واجب (تطبيق تقنيات المدة الزمنية في نماذج روائية جزائرية)
2-تقنيات المدة الزمنية في نماذج روائية جزائرية:
2-1-1-الوقفة الوصفية:
المقطع الأول: (كان (سي طاهر) يعرف متى يبتسم، ومتى يغضب. ويعرف كيف يتكلم، ويعرف أيضا كيف يصمت. وكانت الهيبة لا تفارق وجهه ولا تلك الابتسامة الغامضة التي كانت تعطي تفسيرا مختلفا لملامحه كل مرة)[1].
المقطع الرابع: (خالتي الزهرة بيضاء كعمود الثلج، قوية الجسم بلباسها الأبيض الناصع من العشعاشي الذي تحب لبسه على الرغم من قدمه...)[2].
المقطع الخامس: (قال (الراوي) كان التراس فارسنا بطلا...أطلسي القامة، عريض المنكبين، عيناه نجمتان ساطعتان وفمه هلال، وشعره غابة صنوبر، أفقه السماء..وعطره الخزامى، وحديثه جدول عذب يطفئ ظمأ كل المخلوقات..)[3].
المقطع السادس: (كانت شفتاه [الصادق دريوش] كشقي طاحونة، تتسعان حتى يصل طرفاهما الحنكين، ثم تضيقان حتى تطبق الشفة على الأخرى، والكلام يتدفق كشلال من الحمق والحمأ المسنون)[4].
المقطع السادس: (...والطاهر بمعطفه الطويل المتسخ والممزق، وشعره الأشعث والأغبر، ولحيته غير المتناسقة، والتجاعيد التي بدأت تظهر فوق عينيه السوداوين، وبقعة شبه زرقاء أسفلهما كسحابة سوداء داكنة...)[5].
المقطع السابع: (...أبو الرميصاء من النوع الذي يحب الأهوال والملاحم لا يشبع منها، كأنه سليل الموت..واسع الجبهة والأنف، كثيف اللحية، واسع الصدر، ضخم المنكبين منتفخ البطن، يدلك مظهره على مخبره..غليظ الصوت خشن الألفاظ دائم العبوس والأحزان، لا تكاد كلمات الموت والذبح والجهاد والطاغوت وأضرابها تفارق لسانه ولا تكاد مواضيع المغالبة والمطالبة والصراع تغيب عن أحاديثه ومناقشاته، بدا في ريعان شبابه رغم أن ملمح صلع بدأ يغازل مقدمة رأسه في استحياء. هل يمكن أن أرى أبا الرميصاء يوما مبتسما؟ يقول منير لقلبه..)[6].
المقطع الثامن: (عوالم أبي كانت مملوءة بالإثارة والصخب، عوالم كثيفة كان أبي يبرع في مهادنتها بتركيزه العالي، ومرونته..يداه: شاسعتا المساحة، عميقتا الأخاديد، دقيقتا الذاكرة..ملعونتا الضربة..والعارفتان بكل شيء..)[7].
إن قارئ هذه المقاطع الوصفية، يشعر بانقطاع السيرورة الزمنية وتعطلها؛ لأن السارد انصرف كلية إلى الوصف، مما نجم عنه اختفاء السرد وتعليق الزمن، في مقابل الحضور المكثف والمتمكن للوصف. وهنا نشير إلى أن هذا النمط من الوصف الذي يتسبب في قطع الزمن وإيقافه في القصة، يكون متعلقا بالوصف المباشر للأشياء والأشخاص والكائنات والأمكنة؛ أي عندما يكون السارد الواصف في النص أو الخطاب ساردا من خارج الحكاية، وليس شخصية من الشخصيات المشاركة في الأحداث التي توكل إليها مهمة الوصف، فتغدو قناة مفوضة بذلك. وهذه الحالة أطلق عليها جينيت تسمية الوصف المبأر.
2-1-1-1-الوصف المبأر:
يندرج الوصف المبأر ضمن الوصف عن طريق الرؤية، أو بالأحرى أنه ينتمي إلى نمط من أنماط التبئير عند جيرار جينيت، هو التبئير الداخلي الذي يقدم فيه الوصف من منظور الشخصية الرائية أو المدركة المشاركة في الأحداث[8]. ومع هذا النوع من الوصف لا يمكن الحديث عن وقفة وصفية، أو عن أي توقف أو تعطل للزمن؛ لأن حركة السرد غير منتفية، وحضوره أوكد لطالما أن هناك شخصية تصف وتتأمل وتدرك، لكن الملاحظ أن وتيرة الزمن تكون متباطئة نوعا ما إلى درجة التماثل بين زمن الخطاب وزمن القصة، مما يجعل الحركة الزمنية الأليق بهذا النوع من الوصف هي تقنية المشهد.
المقطع الأول:(فابتسم أحمد [عاكف] وتراجع إلى حجرته وهو يقول لنفسه:"صدق أبي" وألقى على حجرته نظرة فاحصة فوجدها قد وسعت أثاثه تحت ضغط محا ما كان لها من تناسق؛ فعلى الشمال الفراش، وعلى اليمين صوان الملابس، تليه المكتبة كدست على كثب منها الكتب، وكان بها نافذتان فرغب أن يلقي نظرة عجلى من كل منهما، فدلف من اليمنى ففتحها، وكانت تطل على الطريق الذي جاء منه، ومنها استطاع أن يتبين معالم الحي من عل، فرأى أن العمارات شيدت على أضلاع مربع كبير المساحة، وأقيمت في ساحة المربع التي تحيط بها العمارات مربعات صغيرة من الحوانيت تلتف بها الممرات الضيقة، فكانت نوافذ العمارات وشرفاتها الأمامية تطل على أسطح الحوانيت، وتأخذ نصيبها من الهواء والشمس، ولا يحجب عنها بقية العمارات حجاب، فكان الناظر من إحدى النوافذ الأمامية يرى مربعا كبيرا من العمارات ينظر هو من نقطة في أحد أضلاعه، ويرى في أسفله مربعات كثيرة من أسطح الحوانيت، تخترقها شبكة معقدة من الممرات والطرقات، ورأى فيما وراء ذلك مئذنة الحسين في علوها السامق تبارك ما حولها. فارتاح الرجل لانطلاق الفضاء أمامه لأن أخوف ما كان يخافه أن ينظر فلا يرى إلا جدرانا صماء، ثم تحول إلى النافذة الأخرى التي تواجه باب الحجرة وفتحها فرأى منظرا مختلفا، ففي أسفل طريق ضيق يوصل إلى خان الخليلي القديم مغلقة حوانيته فبدا مهجورا، وعلى الجانب الآخر من الطريق جانب من عمارة تواجهه نوافذها وشرفاتها عن قرب، ثم تبين له أن سطحي العمارتين متصلان في أكثر من نقطة وأن أطباقهما المتقابلة متصلة كذلك بالشرفات مما جعله يحسب أنهما عمارة واحدة ذات جناحين، وفي الطرف الأيسر من الطريق يبدأ خان الخليلي القديم، وقد رآه الرجل من نافذته أسطحا بالية، ونوافذ متداعية، وأسقفا من القماش والأخشاب تظل الطرق المتشابكة، وفيما وراء ذلك تملأ الفضاء المآذن والقباب وقمم الجوامع وأسوارها، تعرض جميعا صورة من الجو للقاهرة المعزية. وكان يرى ذلك المنظر لأول مرة، فأكبره على نفوره من الحي الجديد، ومضى يسرح الطرف في مشاهده الغربية المترامية، وهي مشاهد حقيقة بأن تدهش عينين لم تألفا غير الورق، ولا عهد لهما بآيات الطبيعة أو الآثار...)[9].
