وفي هذه الحالة تكون علاقتها بطفلها علاقة بيولوجية بل قانونية و يتحول الإنسان لسلعة قابلة للبيع و الشراء"[2].
ونتيجة لهذه الانعكاسات الخطيرة على الوجود الإنساني كان من الضروري وضع منظومة أخلاقية لمواجهة تحديات هذه التطورات على حياة الإنسان، لقد أدت هذه الأبحاث في مجال الجينات إلى ظهور ما يسمي بالاستنساخ.
-5 تعريف الاستنساخ:
تستخدم الكلمة نسيل ( clone) في عدد من الأطر المختلفة في البحث البيولوجي، ولكنها في معناها الأكثر بساطة ودقة تشير إلى: نسخة وراثية صحيح لجزء أو خلية أو نبات أو حيوان أو كائن بشري ، وفي بعض السياقات تشير كلمة استنساخ ً إلى تقنيات معينة، لمدة طويلة من الزمن جزء من المهنة الزراعية وتشكل اليوم جزءا هاماً من أسس البحث البيولوجي الحديث هو مجموعة من الخلايا أو الأعضاء أو الكائنات الحية المشابهة بمحتواها الجيني التي نتجت من خلية واحدة عن طلايق التكاثر اللاجنسي[3] . فالاستنساخ هو كائن حي ً مطابق تماما من حيث الخصائص الوراثية والفيزيولوجية والشكلية لكائن حي آخر.
كما أن الثورة العلمية المعاصرة البشرية التحقت بما ليس في الحسبان في عالم الحيوان والنبات، ويتوقع أن تؤدي بما تحمله من تقنية عالية إلى نتائج وثورة في المعرفة قد تقلب الموازين وخاصة في عالم التكاثر البشري، والعلم اليوم لا تحده حدود ولا يتقيد بالقيم، وهو ينطلق في كل المجالات دون أن تحجر عليه القوانين الوضعية، والتقاليد و القيم الدينية أو الأخلاقية، إن هذه العملية تثير مجموعة من المخاوف.
المرتبطة بقضايا أخلاقية تمس الوجود الإنساني، مثل مفهوم العائلة والعاطفة، والاستقلال والهوية...وغيرها. وقد يقول قائل إننا حين نصل إلى عصر كهذا فإن القيم التي تتحدث عنها لن يعود لها وجود.أو سوف تستبدل بغيرها، ولذلك ليس ثمة ما يدعو لمناقشتها بمعنى أنه من الخطأ أن نناقش المستقبل في ضوء القيم والاعتقادات الحالية، ولكن يمكن الرد على ٕ إنما نحن نحاول أن ذلك بالقول إننا لا نناقش المستقبل من خلال منظور الحاضر، وان نتخيل ما هي القيم التي يمكن أن تتأثر بتطور كهذا، أما تلك القيم فهي: إلغاء مفهوم العائلة والأمومة كذلك الصفوة المختارة حيث أن الدولة هي التي تتحكم في المورثات ً يتم على أساسه اختيار الصفوة المختارة، فبسبب سيطرة هذه ً معينا أي تفرض معيارا التكنولوجيا سيطرة كاملة على حرية الإنسان وعدم احترامها لإنسانيته وهذا ما يخافه الكثيرون.
فالتقنية الأخرى التي يرجح أن تنضج قبل الهندسة الوراثية البشرية ، بوقت طويل فهي تقنية الاستنساخ البشري، فقد أثار العالمين روبيرت بربجس وتوماس كنج وللمرة الأولى في تاريخ البيولوجيا بالتأكيد من إمكانية نقل نواة خلية جسدية متحصل عليها من شرغوف في بويضة منزوعة النواة، حيث لا حظنا بعد هذه العملية بأن .ً الخلية تنمو كما تنمو الخلايا الأخرى طبيعيا وفي نفس العام يتمكن العلماء من إنتاج أول عجل من سائل منوي مجمد ، وفي عام 1962 استطاع العالم الأمريكي جود جوردن أن يستنسخ أجنة الضفادع، لكن الأجنة ماتت في أطوارها الجينية ، ولم تصل إلى الطور البالغ ، وبعدها نجحت عدة عمليات الاستنساخ، أما في عام 1978 فقد نجح العلماء في إحداث إخصاب البويضة خارج الرحم، وميلاد أول طفل بطريقة أطفال الأنابيب. عام بعدها تمكن عالم الأجنة الأمريكي كارل المنسي من نزع نواة بويضة فأرة ووضعها في بويضة فأرة أخرى بعد تفريغ هذه الأخيرة من نواتها ثم تتابعت الانقسامات الجينية حتى تكون جنين حي وتعتبر هذه التقنية الأساس العلمي الذي اعتمد في تقنية استنساخ النعجة دولي ثم التأسيس في بريطانيا أول بنك للنطاف في العالم، وفي 1983تولت امرأة لأول مرة قبول حضانة جنين امرأة أخرى في رحمها، و حتى ولادته ، وفي عام 1997 تم استنساخ النعجة دولي من طرف "إيان ويلموت"[4]. كان هذا الحدث بمثابة انقلاب كبير على المستوي العلمي و الأخلاقي فاتفق المجتمع الدولي على اتخاذ قررات لتحريم تطبيق هذه التكنولوجيا الحيوية الجديدة على الكائن البشري ويستندون المعارضون لهذه التقنية إلى كون الإنسان يعتبر إلى حد الآن من طرف جميع الأديان أقدس مخلوق، ضف إلى ذلك فإن كل إنسان له خصوصياته و لا يشبه فرد أخر من بني جنسه و بالتالي لا يقبل عملية النسخ، لكن هناك من يؤيد هذه العملية بحكم أنها تؤدي تحسين النوع البشري و القضاء على الكثير من الأمراض الفتاكة، وتحد من ظاهرة الإجهاض. أما الجوانب السلبية فقد يؤدي إلى اختلاط الأجناس، كما أن عمل تخزين الجينات أو ما يسمي ببنوك الجينات و الخلايا أصبح عملاً تجاريا لا تحكمه ضوابط و يترتب عن ذلك الكشف عن الأسرار الخاصة بكل إنسان فيما يتعلق بخارطته الجينية، ضف إلى ذلك عدم احترام قدسية الإنسان من خلال إخضاعه للتجريب.
[1] - بدوي عبد الفتاح محمد، فلسفة العلوم، العلم ومستقبل الإنسان...إلى أين؟ دار قباء الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، 2007م، ص 373.
[2] - المرجع نفسه ، ص374.
[3] - موقع الكتروني:https//mandoo3.com
[4] - كمال جابر مذكرة ماجستير بعنوان، إشكالية الأخلاق للاستنساخ، جامعة الجزائر 2012مص53/54.