مناهج الفكر الفلسفي

منهج الفلسفة 

يعتمد البحث الفلسفي عموما على المنهج العقلي التأملي، وتجسد ذلك في كل أبحاث و دراسات الفلاسفة عبر التاريخ، رغم اختلاف مناهجهم. فقد كانت الفلسفة قبل سقراط مجرد حديث للنفس عن الحقيقة والوجود، وكان الفيلسوف يقدم عرضاً ذاتياً لآرائه وهذا ما تجسد عند الفلاسفة الطبعين في اختلافهم عن أصل الكون. كما استخدم السوفسطائيين الشك كأساس للمعرفة فكان شكاً مذهبيا في كل الموجودات و القيم فصار الظن و التخمين معيار للحقيقة

1-منهج سقراط:

  . لكن الفلسفة مع سقراط أصبحت حواراً مع الآخرين، وليست تأمّلاً للذات مع ذاتها، وكان يحاور الناس ويناقشهم في كل مكان، في الأسواق والشوارع والبيوت وساحات القضاء، وكان الغرض من الحوار دعوة الناس جميعاً والشباب بخاصة إلى الفكر والفلسفة معتمدا في ذلك على الحوار ، فتجلت عبقريته في السؤال الفلسفي الذي يوجهه إلى الآخرين، وتميّز هذا السؤال بخصائص واضحة، منها أنه سؤال موجّه بهدف معرفة الحقيقة. وأصبحت مهمة المفكر أن يبدأ بوضع السؤال قبل سرد الأفكار والآراء. ويمتاز السؤال السقراطي أيضاً بأنه سؤال عن "الماهيات" أي عما هو الشيء؟ والخطة الأولى في المحاولة السقراطية هي إرغام الرجل على أن يرى بنفسه أن أفكاره الحالية خاطئة أي ناقصة، وفي سبيل ذلك كان سقراط غالباً ما يستخدم نوعاً خاصاً من التندر بالذات أو التواضع، وهو المنهج الذي عُرف باسم "السخرية السقراطية" أو التهكم و التوليد. فقد نشأ التهكم من اكتشافه لجهل الآخرين وعدم معرفتهم بحقيقة الأشياء التي يتحدثون عنها، والسخرية تعبر عن موقف سقراط من الجهل. وكانت حكمته وفضيلته في أنه كان يعلم أنه يجهل الحقيقة، بينما كان يدّعي الآخرون معرفتهم بالحقيقة، وهم جاهلون بها. أما التوليد فإنه يعني توليد الأفكار من العقول. والابتعاد عن الحسي السوفسطائي

2-المنهج عند أفلاطون:

      اعتمد أفلاطون منهج منطقي متكامل ربطه بنظرية المثل، لذلك اعتبر رائد المنهج الفلسفي المثالي الاستنباطي بحيث تبدأ عملية المعرفة من مقدمات ميتافيزيقية تم يدخل عليها سلسلة من العمليات الاستنباطية القائم على البرهنة العقلية مستهدفاً الكشف عما يجب أن يكون عليه المجتمع حتى يحاكي ما هو أفضل. معتمدا في ذلك على الجدل العقلي، ولا يفهم من ذلك أن المثال عند أفلاطون هو مجرد فكرة ذهنية بل وجود حقيقي لا يدرك إلا بالتعقل، فالممارسة العقلية للمنهج الجدلي تجعلنا ننظر للأشياء الموجودة بطريقة عقلانية، تمكننا من الصعود إلى المثل العليا لذلك يسمي كذلك بالجدل الصاعد و لقد استخدم أفلاطون هذا المنهج في محاورات عديدة، منها محاورة فيدروس والمأدبة والجمهورية.