المقطع الرابع: (كان رابح بن سالم يجلس قبالة النافذة ويشاهد جزءا من الطريق وأديما واسعا من السماء الصافية. قابله البدر في عليائهز دائري الشكل. ساطع ضوؤه. وسط فضاء متلألئ من النجوم السابحة في سواد منفتح. غرق بصره في المنظر الجميل...)[10].
المقطع الخامس: (ولما وقف [منصور المهبول] عند باب الحديقة، رأى أشباحا سوداء، تتحرك منحنية بغرض الاستخفاء، بعضها يطرق بابا، وبعضها يهمس عبر مصراعي النافذة، وبعضها يعالج قفل الباب...!)[11].
المقطع السادس: (فتحت نافذة الغرفة قليلا فرأيته واقفا هناك يتأمل [الحاج يوسف] القبور واحدا واحدا، مستعدا لإطلاق الرصاص بمجرد حركة لا تعجبه. كدت أضحك، كنت أقول إن هذا الرجل يراقبهم علّهم يستيقظون وينوون الرجوع لجعل أعلاها سافلها ثم يلتحقون بجبل الأوحال، يختبئون في المغارات، خلف الضرو والريحان والبلوط ثم يخرجون للصيد فرحين)[12].
المقطع السابع: (يعتدل أبو البراء في جلسته على الحجر الصلد البارد الناتئ المغروس، كأنف كبير، على رأس الجبل الأحمر، جبل الكتيبة، يشرف الجالس فوقه على القمم كلها ويبصر الطريق الصاعد نحوه، والوادي في الأسفل، والمدينة الرابضة الساكنة من بعيد كأنها تخشى أن تتحرك فتثير انتباه عدو متربص..)[13].
المقطع الثامن: (يتسرب من خصاص النافذة نور باهت. ومن داخل سيارته، في ساحة الحي، بقي يرصد [رفيق ناصري] أي حركة محتملة دون أن يبادر بالصعود إلى الشقة..كأنها لم تكن ليلته الثالثة التي سيبيت فيها حارسا، مترقبا ظهور الرجل الذي اختفى. الكون مليء بالألغاز، الحقيقية والملفقة، لكن ما كان يشغله حقا في الأيام الماضية هو أن يجد "المختفي" أو يعرف مصيره على الأقل. وهاهو، بعد ذلك، عندما وصل متأخرا عن وقت مجيئه في الليلتين السابقتين، رأى ذلك النور الخافت ينبعث من غرفة الصالون، ولم يحرك ساكنا)[14].
في هذه المقاطع الوصفية يفوض السارد الوصف، أو الرؤية لشخصية مشاركة في الأحداث، فيكون هو الواصف في الخطاب لما تراه الشخصية وتدركه وتتأمله في القصة أو في الواقع، وبهذا يتحقق الإيهام بواقعية الوصف في الخطاب أو النص.
نخلص إلى القول بأن الوصف لا يوقف حركة الزمن على إطلاقها، وإنما قد تدب فيه الحركة، ويكون باعثا على الحيوية والنشاط، مشكلا نوعا من التسريد بالوصف أو ما يسمى بالوصف المسرد الذي يعبر عن تجارب حياتية ومشاهد حية وناطقة باسم الحقبة الزمنية والتاريخية المعيشة، وعلى تصوير الحياة الاجتماعية السائدة في حقبة زمنية محددة أيضا. ونمثل لذلك بهذا المقطع السردي من رواية "زهوة" للحبيب السائح في وصف الزربية، الذي ينبض بالحركة والشاعرية، التي مدارها على الوصف والرسم بالكلمات:
(وتولى إلى يمينه. فانشدّ عنه إلى المتاع. لا شيء بدا منه وضع لزينة، إن لم يكن للضرورة-حتى الزربية المبثوثة ذات العمق الأسود المخلل برقوم حمراء غالبة متقنة التوزيع حسب موتيفات هي أشكال هندسية من أنصاف مربعات ومعينات متقابلة كأن الفراغات ما بين أطرافها معابر ومداخل لخيام أو ديار مترامية في سهل ليبدو المربع الأكثر صغرا في مركزها هو نواةَ الحياة ومن حوله الخطوط المعقوفة شبيهة بالصلبان والمتقاطعة بلا نهاية والملتفةُ على بعضها في حركة ثنائية كما لذكَر وأنثى مقترنين وهنا وهناك أشكال أخرى كما أعمدة فقرية نخرة دالة على فناء ضمها كلَّها محيط مغلق من خطين متوازيين متداخلين في انكسار مسنن بزوايا قائمة سياجا للزمن بقبضته السرمدية. على أطرافها وسائد مخملية من لونها ذاته مسندة إلى الحيطان الثلاثة فحسب لأن الحايط الرابع احتل وسطه كانون فيه جمر زاهر فوقه بقراج. على جانب منه مائدة فيها صينية بكؤوس وبراد"[15]. يقول الناقد "مخلوف عامر" معلقا على هذا المقطع الوصفي: "هي الزربية التي نفترشها أو نتغطى بها أو نراها يوميا معلقة أو مسندة إلى جدار، لكنها مألوفة لا نرى فيها ما يراه الكاتب، فهو يلاحق تفاصيل رسومها التي لم توضع اعتباطا بقدر ما تحيل على ذاكرة منسية، فصفة المبثوثة تستدعي من القرآن -حتما- (وزرابي مبثوثة) في سورة الغاشية مشهد من مشاهد أهل الجنة...ففي هذه الفقرة، ومن غير حاجة إلى مقارنة ولا إلى تشبيه صريح، لا شك تشتغل خلفية القارئ -إذا كانت قرآنية- لتستكمل المشهد، وإذا أهل المقام كأهل الجنة...والمربعات والمعينات تحيل على الخيام أو الديار، على مجتمع هو في فترة تاريخية مجتمع ريفي. وربما في الصلبان إشارة إلى حقبة من التاريخ كانت حاضرة في ذهن من وضع تلك الرسوم...هي زربية متحركة، متحدثة تدب فيها الحياة، أو على الأصح، الكاتب يزرع فيها الحياة. نراها نحن أثاثا جامدا لا روح فيها، بينما يراها هو بروح العين التي نسجتها ورقمتها، إن الزربية التي يراها هو، ممتدة امتداد التاريخ، نراها نحن دوما مطوية على نفسها وعلى التاريخ. إنها اللغة التي ترقى بالمألوف إلى درجة اللامألوف. من الكلام العادي إلى الإنشاء الأدبي"[16].
