المحاضرة الثالثة : العوامل الخارجية
المحاضرة الثالثة :العوامل الخارجية.
ونعني بها كل العوامل التي تقع خارج الوحدة السياسية والتي يمكن ان تؤثر في عملية صناعة القرار الخارجي ، من اهمها : التكتلات الدولية ، المنظمات الدولية ، الشركات المتعددة الجنسيات و الراي العام الدولي .
1- التكتلات الدولية(9):
يستعمل تعبير تكتل للدلالة على الالتزام التعاقدي ، من النوع السياسي او العسكري المتبادل بين عدد من الدول الموجه ضدد دول محددة ولو لم تكن مسماة ، مثل هذه الاحلاف تنشئ منظمات للسهر على تنفيذ اهداف الالتزام ، وهي عادة تتسم بالرسمية بتوقيع اتفاقية او معاهدة .
لذا فان التغيرات التي طرأت على العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، حذت ببعض الدول الى تشجيع سياسة التحالفات والتكتلات، فكان لا بد لهذه التغييرات أن تفرض نماذج سلوكية جديدة حيث قامت بعض الدول بعقد أحلاف مع اقطارها المجاورة والصديقة بغية تحقيق أهدافها، وكان لابد لهذه التطورات في اليساسة الدولية أن تترك تأثيرها الواضح علي عملية صنع القرار في السياسة الخارجية، فعلى حين تضع الكتل معايير السلوك تحكم علاقة اعضائها فإنها أيضا تضع معابير للسلوك تجاه الدول المعادية والمحايدة.
ويتضح من ذلك أن المنازعات بين الدول الأعضاء في داخل هذه التكتلات تفرض اتجاهات سلوكية معينة لها أثرها على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية، فهي مضطرة أن تسلك نهجا معينا بفعل الضغوط السياسة والإقتصادية والعسكرية النابعة من عضويتها في مثل هذه التكتلات.
2- المنظمات الدولية(10):
وهي مؤسسات وهيئات دائمة ذات ارادة ذاتية وشخصية قانونية ودولية مستقلة تنشئها مجموعة من الدول لتعزيز التعاون فيما بينهم وتحقيق اهدافها المشتركة ، ويبين ذلك الاتفاق المنشأ بينهم ،حيث تشارك في تفعيل ارادة الجماعة الدولية و تقوم على هيكل إداري وتنفيذي كمنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات التي تتكون من انضمام مجموعة من الدول إلى ميثاق أو اتفاقية معنية بإنشاء وعمل المنظمة.
لقد أدى ظهور المنظمات الدولية والإقليمية بعد الحرب العالمية الثانية الى نشاط دبلوماسي بين الدول والى التنسيق في الادارة و المواقف تجاه المشكلات الدولية المختلفة، وأدى بالتالي الى اتباع نماذج سلوكية واختيار بدائل معينة تتفق مع سياستها الخارجية، إلا أنا الدول غالبا ما تلتزم بمواثيق هذه المنظمات، إذ ما وجدت لتخذم مصالحها، ولا سيما أن مثل هذه المنظمات تفتقد ، إلى عنصر قوة الإلزام. ومع ذلك فإن المنظمات الدولية من الممكن أن تمارس وسائل الضغط على صانعي القرار.
فانشاء عصبة الامم بعد الحرب العالمية الأولي ، ثم الأمم المتحدة و الوكالات المتخصصة التابعة لها، وانشاء منظمات اقليمية بعد الحرب العالمية الثانية، أسهم الى حد بعيد في نقل قواعد السياسة الداخلية الى المجال الدولي، وبصوره عامة فإن ديناميكية المنظمات الدولية في التأثير على عملية صنع القرار السياسي الخارجي تعتمد على مد قوة هذه المنظمات، ومدى اهتمام صانعي القرار بالانضمام إليها ومراعات وجهة نظرها.
3- الشركات المتعددة الجنسيات(11):
هي شركات ملكيتها تخضع لسيطرة جنسيات متعددة ، يتولى إدارتها أشخاص من جنسيات متعددة وتمارس نشاطها في بلاد أجنبية متعددة على الرغم من أن إستراتيجياتها وسياساتها وخطط عملها تصمم في مركزها الرئيسي الذي يوجد في دولة معينة تسمى الدولة الأم Home Country، إلا أن نشاطها يتجاوز الحدود الوطنية والإقليمية لهذه الدولة وتتوسع في نشاطها إلى دول أخرى تسمى الدول المضيفة Host Countries.
