ليسانس لسانيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات عامّة

مقيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاس علم الدلالة 1

الإجابة النموذجية للامتحان

السؤال الأول:

n     تحدّث في موضوع الدّلالة البلاغية وأهمّيتها في تحصيل المعنى الكُلّي مع التّمثيل لذلك.

الإجابة: (8 نقاط + 1 للسلامة اللغوية)

                فضلاً عن المعاني الّتي تُفرزها المستويات اللّغوية السّابقة، تحتاج الدّلالة لتمام المعنى إلى المكوِّن البلاغي الّذي قدْ تتوقّف محصِّلة المعاني السّابقة كلِّها عليه، ويمكن الاستدلال على أهمية الدّلالة البلاغية من المعنى المحصّل من الكنايات الّتي هي تعريفاً (لفظٌ أطلق وأُريد به لازم معناه)؛ فلوْ أنَّ الفهمَ يتوقَّفُ عند حدود المعنى النّحوي فحسبْ، عندها لا يحصلُ التّبليغُ المقصود؛ ففي قول الخنساء:

طويلُ النّجادِ رفيعُ العمادِ        õ     كثير ُ الرّماد إذا ما شتا

                   ليس المقصود مثلاً من قولها "طويل النّجاد" إعلام المخاطب بطول نِجاد أخيها وهو ما تفيده الدّلالة النّحوية، وإنَّما المقصود هو ما بعده وما يستلزمه ولازم معناه وهو طول قامة الفارس صخر وشجاعتُه، لأنّه يلْزمُ من طول حَمالَة السّيفِ طولُ صاحبه، إذْ ليس من المناسب أن تكون حمّالة سيف المرْء طويلةً وهو قصيرُ القامة، ويلْزمُ من طول الجسم الشّجاعة عادةً، وليس المقصود كذلك مــــــــــــــــــن قولها "رفيعُ العمادِ" و "كثير ُ الرّماد إذا ما شتا" إعلام المسْتمع بأنّ خيمته مرتقعةٌ عاليةٌ في العبارة الأولى، وإعلامه أنّ رماد نارِه كثيرٌ في فصل الشّتاء في الثّانية، وإنّما يلزَمُ من كونه (رفيعُ العماد) أنْ يكون عظيمَ المكانة في قومه وعشيرته، كما أنّه يلزم من (كثرة الرّماد) كثرةُ إشعال النّار، ثمّ كثرة الطّبخ، ثمّ كثرة الضّيوف في الشّتاء ووقت الشّدّة، ثمّ الكرم . وكذا في الكناية "فلانةٌ بعيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدةٌ مهوى القَرط"؛ حيث إنَّ دلالة النّص لا تتعدّى الحديث عن القُرْط، بينما المقصود هو طولُ جيدِ (عُنُق ورَقَبة) الفتاة، و(طولُ الجيد) يستلزم طولَ جسدِها وهذا من محاسن المرأة؛ وهو ما يُعبِّر عنه الجرجاني بمعنى المعنى، وهي العبارة الّتي كانتْ عنوان كتابٍ مهمٍّ جدّاً في علــــــــــــــــــــــــــــم الدّلالة اشترك في تأليفه كلٌّ من (ريتشارد و أوغدن)، وقد طبع  سنة 1923م، وكان عنوانه بلغته الأصل meaning of meaning The.

              كما يمكن الاستدلال على المعنى البلاغي من خلال تغيُّر دلالة التّركيب الواحد بتغييره من سياق إلى آخر، وهو ما أدركه جيِّداً علماء التّفسير حين اشترطوا في تفسير النّص معرفة سبب النّزول، ولا يخفى أنَّ السّياق بأنواعه وبخاصة سياق الموقف  له الأثر البالغ في توجيه المعنى.

 

السّؤال الثاني:

n       ما المراد بالدّلالة الصّوتية؟ تحدّث في الموضوع مع التّمثيل؟

الإجابة: (10 نقاط + 1 للسلامة اللغوية)

                يشكِّل الصّوت المادّة الأولية للّغة، والحديث عن الصّوت اللّغوي يكون من جانبين: فأمّا الأول فيتناول الطّبيعة الفيزيائية للصّوت، وأمّا الثاني فيبحث القيمةَ الدّلالية له في بنية الكلمة، وهذان الجانبان يشكّلان علمين مختلفين؛ الأول هو الفونيتيك أو الصّوتيات النّطقية أو الصّوتيات الفيزيولوجية، والثاني هو الفونولوجيا أو علم وظائف الأصوات أو علم التّشكيل الصّوتي، وما يعنينا، في هذه المحاضرة، العلم الثاني لأنَّه هو المرتبط بالدّلالة اللّغوية.