2-1-2-تقنية الحذف:
من مميزات خطاب المحكي الحذف والتجاوز على ذكر بعض الأحداث وإسقاطها من زمن القصة، إذ يقتصر السارد حينها على بعض الإشارات والقرائن الدالة عليه في زمن الخطاب. وقد يكون الحذف صريحا وضمنيا، كما أنه يكون افتراضيا، وهو أندر وقوعا وأصعب تحديدا وأكثر ضمنية في المحكي. كما أن حضور هذه التقنية (الحذف) يسهم في تسريع وتيرة السرد في الخطاب. وفيما يلي سنذكر بعض الأمثلة الموضحة لهذه التقنية الزمنية بكل أنواعها.
أ-الحذف الصريح:
الحذف الصريح (محدد وغير محدد) |
(انتهى رمضان. و ها أنا أنزل من طوابق سموي العابر، وأتدحرج فجأة نحو حزيران. ذلك الشهر الذي كنت أملك أكثر من مبرر للتشاؤم منه)[17]. |
(انتهى عصر السماسرة والابتزاز، يمكن لجيوبنا المثقوبة أن تستريح..). (مضى من الوقت أكثر من الساعتين ونحن مسمرين في المكان). (مرت ساعتان ونحن على هذا الحال). (بعد أسبوع من الانتظار القانط...). (بعد شهرين من معاناة الغربة ومقاساة رفيقنا الخسيس ساكو..)[18]. |
(انقضى رمضان سريعا، وجاء العيد قبل أيام معدودة من دخول فصل الخريف، وبدأ التلاميذ يلتحقون بمدارسهم، والطلبة بمعاهدهم، فعرض المفتي على عبد الحميد الانضمام إلى سلك المدرسين بالجامع...)[19]. |
(مضى على جدك حين من الدهر ليبرأ من العمش...)[20]. |
(مضت فترة طويلة وأنا أتلصص على مشيتها...)[21]. |
(توالت الأيام والشهور. كانت متشابهة، لا تختلف عن بعضها...مضت أربع سنين أخرى عجاف..هي أسوأ السنين التي مضت..)[22]. |
(لم أزر وهران منذ مدة طويلة، فماذا لو أمضيت بها يوما أو يومين؟)[23]. |
(ستة أعوام، كما يذكر الآن، كانت قد مرت على اغتيال محمود في عام ألف وتسعمائة وتسعة وتسعين....ثمانية شهور كاملة كانت مرت على إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة في الثاني عشر من شهر ديسمبر)[24]. |
لا يجد القارئ صعوبة كبيرة في اكتشاف الحذف في هذه المقاطع السردية؛ لأن الحذف فيها مذكور بشكل صريح بمدة قد تطول أو تقصر أو لا تحدد أصلا؛ إذ ليس يهم إن كان محددا أم غير محدد؛ لوجود القرينة الدالة عليه في النص. لذلك ومن أجل تفادي أي التباس قد يحصل على الصعيدين (محدد وغير محدد)، اقترح بعضهم إطلاق صفة مرقم وغير مرقم[25] على الحالتين، وإن لم يكن ذلك مهما -كما بينا آنفا- مادام أن الحذف مصرح به، وليس مضمرا.
ب-الحذف الضمني أو المضمر:
على خلاف الحذف الصريح، يجد القارئ صعوبة كبيرة في الكشف عن الحذف الضمني؛ إذ تبقى مهمة تحييده واستخلاصه مرهونة بمدى مقدرة القارئ على إدراك تعقيدات النص، واستيعاب العلاقة القائمة بين زمن القصة وزمن الخطاب. ثم إنه حتى وإن تمكن القارئ من تحديد موقعه وتعيينه في النص، إلا أن أكبر معضلة يمكن أن يواجهها مع هذا النوع من الحذف، هي تعذر تحديد نسبة المدة الزمنية المحذوفة في الواقع من زمن القصة. ونستطيع التمثيل لذلك برواية "القصر المسحور" لطه حسين وتوفيق الحكيم، وتحديدا بين فصلها التاسع والعاشر الذي يتبين للقارئ أن السارد قد قفز على فترة زمنية معتبرة، لكنه لا يستطيع تحديدها بدقة، ذلك لأن شهرزاد حينما استبطأت غياب "طه حسين" الذي لم يخصص له السارد مساحة في الخطاب، راحت تعاتبه قائلة:"...فقد طالت غيبتك عني...فأنا لا أفهم فيم طالت غيبتك...ولا أفهم فيم انقطعت أنباؤك..."[26]. وهذا دليل كاف، وقرينة مرجحة، يعتمد عليها القارئ في اكتشاف الحذف الضمني، وفي استنباط هذه الثغرة الزمنية المتمثلة في طول غياب طه حسين، غير أن قياس حجم هذه المدة الزمنية يبقى مستبعدا جدا.
وفي رواية "الحوات والقصر" للطاهر وطار، نعثر على الحذف الضمني عبر تنقلات البطل "علي الحوات" ورحلاته بين القرى السبع، وذلك لأن السارد يتجاوز ذكر الأحداث التي يستغرقها البطل "علي الحوات" في أثناء رحلاته وتنقلاته من قرية إلى قرية حتى وصوله إلى القرية السابعة ومنها إلى القصر. إذ بمجرد ما ينتقل "علي الحوات" إلى قرية أخرى حتى يتفطن القارئ إلى هذه الفجوة الزمنية الحاصلة بين القرية والأخرى، التي يتحدد مقدارها الزمني بالمدة التي تستغرقها رحلة البطل بين هذه القرى جميعا. فما إن يعلن الخطاب -مثلا- في نهاية الصفحة الثامنة والثلاثين عن توديع "علي الحوات" لأهل قريته الأولى. "إلى اللقاء يا أهل قريتي العزيزة..."[27]. سرعان ما يعلن الخطاب مرة ثانية عن دخوله القرية الثانية في بداية الصفحة الموالية مباشرة (الصفحة 39). "...فما أن دخل القرية الثانية حتى استقبلته جماهير غفيرة، تتطلع إلى السمكة المتدثرة في الرداء"[28]. وما إن يعلن مغادرته القرية الثانية "حمل علي الحوات سمكته على كتفه، وانطلق وسط هتافات الصبية، يغادر القرية، مواصلا طريقه"[29]. سرعان ما يعلن الخطاب وصوله إلى القرية الثالثة "علي الحوات وصل، علي الحوات جاء...استقبل في مدخل القرية الثالثة بهتافات الأطفال..."[30]. وهكذا كان يحصل مع باقي القرى السبع حتى وصوله إلى القصر. ومن الحذف الضمني كذلك أن لا أحد يعلم ماذا كان يفعل "علي الحوات" في كوخه[31]. "وعندما دخل القرية لم يرد على سؤال أحد واتجه مباشرة إلى كوخه حيث قضى بقية ليلته"[32].
