المحاضرة الرابعة : أثر عامل القيادة
المحاضرة الرابعة : أثر عامل القيادة (صانع القرار) في توجيه السلوك السياسي ليست السياسة الخارجية مجرد محصلة للتأثير الآلي للعوامل الموضوعية فحسب ، فالسياسة الخارجية يضعها في التحليل النهائي فرداً أو مجموعة أفراد وهو في ذلك يتأثر بدوافعه الذاتية و خصائص شخصيته و بتصوراته الذهنية لطبيعة العوامل الموضوعية . و يلعب القائد دوراً أساسياً و مهماً في صنع السياسة الخارجية و خصوصاً في بلدان العالم الثالث حيث تعد المؤسسة الرئاسية (النخبة الأساسية ) هي الصانع الحقيقي للسياسة الخارجية لتلك البلدان و ذلك من خلال : التخطيط و التطوير و التكييف. وتشير العديد من الدراسات المعنية في هذا الميدان ولاسيما الدراسات التجريبية ان لصانع القرار في الدول المتقدمة ايضا ، سواء كانت ديمقراطية ام تسلطية ، تأثير في عملية صنع السياسة الخارجية لبلاده سواء في مرحلة انضاج البدائل او اختيار البديل السلوكي او القرار السياسي ،او في حالة الرد على البدائل او المواقف التي تنقل له من البيئة الخارجية سواء من النظام الدولي او النظم الفرعية المناظرة ،وتؤكد بعض شواهد التاريخ ان ارتقاء مكانة بعض الدول ، او ديمومة محافظة بعضها الاخر على مركزها الدولي ،قد جاء نتيجة للدور التاريخي لصناع قراراتها ،باعتبار ان هؤلاء يتخذون القرارات نيابة عن دولهم ويصنعون من خلالها المتغيرات والاحداث البارزة ، ومن هنا يمكن تفسير ظاهرة اختلاف انماط تصرف الدول المتشابهة في خصائصها عن بعض ،او تباين قرارات ومواقف عدد من صانعي القرارات عند تفاعلهم مع موقف من نمط محدد. تحديد مفهوم القيادة: تعد ظاهرة القيادة من أكثر الظواهر الإجتماعية التي عنيت بالبحث والدراسة إلا أنها كانت ولا تزال من أقل الظواهر فهما وادراكا في العلوم السياسية، مع إلاشارة إلى ان كثيرا من كتب السياسة تعالج ظاهرة القيادة دون تناول تحليل دور القيادة وتأثيرها بصفتها صانعة للقرار الخارجي . تعرف القيادة في معجم المصطلحات السياسية والدبلوماسية بأنها:" فن أوعلم ضبط الجماعة وتنظيمها ، وهي موقع الرجال أو النساء من السلطة، قيادة تشريعية أوتنفيذية أوعسكرية قيادة الدولة أو رئاستها. (14) " يذهب كل من إسماعيل صبري مقلد ومحمد محمود ربيع القيادة في موسوعة العلوم السياسية الى ان القيادة هي:" العملية التى يمارس من خلالها عضو الجماعة تأثيرا إيجابيا على باقي أعضاء الجماعة وعلى ذلك فالقائدLEADER هو عضو الجماعة الذي يمارس تأثيرا إيجابيا على أعضاء الجماعة الآخرين" . وتبعا لذلك يمكن وضع تعريف لمفهوم القيادة مفاده: (15) أن القيادة هي مسؤولية إنسانية وإجتماعية وسياسية وتارخية لمرحلة معينة تهدف إلى التوجيه والسيطرة لمجموعة تتألف من أكثر من اثنين فما فوق بحصر نوع من التفاعل المتبادل بين القائد والمحكومين القائم على الثقة المشتركة لانجاز المهمات المستقبلية المطلوبة لتطور وتقدم ذلك التنظيم. الكاريزما وعملية صنع القرار زخرت الحقب التاريخية بحقب غير اعتيادية ، قريبة من الازمات الحادة في الربع الأول من القرن العشرين وما بعده مما شجع على ظهور القيادة الكاريزمية بصورة أوبأخري