                وقد كان اهتمام علماء اللّغة بالصّوت اللّغوي من هذا الجانب من خلال مقابلة الأصوات بعضها ببعض أو من خلال النّظر إلى القيمة الخلافية في الصّوت، ذلك أنّ الذي يميّز الوحدة اللّسانية "قرأ" مثلا عن الوحدة اللّسانية "برأ" هو اختلاف صوت "القاف" عن صوت "الباء"، والذي يميز  الوحدة اللّسانية "أكل"  عن الوحدة اللّسانية " أفل " هو فقط اختلاف صوت "الكاف" عن صوت ا"لفاء"، هذا إذا تحدثنا في القيمة الدّلالية للصّوت في الكلمة، وذهب بعض العلماء إلى أبعد من ذلك حيث رأوا بأنَّ للصّوت المفرد دلالةً في نفسه أي قبل أن يدخل التّركيب مؤكّدين القيمة التعبيرية (الدّلالية) للصّوت اللّغوي؛ ومـن هؤلاء ابن جني  الذي أورد في كتابه الخصائص عدداً من العناوين والأمثلة التي تؤكّد قناعته بهذا الوجه، من ذلك (باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني)، و (بابٌ في إمساس الألفاظ أشباه المعاني) وغيرها، يقول مثلاً في الخصائص: << فأمّا مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتِها من الأحداث فبابٌ عظيمٌ واسعٌ ونهجٌ متلئبٌّ عند عارفيه، مأموم  ذلك أنّهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سُمْت الأحداث المعبَّر بها عنها، فيعدّلونها بها  ويحتذونها عليها، وذلك أكثر مما نقدِّره وأضعاف ما نستشعره، من ذلك قولهم (خضم وقضم)، فالخضْمُ لأكل الرّطب كالبطيخ والقثّاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب، والقضْم للصّلب اليابس نحو قضمتِ الدّابة شعيرها ونحوذلك . >> (الخصائص 2/157) وقد قال كذلك : << ... من ذلك قوله تعالى: ﴿ألمْ تَرَ أنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا أي تزعجهم وتقلقهم، فهذا في معنى "تهزُّهم هزًّا" والهمزة أخت الهاء فتقارَبَ اللّفظان لتقاربِ المعنيين، وكأنّهم خصُّوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء، وهذا المعنى أعظم في النّفوس من الهزِّ، لأنّك قد تهزُّ ما لا بال له كالجذع وساق الشّجرة ونحو ذلك. >> (الخصائص: 2/146،147)

               وممّا يدخل في الدّلالة الصّوتية كذلك النّبر والتّنغيم حيث إنَّ تنغيم الجملة الواحدة بطريقة يعطيها معنى الاستفهام وبطريقة أخرى يعطيها معنى التقرير، وبطريقة ثالثة يعطيها معنى الإنكار فقولك : "جاء محمد" بنغمة صاعدة تفيد الاستفهام وبنغمة مستوية تعني الإخبار، وقراء تك: ﴿أإِلهٌ معَ الله؟ ، أو﴿أأرْبابٌ متفرِّقون خيرٌ أمِ اللهُ الواحِدُ القَهّار؟ بتنغيم معين يعطيها دلالة الاستفهام وبتنغيم آخر يعطيها دلالة التعجب.

             ومن الدّلالة الصّوتية كذلك الوقف؛ حيث إنَّ الوقف عند ملفوظٍ من الجملة يعطي الكلام معنى، وعند ملفوظ آخر يعطيه معنى مغايراً، من ذلك الوقوف عند لفظ (المُصلِّين) من الآية ﴿وَيْلٌ لِلْمُصلِّينَ الّذينَ هُمْ عَنْ صَلاتهِمْ ساهُونَ، أو عند لفظ  (هذا) من الآية ﴿قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعثَنا مِنْ مَرْقدِنا هَذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصدَقَ المُرْسَلونَالّذي يعطي الآية معنًى خاطئاً غير مقصود، ومن أجل ذلك كانت علامات التّرقيم في اللّغة المكتوبة، ومن أجل ذلك يعتني القرَّاء وعلماء التّفسير بأماكن الوقف ويقسمونه أنواعاً منها الجائز والواجب والممنوع.