وتعلن رواية "هاوية المرأة المتوحشة" لعبد الكريم ينّينه عن بعض الحذوفات الضمنية، تستخلص من بعض الأسيقة في النص الروائي. ومنها أن القارئ للفصل الأول المعنون بــــ(مرزاق) والفصل الثاني الموسوم بــــ (دحمان) يشعر بانفصال الفصلين عن بعضهما، وبوجود الكثير من الفجوات والثغرات الزمنية، لكنه بمجرد انتهائه من قراءة الفصل الثالث الموسوم: (مرزاق ودحمان) يستطيع أن يجد الخيط الرابط بين فصول الرواية الثلاثة، كما يكون في إمكانه ملء هذه الفجوات والفراغات المسجلة، ولاسيما انكشاف السر الذي كان يكتمه دحمان، وتعرف مرزاق على الشخص الذي أطلق النار على صديقه زيكو، الذي لم يكن سوى دحمان نفسه.
ومنها أيضا، قفز السارد على ما يقارب الخمس عشرة سنة تقريبا بعد ذكره لحادثة الهجوم العسكري للفرنسيين عام 1832 على قبيلة العوفية بالحراش، وهو ما يستشف من قوله مباشرة بعد ذكره لهذه الحادثة:"بعد هذه المجزرة بقليل، تلتها محرقة الظهرة بمستغانم عام 1845..."[33]. ليقفز بعدها على مدة زمنية تقدر بقرن من الزمان (100 سنة) حينما علق على استمرارية هذه الإبادة ضد الشعب الجزائري، قائلا: "استمرت الإبادة الممنهجة، إلى غاية الثامن من شهر ماي سنة 1945 حيث قتلوا في يوم واحد أزيد من خمسة وسبعين ألف جزائري..."[34]. ولما ذكر السارد على لسان دحمان: "وذكروا لي أحدهم، ما يزال يقبع في سجن الحراش"[35]. لم يفصح عن هوية هذا الشخص، ولا عن المدة التي قضاها في السجن.
ويستشف الحذف ضمنيا -كذلك- من خلال عدد الزيارات المتتالية التي كانت تقوم بها خيرة لدحمان في أسره، من أجل خدمته، التي بلغ عددها الست مرات في اليوم؛ إذ لم يذكرها السارد بكل دقائقها وتفاصيلها؛ فلم يذكر الفواصل الزمنية بين الزيارات، كما لم يحدد الفترة الزمنية التي كانت تقضيها خيرة في خدمة دحمان ومحادثته. ومما يدل على الحذف الضمني -في هذه الرواية- ما رواه دحمان في هذا المقطع السردي: "كانت خيرة تسرد قصتها باختصار وبسرعة حتى تتمها قبل أن يقطعها طارئ من وراء الباب، فالظرف لا يسمح بذكر كل التفاصيل التي كنت أعلم أنها قفزت عليها، ولم تتطرق لها"[36]. فالملاحظ في هذا المقطع السردي أن السياق جعل تسريع زمن سرد الأحداث يبلغ ذروته القصوى، ولو أن الحذف حتمية لا مناص منها، ولا حيلولة دونها، لأي سارد أو كاتب مهما كان.
ج-الحذف الافتراضي:
يعد أكثر أنواع الحذف ضمنية وإضمارا، لأن مسألة تحديده تكون غاية في الصعوبة والالتباس والتعقيد، ولاسيما تلك الانقطاعات الزمنية التي يغيبها السرد عمدا، ويقفز عليها من زمن القصة، ولا يمتلك القارئ أية قرينة تدل عليها في الخطاب إلا ما كان من قبيل التجوز والافتراض. ويتجلى الحذف الافتراضي بشكل بارز في لحظات الصمت والسكوت التي تتخلل السرد، وبخاصة تلك النهايات المفتوحة التي تتميز بها بعض الأعمال السردية، التي تترك مصير بعض الشخصيات مجهولا، ودلالة النص عائمة وغامضة. وهنا يترك المجال للقارئ من أجل إعمال خبراته وتنشيط قدراته القرائية والتأويلية، بغية وضع النهايات المحتملة والمفترضة لهذه الفراغات، وترجيح بعض القراءات التأويلية على أخرى، من أجل سد الثغرات والفجوات الحاصلة، وإتمام ما كان ناقصا وغامضا. وكل ذلك بهدف بعث الحيوية في النص وتجديده وترهينه.
ولعل قارئ رواية "نجمة" لكاتب ياسين، يستوقفه هذا النوع من الحذف، ولاسيما نهايتها التي لم تفصح عن المصير المجهول لبعض شخصياتها مثل شخصية الأخضر ومصطفى؛ إذ "بعدما عرفنا شخصية رشيد بعد ثلاث سنوات في قسنطينة وهو لا يغادر الفندق، وكذا عرفنا مصير مراد محكوما عليه بعشرين سنة سجنا، انقطع السرد على هذا المستوى، وانتهت الرواية دون أن نعلم ما حل بمصطفى والأخضر، ومثل هذا السكوت عن أحداث فترة من المفترض أن تشملها الرواية هو ما يدعى بالحذف الافتراضي"[37]. هذا ناهيك عن السؤال المحير الذي بقي عالقا في ذهن القارئ، ولم تجب عنه الرواية، حتى بعد نهايتها[38]. وهو: "لماذا لم تتزوج نجمة؟"[39]. ذلك لأن الكاتب أو السارد لما امتنع عن الجواب، إنما يريد بذلك من القارئ أن يعمل جهده وتفكيره من أجل سد الفجوات وملء الفراغات التي أغفلها السرد، وسكت عنها، مما قد يقوده -في النهاية- إلى اقتراح الأجوبة الممكنة وافتراضها، ويجعله يدرك بها -ربما- وجها من وجوه التأويل والدلالة في النص الروائي.
ولما كانت نظرية التلقي طريقا منهجيا مخولة للقراءة والتأويل، وأداة إجرائية لملء هذه الثغرة أو الفجوة السردية في الرواية، آثرنا الإسهام في الجواب عن السؤال المطروح، وهو أن نجمة ليست سوى الجزائر التي تنافس عليها الجميع، وتكالبت عليها الأطماع الخارجية من أجل الظفر بها وبخيراتها، وهو ما جسده كاتب ياسين من خلال الشخصيات الأربعة المتنافسة في حبها، وهي: الأخضر ومراد ورشيد ومصطفى.
ومن الروايات التي تشكل مثالا نموذجيا عن الحذف الافتراضي، رواية "اختفاء السيد لا أحد" لأحمد طيباوي؛ إذ تجسد الحذف من منظور فلسفي وجودي وذاتي؛ لأن مسألة اختفاء اللا أحد في الرواية، تطرح العديد من الأسئلة المتعلقة بالذات والوجود والعدم، والغيب، والعيش في هذه الحياة المليئة بالتناقضات. فعملية الاختفاء هذه قد تعدت كونها مسألة اختفاء شخص وفقط، بل أخذت أبعادا أخرى مع المحقق "رفيق ناصري" الذي أرقه البحث عن شخص ربما هو غير موجود أصلا بحكم انتفاء الأدلة التي يعتمد عليها التحقيق، فليس هناك ما يدل -على الأقل- على مرور شخص بهذا المكان، أو أنه كان موجودا داخل شقة في هذه العمارة، أو على الأقل عدم اختلاف الأوصاف والشهادات التي قدمها كل من عرفه أو شاهده.
