الدرس الثاني:

1-فلسفة سقراط:

يلقب سقراط بأب الفلسفة اليونانية لاهتمامه بقضايا الإنسان و الذات البشرية و الأخلاق و النفس و السياسية، فكانت فلسفته أكثر واقعية مخالفا بذلك الحكماء الطبيعيين الذين اهتموا بأصل الكون والأسباب التي كانت وراء انبثاق العالم. كما وقف ضد السفسطائيين الذين اعتمدوا الشك و الظن مؤكدا على المسلك المعرفي الصحيح القائم تفعيل العقل و استخدام البرهان المنطقي في توليد المعرفة للوصول إلى الحقيقة الموجودة في ذات الإنسان وليس خارجه ولذلك قال "أيها الإنسان أعرف نفسك بنفسك" فكان يستخدم المنهج التهكمي في

طرح الأسئلة لغرض الوصول بصاحبه إلى الإقناع المعرفي بعض أن يتظاهر بعدم المعرفة فكان يقول:" إن كل ما أعرفه هو أني لا أ‘رف شيء"1

فكانت فلسفته بحثا في كل ما يتعلق بالإنسان من قضايا و مشكلات تواجهه في الحياة كقضايا الأخلاق و السياسة، فالفلسفة في نظره هي محاولة لتبيان معاني الأشياء وحقائق الأمور.

2-فلسفة أفلاطون:

قدم أفلاطون تصورا فلسفيا مخالفا لسقراط، تميز بالمثالية حيث أعطى الأولوية للفكر والعقل على حساب الحواس وذلك من خلال تقسيمه العالم إلى قسمين عالم المثل وهو عالم الحقيقة المطلقة و اليقين الخالص  وعالم مادي نسبي حسي الحقيقة فيه قائمة على التقريب و الظن. فالمعرفة الحقيقية أساسها إدراك عالم المثل وتمثل مبادئه المطلقة الكونية التي تتعالى عن الزمان والمكان، ومن ثم فإن أصل المعرفة هو العقل و ليس الحواس و التجربة، فالبحث الفلسفي عنده يقتصر على معرفة الذات الإنسانية لكن ما لبث أن ارجع الفلسفة إلى طابعها العام الشمولي فهي تدرس كل موضوعات الطبيعة و النفس و الأخلاق وما وراء الطبيعة، مصرا في نفس الوقت أن تكون الفلسفة أسلوب عيش في الحياة. وبذلك يكون أفلاطون قد وسع من معني الفلسفة، بحيث جمع بين الحكمة الأخلاقية التي تقوم على الارتفاع فوق أغراض الحياة و مصالح الأفراد و بين دراسة العالم والمبادئ التي يقوم عليها، و دراسة النفس الإنسانية من حيث المعرفة و السلوك. فهو يعرف الفلسفة "بأنها البحث في الحقائق الموجودة ونظامها الجميل لمعرفة المبدع و لها الشرف الرئاسة على جميع العلوم"

3-فلسفة أرسطو:

في حين ذهب أرسطو إلى اعتبار الفلسفة دراسة شاملة للمعارف العقلية إذ عرفها" بأنها بحث في الوجود بما هو موجود" أي هي علم بالأسباب القصوى للأشياء، أي أنها تبحث في طبيعة الموجودات أو الحقائق الأشياء ومعرفة المبادئ و الأسباب الأولى وهي تشمل في نظره الإلهيات و الطبيعيات و العلوم الرياضية و الأخلاق و السياسة و الاقتصاد. لذلك يعد أرسطو فيلسوف موسوعيا شاملا، لأن فلسفته تنفتح على كل ضروب المعرفة.

يؤكد أرسطو مخالفا بذلك أفلاطون أن العالم الحقيقي هو عالم الواقع المادي، أما العالم المثالي فهو غير موجود، وان الحقيقة لا توجد إلا في العالم الذي نعيشه.

4-الفلسفة الرواقية:

 ارتكزت فلسفة الرواقيون على مبدأ الفضيلة وتجسيد الأخلاق في الحياة العملية، فالفلسفة في نظرهم لم تعد تبحث عن المعرفة في ذاتها بل أصبحت تتحدد من خلال الممارسة الأخلاقية ولذلك يعرف "سنيكا" احد رواد المدرسة الرواقية الفلسفة "بأنها بحث عن الفضيلة نفسها، وبهذا تتحقق السعادة التي تمثلت في الزهد في اللذات ومزاولة التقشف والحرمان".واكد "زينون "أن الفلسفة تفعل العقل للوصول إلى الفضيلة وبالتالي تحقيق السعادة الحقيقية، بعيدا عن المصالح النفعية القائمة على سيطرت اللذة الحسية.

5-الفلسفة الأبيقورية:

سميت بالأبيقورية نسبة إلى ابيقور، تندرج فلسفته ضمن المعيار الأخلاقي لكن بصورة عملية واقعية، لأن السعادة في نظره تتحقق بواسطة العقل وهي غاية الفلسفة وهذه الغاية تتحقق من حلال رفض المخاوف و الخرافات التي تعكر سكينة الفرد وطمأنينته بسبب ذكر قهر الآلهة و العقاب بعد الموت.

فالفلسفة تسمح بفهم الطبيعة كآلة ديناميكية محكومة بقوانين الطبيعة بعيدا عن الكائنات الفوق طبيعية، فأساس الحياة هي اللذة فهي الخير و غاية كل إنسان والألم وحده هو الشر الذي يجب تجنبه. غير أن اللذة ليست جسمية فقط بل توجد لذة عقلية اقوي واكبر.

6-المدرسة الإسكندرية:

تأسست هذه المدرسة في مدينة الإسكندرية ابان العصر الهيليني، ومن أهم مميزاتها التوفيق بين أراء أفلاطون المثالية و أرسطو المادية، و التشبع بالمعتقدات الدينية المسيحية و اليهودية و الأفكار الوثنية الشرقية مثل الزرادتشية و البوذية، وهذا المزيج هو الذي طبع فلسفة افلوطين سميت بالأفلوطينية الجديدة وفي حقيقة الأمر هي فلسفة تحتوي على اراء أفلاطون والرواقيين وبين الفكر الهندي و النسق الشرقي و الديانات الشعبية. والطابع العام لفلسفة افلوطين هو غلبة الناحية الذاتية على الجانب الموضوعي، فالمعرفة عنده تبدأ من الذات و تنتهي إلى الله دون أن تمر بالعالم المحسوس فهي باطنية.

وما يميز هذه المرحلة بروز بوادر انفصال العلم عن الفلسفة الفصل بعد ظهور فكرة التخصص المعرفي.

 1-  كونزمان بيتر و أخررن أطلس في الفلسفة , تر جورج كاتورة , المكتبة الشرقية , ش.م.ل.ط1 , بيروت لبنان , 2001 , ص 35   2- كونزمان بيتر و أخررن أطلس في الفلسفة , مرجع سابق , نفس الصفحة .  

*- نسبتا إلى إيليا إحدى مدن أيونية بجنوب إيطاليا , تزعمها بارمينيدس الإيلي , و زينون الإيلي , و تقول بالعالم الواحد له طبيعة لا تتغير و هي إن كان واحد في العقل فهو كثير في الحس .

 

 

Modifié le: jeudi 8 septembre 2022, 16:40