كما هو الحال مع ايطاليا موسوليني " وألمانيا هتلر" وعلى نحو أقل من ذلك اسبانيا والبرتغال قبل تطوعهما بالنظام الديكتاتوري. تبنى عالم الاجتماع الألماني "ماكس فيبرMax Weber" بناء نظريا لمفهوم السلطة الكاريزمية، استخدم من خلالها مصطلح الكريزما بمعنى موسع ضم كافة أوجه التعبير عن التفوق والنبوغ الذي يكون مظهرا للهبية الإلهية . يورد ماكس فيبر بوصفه من أوائل من وكتب في مفهوم الكاريزما تفاصيل مهمة عن هذا المفهوم وتطوراته في أكناف الدول الأوروبية والغربية محاولا وضع حدود بين هذه الظاهرة عن مثيلتها في دول الجنوب لاختلاف المتغيرات التاريخية والسياسية في حركة المجتمعات السياسية في كلا الطرفين(16). وتبعا لذلك يقول "فيبر" أن الزعيم في الغرب يظهر دون أن تكون له مميزات شخصية وهو فرد في دولة تتكون من مواطنينن لايختلف أحدهم عن الآخر كما هو الحال في مختلف الديمقراطيات اليونانية القديمة وقد يكون زعيما حزبيا وصل إلى البرلمان بعد أن قطع شوطا على ساحة الدولة الدستورية . ويضيف "فيبر" معلقا على مفهوم الكريزما مؤكدا أنها كانت دائما موجودة لدى النبي والساحر والديماغوجي ، وزعيم الحزب ، ولدى كبار وجوه السياسية: من قيصر إلى نابليون وبسمارك وفي نظم الملكية المطلقة، وفي مختلف أشكال الديمقراظيات الدستورية والإشتراكية والرأسمالية. إن الكريزما بنظر "فيبر" تعطي لرجل السياسة قوة القرار والإختيار بل وعشق القرار ومتابعة أهدافه وتشجيعه على تكريس ذاته وإخلاصه دون قيد ولاشرط . عارض "حامد ربيع" ماجاء به فيبر واصفا بأنه يتدرج في أخطاء في صياغته لمفهوم الظاهرة الكاريزمية على أنها إنعكاس للتدهور أوتعبير عن الاختلال ، وأنها على العكس من ذلك تقدم أكثر النماذج السياسية صفاء أوتسمح بأكثر المواقف السياسية تماسكا . قدم بعض الباحثين عدة متغيرات تشكل في إطارها العام متغيرات مهمة في أداء دور القيادة الكاريزمية وهي كالتالي : 1- قوة شخصية القائد: من حيث سماته الشخصية والنفسية والسلوكية فضلا عن تنوع خلفيته المهنية والعلمية وثرائها. 2- الخبرات السياسية والحزبية للقائد: بمعنى ارتباطه وزعامته لحزب سياسي كبير ودوره المؤثر في إدارة أوتسوية أية انقسامات داخله لضمان الحفاظ على وحدته وتماسكه. 3- طموح القائد: بمعنى انطلاقه في سياساته الداخلية والخارجية وفي خطابه السياسي من تصور لمشروع معين للنهوض القومي، وتمتعه بمساندة جماعات وقوى داخلية وخاريجية لهذا المشروع. 4- الإحاطة بالتعقيدات السياسية الدولية و المتغيرات الدولية . ومن هنا يبدو أن دول العام الثالث تحتاج للقيادة الكاريزمية أكثر من دول الغرب لأن السلطة الملهمة كما يراها فيبر" كونها ضرورية عندما تمر المجتمعات بأزمات عنيفة وتنهار فيها القيم والقواعد السائدة في المجتمع لتظهر زعامات من نوع جديد تقود حركة التطور الى الأمام، هذه الزعامات تعد ملهمة لأنها لا تتقيد بالوضع القائم، وإنما تستوحي مسيرة التاريخ بوعي مكثف وإرادة قوية. أنماط القيادة : يمكن تقسيم القيادة الى عدة انماط وفق المعايير التي يحدد في ضوءها ذلك التصنيف. فمن وجهة نظر الفاعلية يمكن تقسيم القيادة الى قيادة ايجابية واخرى سلبية، ومن جهة تفويض السلطة يمكن تقسيمها الى قيادة مركزية واخرى لامركزية، ومن حيث طبيعة التنظيم يمكن تقسيمها الى قيادة رسمية واخرى غير رسمية، وتتفق اغلب الدراسات على تقسيم القيادة الى ثلاث انماط رئيسة: قيادة ديمقراطية ،واخرى اوتوقراطية وثالثة متحررة..