لا تقدم الرواية أي دليل على اختفاء السيد لا أحد، فلا أحد يعرف أين اختفى؟ ولا أحد يعرف مصير هذه الشخصية الغامضة، "أيكون قد مات..اختطف..أم انتحر وتحللت جثته كأي كلب نفق دون أن ينتبه له أحد؟؟ ما قصته وأين اختفى هذا الـــــ(لا أحد)؟"[40]. إنها شخصية غامضة ومبهمة، لا مبالية بأحد، ولا يهمها معرفة أحد. "لا يهم، أنا عبد قذر، لا يعرفه أحد ولا يأبه له، وهذا يرضيني تماما"[41]. كما أنه مجهول الهوية، لأنه لا يمتلك بطاقة هوية أصلا. "لا أملك بطاقة هوية ولا أي وثيقة أخرى تثبت شخصيتي"[42]. والأكثر من ذلك، يؤكد بأنه لا أحد. "أنا لا أحد، سوى ما أرادني الناس أن أكون عليه"[43]. فضلا عن أنه يجهل نفسه تماما، ويرضيه أن يكون لا أحد. "ألا أكون أي أحد على الإطلاق حتى أنا..من أنا"[44]. فمن يكون يا ترى هذا "اللا أحد"؟ وأين اختفى؟ وكيف كان مصيره بعد ذلك؟.
نطرح هذه الأسئلة، ونحن نعلم يقينا أن لا أحد يمتلك الجواب، لأن المسألة يلفها الكثير من اللبس والغموض والتعقيد، وحتى مجريات الأحداث اتخذت هذا المجرى الغامض إلى درجة توارت بعض الشخصيات خلف هذه الشخصية، وأصبح فيها شيء من اللا أحد، كما أن بعضها قد تقمص دوره بامتياز، ولم تجد عن الاختفاء بديلا من أجل النجاة والخلاص، أو الهروب من الواقع ومواجهة الأقدار، على النحو الذي حصل مع المحقق "رفيق ناصري" الذي اختار الاختفاء بعدما أعلمته صديقته الطبيبة "هدى وناس" بأنها حامل منه، وهو يعلم أنه عقيم ولا يمكنه أن ينجب أطفالا.
أضف إلى ذلك أن جعل الرواية مفتوحة النهاية قد أبقى على الغموض الذي لف أحداثها وشخصياتها منذ البداية، وعمق من حجم الأسئلة المطروحة والمعلقة، ذلك لأن الرواية وهي تعلن عن نهايتها تضعنا أمام الطبية "هدى وناس" التي كانت تبحث عن زوجها الافتراضي المحقق "رفيق ناصري"، وبمحض الصدفة، وهي تهمّ بمغادرة حفل زفاف صديقتها الممرضة "دليلة علاق" -التي ساعدت "السيد لا أحد" على الهروب من مستشفى المجانين- والتي أصرت عليها بعدم المغادرة حتى ترى عريسها- تتلقى مكالمة من محافظ الشرطة "عبد الوهاب شعلان" الذي أمرها بالحضور الفوري إلى مقر الشرطة، وفي هذه الأثناء "لم تنتبه لدخول العريس، لكنها عندما رفعت رأسها ورأته، عرفت أن الوقت قد تأخر كثيرا ليتدارك الجميع أي شيء"[45]. وهنا يمكن للقارئ -مع هذه النهاية المفتوحة- أن يتساءل مرة أخرى عمن يكون العريس؟ هل هو المحقق "رفيق ناصري" أم هو "السيد لا أحد"؟.
إن هذه العوالم المجهولة، وهذه الأسئلة الحيرى والمعلقة التي تركها غياب "اللا أحد"، وقادت في الأخير إلى هذه النهاية المفتوحة، هي من قبيل الأسئلة الفلسفية التي أثارتها أنطولوجيا الوجود والعدم، بخصوص حقيقة وجود الإنسان في هذه الحياة، وحقيقة مواجهته لواقع مليء بالصراعات والتناقضات التي تفقده هويته، والمحافظة على مبادئه وقيمه في مجتمع، أضحت الغلبة فيه لقوى الشر والفساد، لذلك فقد تأصل لديه قناعة مفادها أن لا سبيل لإثبات الذات غير الانسحاب الفوري من هذه الحياة، بعد الاقتناع بعبثية التمسك بمبادئه وقناعاته، وهو الحل الأمثل في نظر الكاتب.
من هذا المنطلق اختار الكاتب هذه النهاية المفتوحة لروايته تماشيا مع الطرح الذي تعبر عنه، والأفكار التي تعالجها؛ إذ لا سبيل لمعرفة ما تخبئه لنا الأقدار، ولا سبيل لإدراك المصير النهائي لكل إنسان في هذه الحياة. لكننا في المقابل ندرك جميعا حقيقة الاختفاء وللأبد الذي سيكون بالموت المحتم.
أخيرا يمكننا القول بأن طريقة بناء الأحداث في هذه الرواية، وكذا طابع الغموض والتعتيم الذي ميزها، ورافق أهم شخصياتها الرئيسية، منذ بدايتها، واستمر حتى بعد نهايتها، يجعلها رواية قائمة على الحذف الافتراضي بحكم انعدام وجود القرائن المساعدة على محاولة توقع نهاية محددة لنهايتها المفتوحة على عديد الاحتمالات التي يصعب معها ترجيح نهاية على حساب أخرى، أو الحسم في مآل شخصياتها، وفي مصيرها النهائي، في ظل النهاية الغامضة التي شهدتها الرواية.
وليس بعيدا من مسألة "اختفاء السيد لا أحد"، قضية التعتيم الذي رافق مقتل الأستاذ الجامعي والمسرحي "أسعد المروري" في رواية "من قتل أسعد المروري" للحبيب السائح، حيث بقي الغموض يكتنفها، والشك يساور الشخصيات البطلة في الرواية، ويتعلق الأمر بالصحفي رستم، والطبيبة الشرعية لطيفة منذور، والمحامي الأستاذ خميس، والأستاذ مروان محامي دفاع المتهم، والأستاذ مبروك محامي الضحية...وغيرها من الشخصيات الروائية. فقد ظل ذلك السؤال: من قتل أسعد المروري؟[46] مخيما وعالقا حتى بعد نهاية الرواية، وذلك بالرغم من إجراء المحاكمة، والحكم على القاتل الافتراضي والمتهم "سفيان العبوري" بعشرين سنة سجنا نافذا، بتهمة السرقة والقتل العمدي. وهذا يعد من قبيل الحذف الافتراضي الذي سكت عنه السارد في الخطاب، غير أن القارئ، وبالاعتماد على بعض المعطيات والقضايا التي أثارها النص الروائي على ألسنة بعض المحامين، وبعض الشخصيات الروائية، يمكن أن يرجح أن مقتل الأستاذ "أسعد المروري" كان بسبب انتمائه السياسي لحزب الحركة الديمقراطية، وهي المسألة التي لم يبث فيها السارد، أو أبدى منها موقفا حاسما، وإنما اكتفى بالإشارة والتلميح، وبوضعها في خانة الاحتمالات التي تقف وراء مقتل أسعد المروري، وبهذا تبقى مهمة الجواب عن السؤال المعلق على عاتق القارئ، ومن مهامه.