    هذا المنهج مكن أفلاطون من استخدام النقد للإيقاظ عقول الشباب و الوقوف ضد السوفسطائين، بحيث استبدل التهكم بالمناقشة الصارمة

3-منهج أرسطو:  

    يعتبر أرسطو من الفلاسفة اليونان الذين بحثوا في شكل التفكير من خلال قواعد المنطق الصوري المنطق و الذي يعد من ابرز إسهاماته في تاريخ الفكر الغربي، بحيث وضع للفكر البشري قواعد منطقية يسير عليها التفكير، والغرض من ذلك تفادي المزالق و المغالط وتحقيق التطابق بين الفكر وذاته. ووضع للمنطق مباحث من بينها مبحث الحدود و التصورات، مبحث القضايا و الأحكام و مبحث الاستدلالات، ويعد القياس الأرسطي أهم سمة في منهجه. واخذ المنطق الأرسطي مكانة مرموقة في فلسفة العصور الوسطى و أصبح معتمدا من طرف رجال الكنيسة بعد أن مزجت بينه وبين تعاليم المسيحية، واعتبر الطريق الوحيد للوصول إلى المعرفة، وتجدر الإشارة هنا، أن أرسطو هو أول من استخدم كلمة الاستقراء و التي تعني في اللغة الإغريقية "مؤد إلى" والقصد منه هو الانتقال من الحالات الفردية إلى القضية الكلية.

4-المنهج عند الفلاسفة المسلمين:

   أول ظهور للمنهج بصورة مخالفة للمنهج أرسطو، هو منهج المتكلمين، إذ اهتم المعتزلة و الأشاعرة بإشكالية العقل و النقل، بحيث استخدمت كل فرقة منهجا خاصا في الدفاع عن أرائهم.

    كما ظهرت مشكلة المنهج بشكل واضح عند انتقال الفلسفة اليونانية و المنطق الأرسطي إلى الحضارة الإسلامية، فالكثير من الفلاسفة المسلمين اعتبروا أن المنطق الأرسطي منهجا معرفيا، وراحوا يؤسسون له في أبحاثهم على انه يمثل العقلانية. لكن هذا لا يعني أنهم كانوا مجرد نقل للتراث اليوناني بل استحدثوا مناهج بحث تتماشي و العقيدة الإسلامية، وتجسد هذا الطرح في محاولة التوفيق بين العقل و النقل لأبن رشد.

    لقد استخدم المسلمين المناهج التجريبية القائمة على الاستقراء، فدرسوا الطبيعة دراسة ميدانية ويرجع الفضل في ذلك إلى جابر بن الحيان و الحسن ابن الهيثم.

5-المنهج الفلسفي في العصر الحديث:

بدأ العصر الأوروبي الحديث يضع لنفسه مناهج جديدة قائمة على نقد المنطق الأرسطي والدي وصف من طرف فلاسفة العصر الحديث بالعقيم باعتباره مجرد تحصيل حاصل، فوضع ديكارت في كتابه"مقال في المنهج" منهجا عقليا استنباطيا يستند إلى الرياضيات للوصول إلى الدقة اليقين فوضع قواعد الغرض منها تحقيق المصداقية في الفكر مضمونًا و شكلاً، وهي أربعة قواعد الشك- التحليل-التركيب-اليقين.

   أما المنهج التجريبي الاستقرائي في العصر الحديث أسسه فرانسيس بيكون في كتابه" الأرغانون الجديد" معتبرا ان محاولة استنطاق الطبيعة لا تكون إلا من خلال التجريب ناقدا بذلك أوهام العقل في الوصول إلى المعرفة.

6- مناهج الفلسفية المعاصرة:

     كانت الميزة الأساسية في الفلسفة المعاصرة ظهور مناهج جديدة، تجاوزت المنهج العقلي و التجريبي للعصر الحديث. ومن بين هذه المناهج: البنوية لفي ستراوس، الراغماتية بزعامة تشارس بيرس، الوجودية بزعامة جون بول سارتر، الظواهرية بزعامة هوسلر و ميرلوبونتي، الوضعية المنطقية.

 

 

Last modified: Thursday, 8 September 2022, 4:43 PM