قيمة الفلسفة

قيمة الفلسفة:

جزء كبير من التفكير الفلسفي تمحور حول الدفاع عن الفلسفة، بسبب الشكوك التي طالت الفلسفة من القديم، و التساؤلات المستمرة حول أهميتها وقيمتها وكانت البدايات الأولى مع أرسطو الذي دافع عن الفلسفة في وجه منتقديها، لكن هذا الشك اتسعت رقعته بعد انفصال العلوم عن الفلسفة بحيث اختلفت الآراء بين مؤيدين ومعارضين حول قيمة الفلسفة وأهميتها في زقتنا المعاصر فهل حافظت الفلسفة على قيمتها في ظل التطورات العلمية؟

أ/الموقف الأول:

وهو موقف المؤيدين و المدافعين عن الفلسفة، فالفلسفة في نظرهم ظاهرة طبيعية في الإنسان بحكم الضرورة التي يفرضها التعقل، الفلسفة تفعل العقل في البحث من خلال التساؤلات المشروعة عن المعرفة ومصدرها ووسائلها فهي تدفع للتفكير والنظر و التدبر يقول ديكارت"إن الفلسفة وحدها هي التي تميزنا عن الأقوام المتوحشين والهمجيين وحضارة أمة إنما تقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها" ويقول كذلك"الفلسفة أم العلوم جذورها الميتافيزيقا وجدعها الفيزياء أعضائها الطب، الميكانيك، الأخلاق".

فأي رفض للفلسفة هو رفض لملكة العقل بل حتى هذا الرفض يحتاج إلى فلسفة كما قال سقراط وهذا ما تجسد في فكر الغزالي عندما رفض أراء الفلاسفة المسلمين، وجد نفسه يستخدم نفس الأسلوب الذي استخدمه الفلاسفة، فأسس لفلسفة من خلال نقده للفلاسفة المسلمين.، ومن جهة أخرى فإن نتائج غير يقينية احتمالية تختص بدراسة ظواهر جزئية بينما يبقى مجال واسع لا يمكن للعلم أن يقتحمه مما يفتح المجال أمام البحث الفلسفي خاصة قضايا الميتافيزيقا.

إن البحث الفلسفي في وقتنا المعاصر أصبح ملازم للبحث العلمي، فاختصت فلسفة العلوم بدراسة مبادئ و مناهج و فروض العلم، فمبحث الإيبستمولوجية يتخذ من العلم موضوعا، كما أن الكثير من قضايا العلم أصبحت تفرز إشكاليات فلسفية تتعلق بمصير الإنسان، كما هو الشأن في فلسفة العلوم والبيوتيقا.

ب/الموقف الثاني:

موقف يري أن الفلسفة غير ضرورية بسبب نظرتها الميتافيزيقيا التي تبعدها عن الدقة و الموضوعية، فهي تقتصر على التساؤلات والتي قد تكون مبهمة فارغة من المحتوي المعرفي الهادف خاصة في ظل التطورات التي يعرفها العلم، فالإنسان المعاصر أصبح ينفر من الفلسفة لأنه وجد في العلم كل ما يلبي مطالبه. فالعلم اكثر واقعية من الفلسفة فهو لا يعترف إلا بالنتائج الملموسة وهذا ما استطاعت أن تحققه مختلف العلوم التي عادت بالفائدة على الإنسان في مختلف جوانب حياته، لذلك يقول بيرس "إن الفكر هو أولا وآخرا ودائما من أجل العمل"، فما عجزت الفلسفة عن تقديمه طيلة قرون استطاع العلم أن يحققه في ظرف وجيز.

    كما يثبت الواقع أن الزمن الذي نعيش فيه اليوم هو زمن العلم والتكنولوجيا وتقدم الأمم يقاس بمدى ما تقدمه من نتائج على الصعيد العلمي والتكنولوجي لا بما تقدمه من أفكار وآراء فلسفية متناقضة تثير الشك. لذلك يرى «أوجست كونت» أن الفكر البشري مر بثلاث مراحل هي : المرحلة اللاهوتية (الدينية) "التي تفسر الظواهر تفسيرا غيبيا لاهوتيا" ثم المرحلة الميتافيزيقية (الفلسفية) وهي التي تفسر الظواهر تفسيرا عقليا وتبحث في عللها الأولى "ثم يتطور العلم لينتهي إلى المرحلة الوضعية (العلمية)" والتي تهتم بالكشف عن القوانين العلمية والأسباب المباشرة للظواهر عن طريق الملاحظة والتجربة الحسية"، فالمعرفة العلمية من خلال قانون الأحوال الثلاث تمثل آخر مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري، وأن الفكر البشري في هذه المرحلة الوضعية - العلمية - قد تخلى عن كل الاعتبارات الميتافيزيقية والفلسفية التي لم تكن سوى محاولات فاشلة لتفسير ظواهر الكون، فوجه أنظاره نحو الظواهر الطبيعية والإنسانية لاكتشاف القوانين الثابتة التي تسيرها وتربط بعضها ببعض في علاقات كمية دقيقة، يقول غوبلو:"المعرفة التي ليست معرفة علمية ليست معرفة بل جهل".

من الموضوعي أن نقول إن الفلسفة تراجعت مكانتها في عصر التطور التكنولوجي، إلا أن هذا التيار بالغ في رفضه لها؛ فالفلسفة تأمل وتفكير عقلي والدعوة إلى إلغائها هي دعوة إلى إلغاء العقل والوجود الإنساني، كما أن رفضها يحتاج إلى تبريره بحجج وأدلة، وهذا في حد ذاته تفلسف فهذا الاتجاه يرفض الفلسفة بالفلسفة وهذا تناقض، لذلك يقول باسكال : "كل تهجم على الفلسفة هو تفلسف ".

 

آخر تعديل: الجمعة، 9 سبتمبر 2022، 3:59 PM