2-1-3-التلخيص:
إلى جانب تقنية الحذف، يعد التلخيص خاصية ملازمة للسرد، إذ لا يمكن للسارد أن ينجز خطابه إلا باعتماده على هذه التقنية السردية، لأنه لا يسعه المجال كي يكون وفيا للأحداث السردية كما جرت في زمنها الحقيقي والواقعي، وبكل تفاصيلها وجزئياتها، ولذلك يجد نفسه مضطرا إلى تكثيف السرد وتركيزه، والعمل على ضغطه واختزاله وفق ما يسمح به المقام، ويخدم فكرة العمل الروائي، كما أن التلخيص يسهم –كذلك- في تسريع سيرورة الأحداث في مستوى الخطاب مقارنة بزمن القصة.
اعتمدت رواية ذاكرة الجسد على تقنية التلخيص لأنها قائمة المحكي الاسترجاعي الذي يتطلب توظيف هذه التقنية عن طريق اختزال الأحداث السردية التي دامت مطولا، أو استغرقت مددا زمنية طويلة في الواقع، قد تقدر بسنوات أو أشهر أو عدة أسابيع أو أيام في كتاب أو فصل أو في صفحات معدودة أو في فقرات أو مقاطع سردية محددة. ومن ذلك هذا المقطع من رواية "ذاكرة الجسد" الذي اختصر فيه السارد مجموع ثماني سنوات في ثماني مفكرات، وهذه السنوات تمثل الفترة الممتدة من تاريخ لقائه الأول بحياة إلى سنة 1988 تاريخ كتابته للرواية، وهي جميعا مختصرة عنده في صفحة واحدة لمفكرة واحدة تمثلها غربته. "ثماني مفكرات لثماني سنوات، لم يكن فيها ما يستحق الدهشة. جميعها صفحة واحدة لمفكرة واحدة لا تاريخ لها سوى الغربة. غربة كنت أحاول أن أختصرها بعملية حسابية كاذبة، تتحول فيها السنوات إلى ثماني مفكرات لا غير، مازالت مكدسة في خزانتي الواحدة فوق الأخرى...مسجلة لا حسب تواريخها الميلادية أو الهجرية..إنما حسب أرقام سنوات هجرتي الاختيارية"[47]. فإذا كان السارد قد اختصر الثماني سنوات في ثماني مفكرات؛ فإن الكاتب قد لخص مجموع ذلك كله في ستة أسطر.
وفي مقطع آخر من الرواية يلخص السارد قصة فرار مصطفى بن بولعيد من سجن الكديا، وقصة استشهاده مع بعض رفاقه ممن فروا معه من السجن، وكذا عملية تنفيذ حكم الإعدام فيمن لم يتمكنوا من الهروب، في بعض الأسطر. "يوم 10 نوفمبر 1955، وبعد صلاة المغرب، وبين الساعة السابعة والثامنة مساء بالتحديد، كان مصطفى بن بوالعيد ومعه عشرة من آخرون من رفاقه، قد هربوا من (الكديا)، وقاموا بأغرب عملية هروب من زنزانة لم يغادرها أحد ذلك اليوم..سوى إلى المقصلة. بعد ذلك سقط القائد مصطفى بن بوالعيد وبعض من فروا معه، شهداء في معارك أخرى لا تقل شجاعة عن عملية فرارهم، فتصدروا برحيلهم كتب التاريخ الجزائري، وأهم الشوارع والمنشآت الجزائرية. بينما نفذ حكم الإعدام، في من ظلوا بالزنزانة، دون أن يتمكنوا من الهروب"[48].
وفي رواية "كاماراد" للكاتب "الصديق حاج أحمد" يلخص "جورج" الليبيري لرفيقه "إدريسو" من النيجر، قصة حياته، مع قصة الحربين الأهليتين اللتين شهدتهما بلاده في أقل من خمس صفحات، تتخللها تدخلات السارد بطل الرواية (مامادو). والمقاطع الآتية تشير إلى المدة الزمنية الطويلة الملخصة والمختصرة من زمنها الطبيعي. "عشنا حربين أهليتين!!أتتا على الأخضر واليابس، الأولى يا رفيقي انطلقت سنة 1989، استمرت حتى 1996...أما الحرب الأهلية الثانية يا رفيقي..فقد بدأت بعد ثلاث سنوات من إعلان وقف إطلاق النار للأولى، أي سنة 1999..."[49]. "عندما كان عمري ست سنوات، تحديدا في 1992، أي بعد قيام الحرب الأهلية الأولى بسنتين، قالت لي أمي "ميلْسيا" بعدما كبرتُ..إن المنشقين هاجموا مدينتنا "كالي" ومدنا أخرى...بعدها قادتنا مفوضية اللاجئين، نحو ملاجئ "جيمْبي" حيث مكثنا فيها ما يقارب ثلاث سنوات، في السنة الأخيرة منها، بلغنا نعي وفاة أبي "جونْ"... لما بلغت أحد عشر عاما، أتذكر ذلك جيدا هذه المرة..عندما جاءتنا امرأة شقراء، قيل لنا إنها مندوبة مفوضية اللاجئين، معها رجلان، واحد أشقر مثلها، الآخر من بني جلدتنا، تحدثوا إلينا أن الحرب قد وضعت أوزارها ببلدنا.."[50]. ليختتم حكايته بهذا المقطع الذي يدل على ملخص قصة هجرته: "خلاصة القول يا رفيقي: إن الحرب الأهلية الثانية، لما قامت فقدت فيها والدتي أيضا!!بقيت وحيدا في هذا الوجود!!بلادنا غنية بالألماس؛ لكن تكالب العسكر، أورثنا أيتاما وثكالى ومشوهين..فضلا عن هروبي من وباء الإيبولا!!الذي انتشر بشكل مفزع ببلدنا والبلدان المجاورة كسيراليون وغينيا، ليس لدي ما أخسره الآن!!الهربة هي الخلاص..قررت الهجرة.. هذه حكايتي باختصار يا رفيقي.."[51].
أما رواية "حطب سراييفو" للروائي سعيد خطيبي، فيؤدي فيها التلخيص دورا بارزا؛ لأنها قائمة بشكل بارز على المحكي الاسترجاعي، وهذا المقطع يلخص فيه السارد مدة سنتين قضاهما والده في ثكنتين عسكريتين في خمسة أسطر، بل في جملة واحدة بعدما سألته زوجته عن مدى استفادته من تجربته في الخدمة العسكرية. "قضى أبي ستة أشهر، في ثكنة في صربيا، ثم سافر إلى ثكنة أخرى، في مقدونيا، تبعد عن سراييفو بأكثر من عشر ساعات برا، أتم فيها الخدمة العسكرية لمدة عام ونصف العام. حين سألته أمي: ماذا استفدت من تلك التجربة؟. أجاب متأففا، وهو يحرك رأسه من اليمين إلى اليسار: لا شيء، سوى أنهم أنهكوا عقلي وجسدي"[52].