ونظرا لما تتمتع به الشركات متعددة الجنسيات من طاقة هائلة في توظيف القوة التأثيرية على الدول لمتابعة مصالحها فإن باستطاعتها استثمار هذه السلطة وبالطريقة التي تسطيع بها ممارسة أنواع الضغوط كافة، ولا سيما ضد دول العالم الثالث كالتدخل السياسي والإقتصادي والعسكري، وبصورة متعددة. ولعل هذا ماحذا بالرئيس الشيلي سلفادور الاند Salvador Allende الى ان يصفها – اي الشركات متعددة الجنسيات - أمام الدورة 29 للجمعية العامة للأمم المتحدة أكتوبر1972 ب أنها": دولة داخل دولة".
ان الشركات متعددة الجنسيات تلجا الى وسائل عديدة في تأثيرها على السلوك السياسي للدول ومن ذلك:
1- تشجيع بقاء الأنظمة السياسية التقليدية، ومن شأن هذه السياسات عرقلة الإصلاحات الديمقراطية التى تعد ضرورية لعملية التحديث السياسي.
2- استغلال الموارد الطبيعية في دول العالم الثالث دون دفع هذه الدول الى مجال التنمية.
3- التأثير على نمط أشكال الحكومات في بعض الدول.
4-استخدام هذه الشركات الأداة الإقتصادية، بغية الهيمنة الاقتصادية على وحدة سياسية معنية.
4-الرأي العام العالمي(12):
بدأ الرأي العام العالمي بالظهور بعد الحرب العالمية الاولى وهو يعبر عن تلك الاتجاهات التي تسيطر على أكثر من مجتمع واحد أو التي تعكس توافق في المواقف بين أكثر من وحدة سياسية واحدة.
لتوضيح أهمية وقيمة الرأي العالم العالمي في صناعة القرار السيلسي الخارجي، يمكن عرض رؤية اتجاهيين متناقضين :
1- يرى انصار الاتجاه الاول ، بأن للرأي العام تأثيرا معتبرا في السياسة الدولية ،إذ يؤكد هذا الفريق أن ضغط الرأي العام العالمي قد مهد لإيجاد مشورعات هامة في السياسة الدولية، و منها على سبيل المثال، عصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وميثاق"بريان كيلوج"سنة 1928 ومنظمة الأمم المتحدة.
2- أما الفريق الآخر، فيؤكد على انتفاء أهمية دور الرأي العام الدولي في السياسة الخارجية، وحجته في ذلك بعض الشواهد التاريخية، مثل اخفاق الرأي العام الدولي في الوقوف ضد الإعتداءات الموجهة ضد الصين في الثلاثينات من القرن العشرين، أو كبح الهجوم الإيطالي على اثيوبيا سنة 1936، إلى غير ذلك من المعضلات الدولية.
وبعيدا عن هذين الاتجاهين يرى "اسماعيل صبري مقلد" أنه لا يمكن الادعاء بأن الرأي العام فاقد لكل تأثير فهذا التأثير ومداه يختلفان بحسب الظروف والواقع الدولي، فبينما يظهر في بعضها بصورة ايجابية حاسمة فانه يظهر في بعضها الأخر بشكل أقل ايجابية.
اضافة الى العوامل الخارجية المذكورة آنفا هناك عوامل خارجية موضوعية وهي تلك العوامل الناشئة عن البيئة الخارجية للوحدة الدولية أي الآتية من خارج نطاق ممارستها لسلطتها أو تلك التي تنشأ نتيجة التفاعل مع وحدة دولية أخرى و تشمل(13):
1- النسق الدولي : ويدخل ضمن هذا الاطار عدد الوحدات الدولية و ماهيتها و بنيان النسق الدولي و المستوى المؤسس للنسق الدولي و العمليات السياسية الدولية بما في ذلك تأثير الأحلاف .
2- المسافة الدولية : و يقصد بها التشابه و التعاون بين خصائص الوحدة الدولية محل البحث و الوحدات الدولية الأخرى التي تدخل معها تلك الوحدات في علاقات و يشمل عامل المسافة الدولية :المسافة الخارجية و المقدرات النسبية و توازن القوى و تشابه القوى.
3- التفاعلات الدولية : إذ تتأثر السياسة الخارجية للدولة بنوعية التفاعلات التي تربطها بالدول الأخرى و تشتمل سباق التسلح و التبعية الاقتصادية و سياسة الاستقطاب .
4- الموقف الدولي : و يقصد بها الحافز المباشر الناشئ من البنية الخارجية في فترة زمنية معينة و الذي يتطلب من صانع السياسة الخارجية التصرف بشكل معين للتعامل معه .