وفيما يلي نبذة مختصرة عن تلك الانماط : • النمط الديمقراطي : (النمط التشاركي ،النمط الايجابي،النمط البناء او التوجيهي) تسند هذة القيادة الى ثلاث ركائز هي:العلاقات الانسانية ،والمشاركة ،وتفويض السلطة . فالقيادة الديموقراطية تقوم على الثقة في المرؤسين والاستفادة من ارائهم وافكارهم ، واتاحة الفرصة لمبادرتهم في تخطيط اعمالهم ،وتنمية افاق التعاون بين العاملين(17) فهي تؤدي الى رفع الروح المعنوية للعاملين ومضاعفة الطاقة الانتاجية ،وتشجيع روح المبادرة،وتنمية روح الابداع والابتكار،واشباع الحاجات الانسانية والاقتصادية والنفسية للعاملين. (18) فالقائد الديمقراطي لايتمسك في الغالب بالسلطة في عمله ،وانما يتفاعل مع مرؤوسيه، ويطلعهم على المشكلات التي تواجههم وياخذ بمقتراحتهم ويشركهم في اتخاذ القرارات. - اشكال القيادة الديموقراطية: يرى كنعان نواف ان هنالك خمسة نماذ ج من سلوكيات القائد الديموقراطي ازاء تطبيق مبدا المشاركة هي: (19) شكل (2) نماذج سلوكيات القائد الديمقراطي • القيادة أو النمط الأوتوقراطي : (النمط الديكتاتوري-التسلطي- الاستبدادي) تدور القيادة الاوتوقراطية حول محور واحد وهو اخضاع كل الامور في التنظيم لسلطة القائد الذي يقود المنظمة، فهو يبلغ المرؤسين بالاوامر وعليهم السمع والطاعة دون مناقشتهم،ويستخدم اسلوب التحفيز السلبي غالبا(20 ) ويستند هذا النمط الى فرضية ان الانسان كسول بطبعة يميل الى التهرب من المسؤلية وقلة العمل وهذة الصفات تهيئه للانتقاد والاعتماد على الغير، وتجعلة يعمل خوفا من الجزاء والعقاب وليس حبا للعمل. - اشكال القيادة الاوتوقراطية : يميز بعض علماء الادارة بين ثلاث اشكال رئيسية من نمط القيادة الاوتوقراطية على النحو التالي : (21) شكل (3) أنماط القيادة الاوتوقراطية • القيادة او النمط الترسلي:(الفوضوي- الغير موجة –المطلق – الحر- التسيبي) يعتبر هذا النمط نموذج مفرط للنمط الديمقراطية، ويقوم القائد فيه يعمل مايلي: 1-يفقد القائد مقومات القيادة الفعالة نظرا لتخلية عن المسؤولية في اتخاذ القرارت. 2-يقوم القائد بتوضيل المعلومات الى افراد مجموعتة ويترك لهم الحرية في التعرف دون أي تدخل منه. 3- يمنح القائد اكبر قدر من التحرر والحرية الكاملة للاعضاء في اتخاذ القرار دون أن يساهم مساهمة فعالة. 4- ينحصر الاتصال بين القائد والأعضاء في أضيق نطاق ممكن. 5-لاتحترم الجماعة قائدها إيمانا من أفرادها بان شخصية القائد ضعيفة. من خلال عرض الأنماط السابقة ، يتضح مايلي: 1-القيادة سلوك مكتسب عن طريق التعلم والممارسة الملائمة. 2- يجمع القائد بين أكثر من نمط. 3-أن القائد الديمقراطي المؤهل والمدرب هو أكفأ من غيرة في توجيه الجماعة توجيهها تعاونيا. 4- أن القيادة الديمقراطية هي اقدر القيادات التي تحقق أهداف المؤسسة لقربها من نفوس العاملين وارتباطهم بها.