نختم بمثال آخر من رواية "ما تشتهيه الروح" لعبد الرشيد هميسي، حيث يورد الكاتب على لسان حسن شرقي بطل الرواية ملخصا في فقرتين لأربعين سنة من حياته أنفق منها عشرين سنة في المتاهات والمسارات المعوجة. "أنا (حسن شرقي) في الوثائق الإدارية فقط، و(حسن الباير) في الحياة والحقيقة. هكذا يحلو لأصدقائي وللكثير من الناس أن يسموني. وذلك لأني بلغت سن الأربعين ولم أتزوج بعد. كنت مشغولا بلذائذي ومعاصي لذلك مرت السنون من تحتي دون أن أدري ، وكلما مرت سنة كثر الرماد الذي أخلفه. أنفقت عشرين سنة في الخمرة والنساء والليالي الحمراء، وفي المخدرات والأزقة الخلفية الضيقة وطراد رجال الشرطة، شوهت كل البراءة التي منحت لي في طفولتي، حتى استحلت مسخا، وما بقي في من الإنسان إلا شيء واحد، هو أني كنت أحترم كل من أشم فيه رائحة الله، لا ادري لماذا! ربما ذلك فعل الجمرة التي في الرماد!"[53].
2-1-4-المشهد:
إذا كانت المقاطع الحوارية أو المشهدية التي تتخلل السرد، تعلن في مستواها الظاهري أو التخاطبي عن تطابق حركة الزمن في القصة مع حركته في الخطاب، فإن ذلك لا يكون إلا افتراضيا كما رأينا مع جيرار جينيت، لأن السارد وهو ينقل أقوال الشخصيات المتحاورة في مستوى الخطاب، لا ينقل معها فترات التوقف التي تصحب عملية التحاور في الواقع، كلحظات الصمت، والضحك والغضب والتفكير التي تستغرقها الشخصية قبل الرد على محاورها أو سائلها، وكذلك مواقف الدهشة والتردد والحرج والتحفظ ومختلف ردود الأفعال التي تغطي حيزا زمنيا في القصة لا يعبر عنه زمن الخطاب. لذلك لا يمكن الحديث مع هذه التقنية السردية عن أي تطابق أو تكافؤ للزمن بين مستويي القصة والخطاب إلا على سبيل الافتراض.
المقطع الأول:
-هل هذه صورتك؟
-نعم.
-هل هذا إمضاؤك؟
-نعم.
-هل هذا عنوانك؟
-نعم.
-هل هذا هو تاريخ ميلادك؟
-نعم.
-إذا ليس هناك مشكلة، أليس كذلك؟
-لا! هناك مشكلة عويصة، أنا اسمي إقبال أمير الله وليس أمير الله إقبال[54]!.
المقطع الثاني:
(-الأسباب لا تنقص عندما نبحث عن مبررات الفشل في حياة كحياة مصطفى.
فرد سمير مبتسما:
-لماذا نريد أن نجعل من مصطفى عبرة لنا جميعا..لندعه يواجه حياته كما يشاء..
قال محفوظ متدخلا:
-..أعرف أنك لا تحب مصطفى إلى الحد الذي يجعلك تشعر بعدم أهمية التضامن معه. لكن وقوفنا معه ضروري..
-قلت من جديد:
-مصطفى ينهار بصورة أو بأخرى. الألم يمزقه الآن. لقد أضاع خيط الحياة وعقله لم يعد معه وهو حتما في حالة يرثى لها..
تدخل سمير الهادي للمرة الثانية ساخرا:
-لا تخافوا عليه، فلن ينتحر لأنه أجبن مما تتصورون..
انفلت غيظ محفوظ فجأة وصرخ في وجه سمير:
-لا تقل عنه جبان..الجبان نعرفه جيدا..
نهض سمير الهادي مرتبكا وخرج. لم يضف أية كلمة..
بينما حاول محمود تهدئة الجو:
-أرجوكم..توقفوا عن مثل هذه المناوشات..)[55].
-المقطع الثالث:
(ألو.. إبراهيما..
كيف أحوالكَ رفيقي..
حاولنا الاتصال بكَ قبل مغادرتنا "طاما"..
لكن هاتفك مغلق..).
(حقا..رفيقي إدريسو..
لقد تعرضتُ لحادث عمل بورشة المقاول الشعانبي..
هاتفي هو الآخر سرق للأسف..
أقمتُ بمستشفى "غرداية" مدة..
أنا بخير حاليا..بدأت أستعيد عافيتي..
مقاولي قام بالواجب..).
يضيف:
(أخبرني رفيقنا كايطا، أنكما رحلتما عن طاما..
وبقي معه رفيقكما ساكو هههههه..
أنا لا أعرف هذا الأخير..
لكن من خلال تصرفاته..
يبدو إنسانا غريبا حقا..
المهم أنا بخير، أكملا مشواركما..
لن أستطيع الالتحاق بكما..باي..)[56].
المقطع الرابع:
(ثم هاهي ابتسامة ترتسم على شفتيه، وهو يفاجئ الأستاذ معين بسؤال:
-ما الشعور الذي سينتابك لو جيء بمن عاثوا فسادا خلال العشرين سنة الماضية إلى ساحة الشهداء؟
فضحك له ضحكة خفيفة جدا، لطرافة السؤال.
ثم أجاب:
-لا أدري، يا رئيس. ولكني أتصور أنه سترفع لهم منصة آلية تدور حول نفسها وهم عليها عراة ليراهم المتجمعون من كل زاوية ويهتفوا نحوهم بما رفعوه من شعارات، مثل:
"كليتوا البلاد يا السراقين! تتنحاوْ كَاعْ!".
-أتصورهم يرجمونهم بطماطم وادي سوف.
-ويرشونهم أيضا بمشروب الشعير غير الكحولي.
-هذه جميلة يا أستاذ!
-طابت روحك يا رئيس!
-فلنقم، إذن[57].
المقطع الخامس:
(آه جئت في وقتك.
-يبدو، حضرة المدير.
-أنت تعرف شخصيا منصور شملول المدعو سي لخضر؟.
سكت الحارس الرئيسي لحظة، مخمنا أن مديره سيسأله عن خرقه القانون الداخلي مع سجين. وكان هذا أضاف:
من غير أن يكون ضابطا سابقا في جيش التحرير؟
-لا يخفى أنه كان من أشد المعارضين للسلطة[58].
المقطع الخامس:
(بعد فترة صمت قصيرة استدار الحمداوي نحوي، وسأل بصوت هادئ.
هل أصبت شخصا بالبندقية؟
قال ذلك وتفحص ملابسي التي علقت بها الأشواك والتراب.
بعد صمت طويل، طأطأت رأسي. وحدقت في البقعة تحت رجلي.
-لماذ؟
تنهد، ثم قال:
-أي شيطان يسكنك؟[59].
