مباحث الفلسفة

ما هي أهم مواضيع البحث الفلسفي:

 من أهم خصائص الفكر الفلسفي الشمولية التي تجعل التفكير يتطرق بالفحص و النقد و الدراسة لجميع اهتمامات الإنسان و انشغالاته، لذلك تعددت مجالات البحث الفلسفي وشملت جميع فروع القضايا، فهي لا تتقيد بقسم واحد من الوجود كما هو الشأن بالنسبة للعلوم، فالبحث الفلسفي هو بحث عن المبادئ و الأسباب القصوى للوجود ولذلك عرفها أرسطو بأنها "بحث في الوجود بما هو موجود". ويمكن حصر مواضيع الفلسفة في ثلاث مباحث، مبحث المعرفة (الإبستمولوجيا) ومبحث الوجود من حيث هو ضروري ومعقول (الأنطولوجيا) ومبحث القيم أي ما ينبغي أن يكون (الأكسيولوجيا).

1-مبحث المعرفة (Epistémologie)

يتناول هذا المبحث علاقة الفكر بالوجود من حيث الأسبقية، وقدرة الإنسان على تحصيل المعرفة وكيفية الوصول إلى الحقيقية و التنقيب على مصادرها وما هي الأدوات المستعملة في ذلك. بمعني البحث عن المعرفة من حيث إمكانها، مصادرها، طبيعتها، حدودها، قيمتها، وسائلها، أنواعها.

إمكانية المعرفة:

المعرفة ممكنة بالنسبة للإنسان بحكم انه كائن عاقل يفكر فهو ينتج معرفة لكن هذه الإمكانية تتخذ سبيلين، سبيل الشك وسبيل اليقين.

أنصار النزعة الشكية ((Scepticisme: بحيث يذهب هؤلاء إلى الاعتقاد أن إمكانية المعرفة قائمة على الشك وليس اليقين، وكانت البدايات الأولي للتوجه ألشكي مع السوفسطائيين حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، فالمعرفة عندهم مرتبطة بالفرد متغيرة متعددة نسبية ومختلفة لذلك يقول بروتاغوراس"الإنسان مقياس كل الموجودات بالنسبة إلى وجودها وغير الموجودات بالنسبة إلى عدم وجودها"[1].

وأكد "بيرون" على أمكانية المعرفة من خلال الشك في الحقيقة التي لا يمكن الوصول إليها لأن ما نتوصل إليه من معرفة لا يعكس حقيقة الشيء في ذاته، فالأشياء تظهر مختلفة لأفراد مختلفين، لذلك "يعلق الحكم ونتوقف عن إصدار الأحكام، فلا سبيل للمعرفة اليقينية"[2].

إذا كان الشك عند السفسطائيين و بيرون شكً مذهبياً، فإن الغزالي استخدم الشك المنهجي كإمكانية للوصول إلى اليقين إذ يقول "فاعرف مواضيع الشك وحالاتها لتعرف بها مواضع اليقين".[3] كما تبني ديكارت الشك المنهجي الذي يهدف إلى بلوغ اليقين" فالبحث عن الحقيقة يحتاج من الإنسان أن يضع الأشياء جميعا موضع الشك بقدر الإمكان"[4]. لقد شك ديكارت في المواضيع كلها خاصة تلك المتعلقة بالحواس كمصدر للمعرفة. ولم تقتصر الشكية في العصر الحديث على ديكارت بل شملت المذهب التجريبي إذ شك "دافيدهيوم" في مبدا العلية العقلي القائم على الضرورة الآتية من العقل فطريا و قبليا، واعتبر بأن هذا الضرورة ناتجة فقط عن العادة إذ يقول" إنه حتى عندما تكون لدينا خبرة بعمليات السبب والأثر، فإن خلاصاتنا المستمدة من تلك الخبرة لا تتأسس على التعليل ولا على أي تقدم للفهامة"[5]. أما "أيمانويل كانط" اعتبر آن إمكانية المعرفة لحقيقة الشيء في ذاته غير ممكنة، وكل ما يمكننا معرفته إزاء الظواهر هو التسليم بوجودها كما هو الشأن عند تسليمنا بالحقائق الغيبية كوجود الله والنفس و الخلود.

