مفهوم الفلسفة
باعتبار الإنسان كائن عاقل، عكف مند القديم على البحث عن المعرفة، مستندا في ذلك لفاعلية العقل في حل المشكلات التي تواجهه، وهذه الفعالية تستدعي بالضرورة تفكير جاد وعميق للوصول إلى معرفة تفك لغز المشكلات، حينها يمكن القول أن الإنسان يتفلسف بمعني يفكر، وبالرجوع إلى تاريخ الفلسفة فإن أول من استخدم كلمة "يتفلسف" "هيرودوت عند حديثه عن كريزيوس القائل بأن صولون جاب كثيرا من الأقطار يتفلسف بمعني يبحث عن المعرفة.ويروي "يتوكيديس" مثيرا إلى هذا المعني في رثاء تركليس البديع الذي رثى به الأثنيين وقال فيه "نحن محبوا الحكمة (نحب التفلسف) ويقول شيشرون"إن الفلسفة هي العلم بأفضل الأشياء و القدرة على الانتفاع به بكل وسيلة ممكنة".[1]
أ/المعني اللغوي للكلمة:
الفلسفة (PHILOSOPHIE) كلمة يونانية ومعناها محبة الحكمة تتألف من لفظين "فيلا" philo وتعني الإثارة أو المحبة "صوفيا" sophia وتعني الحكمة. ويرجع هذا التعريف اللغوي للكلمة للفيلسوف اليوناني "فيتاغورس" حين سأله طاغية المدينة : من أنت فأجاب أنا فيلسوف، مؤكدا على أن الحكمة لا تكون إلا لله، إذ قال"فمن الغرور أن يدعي الإنسان لنفسه الحكمة واسم الحكيم لا تليق بالإنسان قط، بل يليق بالإله، وكفى الإنسان شرفا أن يكون محبا للحكمة وساعيا ورائها" ويدعم هذا الرأي الفيلسوف الألماني المعاصر كارل ياسبرس بقوله"الفلسفة ليست امتلاك الحقيقة وإنما السعي وراء الحقيقة"
ويري البعض أن أصلها تعود لسقراط والذي ميزة نفسه عن السفسطائيين الدين يدعون الحكمة فوصف نفسه بالفيلسوف، ووردت الكلمة على لسانه في محاورات أفلاطون ولكن بمعني أخلاقي أي محبة الحكمة الأخلاقية، وتطلق هذه الكلمة على العلم بحقائق الأشياء يعني فلسفة المعرفة وعلى العمل بها بما هو أصلح يعني فلسفة العمل. وما كان يميز البحث الفلسفي عند اليونان خاصية الشمولية فكانت بحثا عاما شاملا فسميت بأم العلوم.
في حين يري البعض الأخر أن أفلاطون عند بحث عن صفة تليق بصولون وسقراط فوجدها في محبة الحكمة أو الفلاسفة[2]
يؤكد الفارابي على إن اسم الفلسفة يوناني وهو دخيل في العربية وهو على مذهب لسانهم مركب من لفظين كما جاء في التعريف السابق فيلو تعني المحبة وصوفيا تعني الحكمة بمعني العلم والحلم، فأما العلم فهو عكس الجهل وأما الحلم فهو عكس الطيش والتهور و الرعونة، فالفلسفة إذن هي محبة الحكمة.
والحكمة هنا تعني المعرفة العميقة الواسعة بحقائق الأمور، والعمل بما يتناسب مع هذه المعرفة طلبا لأقصى درجات الكمال. من هنا يعد التفلسف بحثا ضروريا عن حقائق الأشياء بتحليل عناصرها ومعرفة أصولها ومصادرها للوصول للكشف عن حقائقها، فكل الظواهر مهما كان نوعها فهي في متناول عقل الإنسان.وطالما يفعل العقل في إدراك وتفسير الظواهر فهو يقوم بالتفلسف.
ب/المعني الاصطلاحي:
بالرجوع إلى تاريخ الفلسفة يتبين لنا أن كل عصر عرف مفاهيم خاصة للفلسفة، بحيث لم يتفق الفلاسفة عبر العصور على معني واحد، وهذا راجع لتعدد مشكلات و المواضيع التي تتعلق بكل عصر على حدي، إلى جانب اهتمامات الفيلسوف بقضايا تخص اهتماماته ومجالات بحثه. لذلك سوف نتطرق إلى معاني الفلسفة من خلال تاريخ الفلسفة.
2-الفلسفة عند فلاسفة اليونان:
لا يمكن الحديث عن الفلسفة خارج إطار النزعة الحضرية التي تميزت بها الحضارة اليونانية خاصة مع ظهور المدن، فكانت البدايات الأولى في مدينة ملطية الواقعة على ضفاف أسيا الصغرى، وفي هذه المدينة ظهرت البوادر الأولى للتفلسف على يد الحكماء الطبيعيين في القرن السابع و السادس قبل الميلاد. وكانت جل فلسفتهم تقتصر على التفسير المادي في فهم أصل الكون.