الملاحظ من خلال المقاطع الأول، الثاني، والثالث أن السارد ينقل أقوال الشخصيات، وهي تتحاور كما جرى ذلك في الواقع، مما يوحي بالتعادل الزمني أو التطابق بين زمن القصة وزمن الخطاب، بينما تشير بقية المقاطع إلى أن عملية التحاور كانت تتخللها بعض الفواصل الزمنية المتعلقة بفترات الصمت أو لحظات التريث والتردد التي تسبق ردود وأجوبة الشخصيات المتحاورة، ولولا إشارة الخطاب إليها لتوهم القارئ أن حركة الزمن في المشهد متوازية بين القصة والخطاب، ولما أدرك أنها مبنية على التطابق الافتراضي لا غير.
[1]: ذاكرة الجسد، ص: 29، 30.
[2]: حسين علام، خطوة في الجسد، منشورات الاختلاف، الجزائر، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1، 2006، ص: 70.
[3]: كمال قرور، التراس ملحمة الفارس الذي اختفى، دار الوطن اليوم، العلمة، سطيف، 2015، ص: 8، 9.
[4]: سالمي ناصر، الألسنة الزرقاء، في تفاصيل الليل والنهار بعين آدم، المؤسسة العامية للحي الثقافي كتارا، الدوحة، قطر، ط1، 2017، ص: 46.
[5]: بومدين بلكبير، زوج بغال، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2018، ص: 43.
[6]: علي حليتيم، جسور الموتى (رواية من خيال)، العقاد للنشر والتوزيع، عنابة، ط1، 2019، ص: 59.
[7]: مريم يوسفي، أبي الجبل، ص: 24، 25.
[8]: ينظر، محمد نجيب العمامي، الوصف في النص السردي، ص: 95.
[9]: إذا كان اشتغالنا قائما على الرواية الجزائرية؛ فإننا -من أجل توضيح هذا النوع من الوصف (الوصف المبأر)-استعنا بهذا المقطع من رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ، مكتبة مصر، دار مصر للطباعة، 2007، ص: 11، 12.
[10]: محمد ساري، الورم، منشورات الاختلاف، ط1، 2002، ص: 109.
[11]: عبد الله عيسى لحيلح، كراف الخطايا، ج1، مطبعة المعارف، ط1، 2002، ص: 70.
[12]: السعيد بوطاجين، أعوذ بالله، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2016، ص: 122.
[13]: علي حليتيم، جسور الموتى، ص: 21.
[14]: أحمد طيباوي، اختفاء السيد لا أحد، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، ط2، 2021، ص: 84.
[15]: الحبيب السايح، زهوة، دار الحكمة، الجزائر، ط1، 2011، ص. 32.
[16]: مخلوف عامر، الواقع والمشهد الأدبي: نهاية قرن وبداية قرن، المكتبة الوطنية الجزائرية، الجزائر، ط1، 2011، ص: 299، 300.
[17]: ذاكرة الجسد، ص: 243.
[18]: الصديق حاج أحمد، كامارادْ رفيق الحيف والضياع، فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2015، ص: 159، 163، 170، 285، 293.
[19]: أحمد منور، من أجلهما عشت، رواية تحكي سيرة حياة عبد الحميد بن باديس كاملة، دار التنوير، الجزائر، ط1، 2020، ص: 230.
[20]: السعيد بوطاجين، أعوذ بالله، ص: 77.
[21]: بومدين بلكبير، زوج بغال، ص: 32.
[22]: عبد الحفيظ عمريو، وسادة الموت، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2019، ص: 78.
[23]: سالمي ناصر، فنجان قهوة وقطعة كرواسون، رحلة في اتجاه واحد، دار كتارا للنشر، الدوحة، قطر، ط1، 2020، ص: 34.
[24]: الحبيب السائح، نزلاء الحراش، دار ضمة للنشر والتوزيع، المسيلة، الجزائر، مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2021، ص: 18، 223.
[25]: ينظر، عبد الوهاب الرقيق، في السرد: دراسات تطبيقية، ص: 50.
[26]: مع هذا النوع من الحذف -كذلك- استعنا بهذا المقطع من رواية القصر المسحور لطه حسين، وتوفيق الحكيم، دار تلانتيقيت، بجاية، الجزائر، 2019، ص: 126. وينظر، أحمد السماوي، فن السرد في قصص طه حسين، ص: 142.
[27]: الطاهر وطار، الحوات والقصر، ص: 38.
[28]: الحوات والقصر، ص: 39.
[29]: الرواية، ص: 44.
[30]: الرواية، ص: 45.
[31]: ينظر، عبد الوهاب الرقيق، في السرد: دراسات تطبيقية، ص: 53.
[32]: الحوات والقصر، ص: 30.
[33]: عبد الكريم ينينة، هاوية المرأة المتوحشة رائحة الأم، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2021، ص: 63.
[34]: المرجع نفسه، ص: 64.
[35]: المرجع نفسه، ص: 77.
[36]: المرجع نفسه، ص: 137.
[37]: كريمة بلخامسة، تحليل الخطاب الروائي في رواية نجمة لكاتب ياسين، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، تيزي وزو، 2016، ص: 140.
[38]: ينظر، المرجع نفسه، ص: 141.
[39]: كاتب ياسين، نجمة، ترجمة: السعيد بوطاجين، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2014، ص: 92.
[40] : أحمد طيباوي، اختفاء السيد لا أحد، ص: 62.
[41] : المرجع نفسه، ص: 09.
[42] : المرجع نفسه، ص: 23.
[43] : المرجع نفسه، ص: 33.
[44] : المرجع نفسه، ص: 57.
[45] : المرجع نفسه، ص: 119.
[46]: الحبيب السائح، من قتل أسعد المروري، فضاءات للنشر والتوزيع، الأردن، دار ميم للنشر، الجزائر، ط1، 2017، ص: 119، 189، 215.
[47]: أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، ص: 65.
[48]: المرجع نفسه، ص: 323، 324.
[49]: الصديق حاج أحمد، كامارادْ رفيق الحيف والضياع، ص: 133.
[50]: المرجع نفسه، ص: 134.
[51]: المرجع نفسه، والصفحة نفسها.
[52]: سعيد خطيبي، حطب سراييفو، منشورات الاختلاف، الجزائر، منشورات ضفاف، بيروت، ط1، 2019، ص: 55.
[53]: عبد الرشيد هميسي، ما تشتهيه الروح، إصدارات الرابطة الولائية للفكر والإبداع بولاية الوادي، درا الثقافة محمد الأمين العمودي، سامي للطباعة والنشر والتوزيع، الوادي، ط1، 2016، ص: 6، 7.
[54]: عمارة لخوص، كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك؟، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2003، ص: 52، 53.
[55]: بشير مفتي، أرخبيل الذباب، منشورات الاختلاف، الجزائر، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت،ط1، 2010، ص: 35.
[56]: الصديق حاج أحمد، كامارادْ رفيق الحيف والضياع، ص: 334، 335.
[57]: الحبيب السائح، ما رواه الرئيس، دار ضمة للنشر والتوزيع، المسيلة، الجزائر، مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2021، ص: 40، 41.
[58]: الحبيب السائح، نزلاء الحراش، ص: 180.
[59]: عبد اللطيف ولد عبد الله، عين حمورابي، دار ميم للنشر، الجزائر، مسكيلياني للنشر والتوزيع، تونس، ط1، 2020، ص: 233.