أنصار النزعة التوكيدية الدوغمائية((Dogmatisme: يعتقد أنصار هذا الاتجاه أن المعرفة ممكنة يقينياً باعتبار الإنسان قادر على المعرفة المطلقة اليقينية، وإن وقع أي تقصير في الوصول إليها فهو ناتج عن قصور الوسائل وليس قصور في طبيعة العقل أو في العلل الموجودة في الطبيعة. بحيث اعتقد كل من العقلانيين و التجريبيين في يقينية معرفتهما فالعقل هو مصدر المعرفة اليقينية في نظر أصحاب الاتجاه العقلي في حين يري أنصار الاتجاه التجريبي أن الحواس مصدر معارفنا اليقينية، فكلا الطرفين يؤمنون بحقيقة ومطلقيه أرائهم.

مصدر المعرفة: من بين أهم مواضيع نظرية المعرفة اهتمامها بمصدر معارفنا بحيث تعددت هذه المصادر واختلفت توجهاتها ومن بينها مايلي:

الاتجاه العقلاني: تيار فلسفي يري أن العقل هو مصدر المعرفة اليقينية باعتباره قوة عارفة فطرية قبليا له مبادئ تجعل الحقائق واضحة بديهية.

الاتجاه التجريبي: إن المعرفة في نظر هؤلاء نابعة من التجربة الحسية، وأن العقل يستمد كل معارفه من التجارب فهو صفحة بيضاء تكتب الحواس عليها ما تشاء كما قال جون لوك.

الاتجاه البراغماتي: مذهب فلسفي معاصر يري أن مصدر المعرفة الحقيقية تقاس بما تحققه من نجاح في الواقع أي أن معيار صدق الأفكار مرهون بالممارسات العملية التي تحقق لنا منفعة و نجاح.

الاتجاه الماركسي: تري أن المعرفة نشاط واع يهدف إلى تحرير الإنسانية من جميع أنواع الاستلاب، وخاصة الاستلاب الطبقي، وممارسة تمكن من السيطرة على الطبيعة واستغلالها.

2-مبحث الوجود (Ontologie):

يبحث في الوجود من حيث هو وجود فحسب، لا من حيث هو وجود ذو شكل ومقدار مجردين من المادة كما تفعل العلوم الرياضية، ولا من حيث هو وجود ذو كيفيات محسوسة كما تفعل العلوم الطبيعة. بل هو بحث في معني الوجود في صورته التجريدية العامة، والغرض من هذا المبحث هو وضع نظرية في طبيعة العالم تقتضي البحث في معنى الوجود، وعلته، ومصدره، وغايته، ومصيره.

3-مبحث القيم(Axiologie):

يبحث في المثل العليا والقيم المطلقة، من خير وجمال و حق، وتتناول العلوم المعيارية، كعلم المنطق الذي يبحث في صحة الشيء من خطاه وعلم الجمال  يبحث في جمال الشيء من قبحه وعلم الأخلاق الذي يحدد الفعل إن كان خيرا أو شرا، فهي علوم معيارية.


[1]- كوزمان بيتر وآخرون، أطلس الفلسفة مرجع سابق، ص35.

- روزنتال-يودين، الموسوعة الفلسفية،.تر سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، ط5،1985م،ص97.[2]

[3] - عبد الشهيد صموءيل، الروح العلمية عند الجاحظ، دار الكتاب بيروت، لبنان، ب ط، 1975م، ص41.

[4] - ديكارت، مبادئ الفلسفة، تر عثمان أمين، مكتبة النهضة المصرية  بط 1960مـ ص86.

[5] - هيوم دافيد، مبحث في الفاهمة البشرية، تر موسى وهبة، دار الفارابي، بيروت-لبنان ط1، 2008م،ص58.

 

Modifié le: vendredi 9 septembre 2022, 15:54