أ/الفلسفة الطبيعية "الحكماء السبع"
ويعد "طاليس" أول فيلسوف يوناني اهتم بهذه الإشكالية،إذ يرجع أصل العالم في كتابه "عن الطبيعة"إلى الماء باعتباره العلة المادية الأولى التي كانت وراء خلق العالم، فهو في نظره قوام الموجودات بأسرها، والعنصر الوحيد الذي يستطيع أن يأخذ أشكالا مختلفة وحالات عديدة (سائلة غازية وصلبة).
بينما يري "اناكسيمانس" أن أصل الأشياء الهواء الذي بتكاتفه وتخلله تحدث الأشياء و تزول بالرجوع إليه فهو أساس التنفس ألطف من الماء وأسرع حركة منه وأسرع انتشار.
أما "هراقليطس" يري أن أصل الكون النار لأنه سبب التغير و مبدأ الحركة، فطبيعة النار الاحتراق و الاحتراق تغير، وبهذه العملية تتحول أشكال الأشياء باستمرار، فالماء يتحول إلى بخار بفضل الحرارة.
في حين يري "أكزينوفانوس" أن أصل الكون هو التراب أو الأرض.
وبالنسبة "لأمبذوقليدس" فيرد الموجودات إلى الماء و الهواء والنار، والتراب وأضاف إلى العناصر الأربعة عنصر خامس وهو الأثير، فبامتزاج هذه العناصر في علاقة اتصال و انفصال يمر الكون في دائرة متعاقبة تبدأ من الإتحاد الكامل للعناصر تحت سيطرة الحب و تنتهي بالانفصال العناصر تحت سلطان الكراهية.
ويقتصر تصور "ديمقريطس" على اعتماد الذرة في نشأة أصل الكون، فهي العنصر الأساسي الذي لا يقبل الانفصال و لا التقسيم.وهي لا نهائية العدد فجميع الأشياء الموجودة تتكون من ذرات تسبح في الفراغ، وعند اصطدامها بذرات أخري تكون أشياء.
ب/الفلسفة الفيتاغورية:
يري فيتاغورس أن أصل الكون هو العدد و المتمثل في الواحد، ذلك أن كل ما تقع عليه عين الإنسان مكون من عدد، فالأعداد كلها متفرعة عن الواحد.
ج/الفلسفة السوفسطائية:
ظهرت النزعة السوفسطائية في الفكر اليوناني ما بين القرن الرابع و الخامس قبل الميلاد، واعتمد الشك في كل معرفة مهما كان نوعها أو مصدرها، فوصل الأمر السفسطائية إلى القول بفلسفة تقوم على الشك, فقد نقل عن بروتاغوراس (Protagoras)(490-421 ق م) عبر الجملة المأثورة عنه "إن الإنسان هو مقياس كل الموجودات بالنسبة إلي وجودها وغير الموجودات بالنسبة إلي عدم وجودها "1 وهذه العبارة القصيرة تمثل الثورة الفكرية للسفسطائيين في مختلف ميادين الفكر. وهي تعني بالنسبة لنظرية المعرفة أن الإنسان الفرد هو مقياس أو معيار الوجود.
فالوجود بالنسبة لهم ينطلق من الذات ولا يكون موضوعياَ بل هو في تغير مستمر، يقول غورجياس Gorgias))(485-370ق- م) " لاشيء موجود"، وحتى لو كان موجود فهو غير خاضع للمعرفة ، وحتى إن كان خاضعاَ للمعرفة، فإن هذه المعرفة غير خاضعة للتناقل2. و يتبين من خلال هذا الطرح أن الحقائق ليست مطلقة بل متغيرة وتختلف تبعاَ للزمان و المكان، وبذلك يتم التنكر للمحاولة التي قامت بها الفلسفة الإيلية* القائمة علي محاولة إيجاد
وجود موضوعي يمكن القول به, فالإنسان يبقي عالقاَ دائماَ وسط شبكة من الأقوال و الآراء، وبالتالي هو مقياس كل شيء، فالشكية كعقيدة فلسفية انبثقت خلال أزمة المجتمع وكانت كرد فعل علي المذاهب الفلسفية السابقة التي حاولت أن تفسر العالم الحسي عن طريق المجادلات التأملية.
[1] - إرفلر كوليه، مدخل إلى الفلسفة، مطبعة لجنة التأليف للترجمة و النشر، تر أبو العلا عفيفي، ب د طبعة، ص8
[2] - رجب بودبوس، تبسيط الفلسفة، دار الجماهيرية للنشر و التوزيع و الإعلان، ليبيا، ط 1 ص 15.